زرقاويون يحلمون بالرحيل عن مدينتهم.. والأسباب؟
"المدينة أصبحت رمزا لاضمحلال المناطق الحضرية والتدهور البيئي، ما جعل خطط سكانها تتمحور حول المغادرة بأسرع وقت ممكن، وفور توافر المال الكافي لفعل ذلك".
كان هذا ملخص إحدى البرقيات السرية لوزارة الخارجية الأميركية بشأن وضع الزرقاء، والتي سربها موقع "ويكيليكس" قبل بضع سنوات.
فهل اختلف الوضع الآن، وهل تلاشت الأسباب والعوامل، أو بعضها، التي ألجأت قسما من أبناء المدينة إلى الرحيل عنها، وقسما آخر إلى التفكير في اللحاق بهم؟.
الواضح برأي البعض أن المسببات لا تزال قائمة، بل ومنها ما ازداد وطأة وسوءا، كما هي الحال مع عدنان الجعبري الذي يعمل موظفا في شركة خاصة.
ويعدد الجعبري جملة من المآخذ التي جعلت حلمه الأكبر يتركز على الرحيل عن الزرقاء إلى مكان آخر تكون بيئته صالحة ومناسبة لتربية وتنشئة أبنائه، كما يقول.
ومما ذكره في هذا السياق أن الزرقاء "تفتقر للحدائق والملاعب، والاكتظاظ السكاني فيها يجعلها غير صحية، كما أنها تختنق بالازدحامات المرورية والهواء الملوث بسبب المصانع وسيل الزرقاء الذي ينشر رائحته الكريهة في أيام الصيف".
ويؤكد الجعبري أنه "لو أجرينا احصائية لوجدنا أن 80 بالمئة تقريبا من أبناء الزرقاء يرغبون في الرحيل عنها".
وتأتي العاصمة عمان في مقدمة المدن التي يقول الرجل إنه يفضل السكن فيها، مع تصريحه بأنه لن يأسف على مغادرة للزرقاء، بل حتى لن يشتاق اليها أبدا، على حد تعبيره.
ذات الحلم بالرحيل يراود أيضا التاجر محمد العبسي، والذي أكد أنه يعيش حالة قلق دائم على أبنائه في ظل ما تشهده المدينة من فوضى وازدحامات مرورية، وكذلك من تفشي الانحدار الأخلاقي والقيمي لدى المتسكعين الذين لا يكاد يخلو منهم شارع.
وقال العبسي "البيئة في الزرقاء غير آمنة، لدرجة أنه صار من الطبيعي سماع الفاظ تخدش الحياء في شوارعها ورؤية التصرفات غير اللائقة من بعض الشباب، كما أن الشوارع فيها غير منظمة ومزدحمة".
وأضاف أنه بات بسبب هذا الوضع يمنع أبناءه من اللعب في الخارج حتى لا يخالطوا تلك النوعيات من الأشخاص، وأيضا يحرص على إيصالهم بنفسه إلى المدرسة وإعادتهم منها".
وأكد العبسي أن أقصى ما يطمح إليه حاليا هو التمكن من تربية أبنائه "في بيئة صالحة وهادئة، وتخلو من الزعران".
ولم تفت هذا التاجر الشكوى من مشكلة تراجع أعماله بسبب الظروف الاقتصادية "والوضع السئ جدا في السوق" نتيجة ضعف القدرة الشرائية للزبائن وتفشي الفقر والبطالة.
وعلى النقيض، تقول الزرقاوية غادة محمود التي تعيش حاليا في الولايات المتحدة وحضرت في زيارة للزرقاء، أنها دائمة الاشتياق وتتمنى العودة للاستقرار في المدينة التي تربت وتعلمت في مدارسها، ولا تزال تعتبرها "مميزة".
وأكثر ما تحن إليه غادة هو "طبيعة ناس الزرقاء البسيطة ونفسياتهم الطيبة، والذين يعرفون بعضهم ويتزاورون ويتآزرون في الأفراح والأحزان".
كما أنها ترى تطورا في المدينة "جعلها أفضل" مما كانت عليه في السابق"، فضلا عن نظرها للاكتظاظ السكاني من زاوية رومانسية، وباعتباره "زخما زاد الزرقاء جمالا ووقارا".
أم عصام، سيدة عاشت في الزرقاء مدة أربعين عاما، ثم كتب لها أن تنتقل لتقيم في رام الله، لكنها لم تطق الحياة بعيدا عن مدينتها التي نشأت وترعرعت فيها، فعادت إليها بعد عام واحد فقط.
تقول أم عصام "الحنين أعادني إلى الزرقاء، وإلى أهلها المتواضعين الطيبين. هذه المدينة جميلة بأهلها وناسها"، مضيفة أن الاكتظاظ موجود فيها كما في مدن غيرها، وهو ادعى في هذه "الظروف الصعبة إلى أن يراعي الناس أحوال بعضهم".
من جانبها، قالت الاخصائية الاجتماعية خولة أبو ريا إن الزرقاء "تُعد منطقة فقر وازدحام سكني مما يجعل الكثير يعتقد أن خروجهم من هذه البيئة إلى بيئة أفضل هو قرار صحيح لهم وﻷولادهم".
لكنها اعتبرت أن "هذا التفكير خاطئ، فالإنسان هو من يصنع بيئته، وعلى كل أب وأم ومسؤول في المجتمع أن يعمل من أجل تحسين هذه البيئة، لأن مردود ذلك سيعود على أبنائه".
ولفتت أبو ريا إلى أن "المحافظات الأخرى لديها أيضا مشاكلها، وقد تعاني من نفس ظروف الزرقاء، لكن اﻷفضل أن لا نفكر في استبدال بيئتنا، بل في تحسينها وجعلها أكثر أمنا وصلاحية لعيش أبنائنا".
إستمع الآن