رفع الدعم ... يرفع ورقة التوت الاخيرة عن الاردنيين

 رفع الدعم ... يرفع ورقة التوت الاخيرة عن الاردنيين
الرابط المختصر

إنها الثامنة صباحاً من أحد أيام كانون أول وموجة ثلجية تضرب العاصمة عمان كما يضرب البرد القارس جسد "ام مروى" واطفالها الخمسة دون هوادة، الامطار تدلف من سطح المنزل لتملأ المطبخ واحدى غرفتي المنزل الصغير، فيما ينزون الاطفال ملتحفين أغطيتهم في الغرفة الاخرى، بجانبهم مدفأة صغيرة لا تكفي لكسر حدة البرد.

قد تغض "ام مروى" البصر عن حاجتها وابنائها للطعام والملبس والدفىء، لكنها لا تستطيع ذلك عندما ترى منزلها المتهالك وحاجتها لمسكن ملائم، تقول"عام عن عام يزداد وضعي الاسري والمعيشي فقرا حيث ارتفعت الاسعار وبقيت الاجور على حالها".

بالمقارنة مع السنوات الماضية حال "ام مروى" كان افضل قبل ان تلجأ الحكومة الاردنية لإلغاء الدعم الحكومي عن المحروقات والكهرباء على القطاع الصناعي والتجاري ويصبح المواطن وجها لوجه مع ارتفاع الاسعار المتتالي.

ارتفاع الاسعار جراء الازمة الاقتصادية زادت وطأته مع ازمة الطاقة التي عصفت بالاردن منذ نحو عامين عقب تذبذب امدادات الغاز المصري وانقطاعه في احيان اخرى ما اسهم بزيادة خسائر شركة الكهرباء الوطنية - الممولة من الحكومة - وانعكس على ارتفاع العجز في الموازنة والتي قدرت لعام 2013 بنحو ملياري دولار وارتفاع الدين العام المقدر بنحو 23 مليار دولار .

وتأتي هذه التطورات في الوقت الذي يستورد فيه الاردن 97 بالمئة من احتياجاته من الطاقة، ويعتمد على الديزل وزيت الوقود مرتفعي التكلفة في انتاج الكهرباء .

 و وجدت الحكومة الاردنية في  تدفق ما يقارب مليون لاجىء سوري جراء الازمة السورية  ذريعة لما اسمته اعادة توجيه الدعم لمستحقيه خصوصا في سلع اساسية من ابرزها مادة الخبز.

 ووفقا لتقرير صادر عن صندوق النقد الدولي مؤخرا فان زيادة الطلب من اللاجئين ادى إلى ارتفاع التكلفة الايجارية وأسعار المساكن بالأردن، وإلى فرض ضغوط على سوق العمل المحلية، فى ظل المنافسة على فرص العمل بين اللاجئين والمواطنين، مما يؤدى إلى تفاقم معدل البطالة والذى بلغ 12.2 % فى عام 2012.

وبرغم تقديم أربع دول خليجية هي الكويت وقطر والسعودية والإمارات برنامج تمويل مشروعات للأردن قيمته الإجمالية خمسة مليارات دولار لمساعدتها  في ازمتها الاقتصادية الا ان هذه المبالغ الضخمة ستبقى كمشاريع وليست كسيولة تدخل الى الخزينة وتسد العجز .

 

الاردن وصندوق النقد :

لجأ الاردن لصندوق النقد الدولي في محاولة منه للخروج من الازمة في ظل حاجة مشاريع الطاقة المتجددة لسنوات لبدء بواكير انتاجها وحاجتها لتشريعات تنظم عملها .

وقعت الاردن مع الصندوق اتفاقية ضمن "مشروع تصحيح اقتصادي "لضمان حصوله على قرض بقيمة ملياري دولار على مدى عامين، بحيث يتضمن "إزالة التشوهات "في الاقتصاد الوطني، وتصحيح مسار الاقتصاد من خلال رفع الدعم الحكومي عن السلع والمواد الأساسية.

وضمن خطة تقشفية، الغت الحكومة الدعم عن المحروقات في تشرين ثاني 2012 ما أدى الى ارتفاع اسعارها بنسبة وصلت الى 40% على الغاز المنزلي و20% على البنزين، حسب مختصون .

كما رفعت الحكومة أسعار الكهرباء على القطاع الصناعي والتجاري بنسبة وصلت إلى 15 بالمئة في اب الماضي، وصولا إلى رفع الدعم عن الكهرباء كلياً لجميع القطاعات، بما فيها المنزلي مع نهاية عام 2017.

وستواصل الحكومة عام 2014 توجهها بإلغاء الدعم الحكومي على الكهرباء للقطاع المنزلي والمياه والخبز واصلاحات ضريبة ما يضيف عبئا ماليا اخر لن يستطيع المواطن مجاراته، اي في نهاية المطاف رفع الحماية عن محدودي الدخل من الموظفين.

ناهيك عن الضرائب على السلع والخدمات التي يتكبدها المواطن والتي ارتفعت ايرادتها حتى الربع الثالث من نهاية عام 2013 بحوالي 7ر273 ﻣﻠﯿﻮن دﻳﻨﺎر.

وصفة صندوق النقد الدولي ما زالت مثار جدل في الاردن وغيرها من الدول التي قبلت بها للخروج من ازمات اقتصادية متراكمة ومنها ما انعكس على امنها وعدم إستقرارها لاحقا لتصبح الما وليس علاجا لكل من استخدمها كاليونان التي تعرض اقتصادها للانهيار وأعلنت إفلاسها .

فيما نأت دول من جنوب شرق اسيا كماليزيا بنفسها عن هذه الوصفة ، واصفة اياها ب "وصفات الموت الاقتصادي" واعتمدت على قواها البشرية لتخطي الازمة الاقتصادية التي عانت منها .

وكادت ان تسوء اوضاع الساحة الداخلية الاردنية نتيجة لقرار الغاء الدعم عن المحروقات حيث عمت المظاهرات والمسيرات مختلف مناطق المملكة ، قبل ان يتم السيطرة على الاوضاع لاحقاً .

لجوء الدول للصندوق اختياري فيما يعتبر اجباريا ما يترتب على الاتفاقيات التي توقع مع الصندوق بوجود الزامية بتنفيذها وقبول توصيات الدول المالية المانحة للحصول على منح منها.

وصفة الصندوق التي تشكل معضلة ولا تختلف من دولة الى اخرى، كما يقول المحلل الاقتصادي حسام عايش، تتمثل بـ"رفع الدعم الحكومي، زيادة الضرائب ، تغيير هيكلة الاقتصاد نحو الخصخصة ، تقليل التدخل الحكومي ، زيادة الاعباء على المواطنين،وتحرير الاقتصاد لكي  يصبح مفتوحا ومندمجا مع الاقتصاد العالمي ".

يدير الاردن ازمته الاقتصادية "بالقطعة" على حد وصف عايش، لافتا الى دورانه بنفس الفلك مع سياساته بتعظيم النفقات الجارية غير المنضبطة ما يؤدي الى مزيد من العجز،اضافة الى عدم اصلاح الخلل في الاقتصاد كابقاء المؤسسات المستقلة التي تستنزف مواد الدولة وتقدر ميزانياتها عام 2013 بمليار و839 مليون دينار والهدر وتضخيم حجم الموازنة بما لا يؤدي الى نمو اقتصادي حقيقي.

تدافع الحكومة الاردنية عن صندوق النقد بقولها ان" الصندوق ليس مؤسسة استعمارية ولا يمتلك اي دبابة او مدفعية"، واصفة إياه"بالطبيب المعالج .

بل وترفض مسألة ان الاردن مرتهن للصندوق، مؤكدة على ان القرارات الاقتصادية التي اتخذت رفعت موارد خزينة الدولة في البنك المركزي من 5 مليارات الى 12 مليار دينار خلال عام 2013.

فيما ولاول مرة في تاريخ الصندوق تعترف كرسيتين لاغارد، رئيسة الصندوق، بأن الصندوق بالغ في فرض إجراءات التقشف على اليونان

فيما يرى الخبير الاقتصادي جواد العناني ان القرارات الاقتصادية ولو انها سببت الالم للمواطنين الا انها في مصلحة الاقتصاد الاردني " لان كلفة الطاقة خارج ارادة الشعب الاردني".
ويعتبر موافقة الصندوق على منح قرض للاردن انها دليل على ان اقتصاد الاردن قوي وقادر على الخروج من الازمة،مشيرا الى ان"الدولة التي لا تحصل على قروض هي دولة اقتصادها متردي جدا،والمجتمع الدولي لا  يخاطر باعطاءها اي قرض ".

ويؤكد العناني على ان لابد من خطة استراتيجية تنهي ازمة الطاقة في الاردن والمياه والبطالة والعجز في الموازنة"الامر الذي يتطلب"زيادة الانتاج وتحسين الاداء الاقتصادي ورفع التنافسية ".

لكن بالرغم مما سبق  ف"أم مروى"ما زالت تشعر بالألم فأوضاعها الاقتصادية لم تتحسن حالها كحال الاردنيين جميعا ،إلا انها لا تريد ان تفقد الأمل من باب دوام الحال من المحال.

أضف تعليقك