رفع الدعم مسلسل حكومي طويل من اخراج صندوق النقد

رفع الدعم مسلسل حكومي طويل من اخراج صندوق النقد
الرابط المختصر

باتت السياسات الاقتصادية للحكومة وإجراءاتها المتتالية، هاجسا يستحوذ على تفكير شريحة كبيرة من المواطنين، خوفا من تفاقم صعوبة حياتهم المعيشية؛ لعدم قدرتهم على توفير احتياحاتهم الأساسية نتيجة رفع الدعم عن العديد من السلع وما ينتظروه من توقعات برفع الضرائب.

 

مسلسل رفع الدعم الحكومي طويل بدأ في عام 2007 عندما رفعت حكومة معروف البخيت الدعم عن المحروقات وتربطها بالسعر العالمي، لتأتي الحكومات المتعاقبة و تكمل النهج الاقتصادي حتى عام 2011-2012  الذي شهد "فرملة" للرفع، بسبب هبوب رياح الربيع العربي على المملكة.

 

 

 

الا أن  حكومة رئيس الوزراء السابق عبدالله النسور قررت رفع الدعم عن اسعار المحروقات في عام 2012، بنسب تتراوح من 14% الى 53% لمواجهة عجز الموازنة في بلد يستورد 98% من احتياجاته النفطية، ويعتمد اقتصاده على المساعدات الخارجية.

 

وعملت الحكومة حينها على تعويض المواطنين وفق آلية صرف الدعم النقدي، إلى أن قرر مجلس الوزراء بعد عامين من ذلك، عدم صرف بدل المحروقات لهبوط سعر برميل النفط عن الـ100 دولار.

 

 

ورجحت دراسة للبنك الدولي حول الفقر، أن يؤدي رفع الدعم الحكومي عن بعض السلع إلى زيادة تراكمية في معدلات الفقر في المملكة بنسبة تصل إلى 3.4%، في حين أن تحرير سعر اسطوانة الغاز وحدها سيزيد من نسبة الفقراء بنسبة 0.5% من المواطنين، أما رفع أسعار المياه فيزيد نسبتهم بـ1.4%.

 

سياسات حكومية أمام الاشتراطات الدولية

 

وزير المالية الأسبق يعتبر سامر الطويل أن "الدولة لا تزال تتخبط بسياساتها الاقتصادية، دون العمل على سياسة حقيقية ثابتة لمعالجة الأزمات الاقتصادية".

 

ويوضح الطويل بأن الحكومات المتتالية تعمل على تنفيذ برامج واشتراطات صندوق النقد الدولي وما تمليه الدول المانحة، دون وضع استراتيجية واضحة المعالم.

 

يعود قرار رفع الدعم عن السلع الى تنفيذ المملكة توصيات لصندوق النقد الدولي الذي يقود منذ منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، "برنامج تصحيح اقتصادي" للأردن في محاولة للخروج من أزمة اقتصادية ضربت البلاد.

 

 

وشكلت برامج "التصحيح الاقتصادي" التي وضعها الصندوق منذ 1989 وحتى 2017؛ جوهر السياسات الاقتصادية للحكومات الأردنية المتعاقبة التي طبقت هذه الوصفات، وقامت برفع أسعار ورسوم سلع أساسية، وفرضت عددا كبيرا من الضرائب، استجابة لمطالبات الصندوق.

 

الخبير الاقتصادي منير حمارنة يرى أن قرار رفع الدعم يعد قرارا سياسيا بحتا، وأحد اشتراطات صندوق النقد الدولي، ويأتي كثمرة الكساد الاقتصادي المتواصل الذي يعاني منه الاقتصاد الوطني.

 

ويلفت حمارنة إلى أن غياب السياسات الاقتصادية الواعية  لمواجهة الحالات الاقتصادية الصعبة، زادت من تردي الأوضاع وتعميقها، فيما لا تجد الحكومات سوى جيب المواطن كملجأ لحل تلك الأزمات، وهو ما ينعكس على زيادة نسبة الفقر.

 

وتضمنت مفاوضات بعثة صندوق النقد الدولي مع الحكومة العام الماضي، خلال مناقشة اقرار برنامج التصحيح الاقتصادي الجديد الذي سيطبق خلال الأعوام 2017- 2020 وذلك من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن السياسات الاقتصادية الكلية والإصلاحات الهيكلية الشاملة في إطار برنامج مدعوم من الصندوق.

 

وتمثلت اشتراطات الصندوق بإعادة النظر في سياسات تسعير المياه والكهرباء باتجاه رفع الدعم الحكومي عنها بشكل كامل، وإعادة النظر في قانون ضريبة الدخل وتخفيض الشرائح المشمولة بالإعفاءات الضريبية، والتقدم باتجاه فرض الضريبة التصاعدية.

 

المواطن.. أضعف حلقات السياسات الاقتصادية

 

" ويعد أكثر المواطنين المتضررين من رفع الدعم الحكومي هم أصحاب الدخول المحدودة والفقراء، بحسب  الخبير  في دراسات الفقر محمد الجرابيع، الذي يرجع ذلك إلى استمرار ارتفاع الأسعار مع ثبات دخولهم، الأمر الذي يزيد من التفاوت الاجتماعي ويحول المجتمع إلى طبقتين إحداهما تملك والأخرى لا تملك.

 

ويشير الجرابيع إلى أن دخول المواطنين الثابت، لم تعد كافية لتلبية احتياجات الأفراد والأسر الأساسية المتزايدة، ما أدى إلى دخول العديد من الأسر في حالة من الحرمان التي تدفعهم إلى إعادة النظر بأولوياتهم المعيشية.

 

ويوضح  أن النسبة الأكبر من دخول المواطنين لا تتجاوز الـ 500 دينار شهريا، وهو ما لا يكفي لتلبية احتياجات عائلة مكونة من 4 أفراد.

 

 

فـ"توجه رفع الدعم الحكومي دون أن يرافق ذلك برامج موازية لمكافحة الفقر والبطالة، من شأنه أن يتسبب بانحدار وتراجع الطبقة الوسطى إلى الفقيرة"، على حد قول الوزير الأسبق سامر الطويل.

 

ويعتبر أن "القرارات الاقتصادية المختلفة لمعالجة عجز خزينة الدولة خلال السنوات السابقة، كرفع الدعم، ومن ثم فرض الضرائب على السلع الأساسية ومن ثم إزالتها انعكس بشكل واضح على تدني المستوى المعيشي لكافة طبقات المجتمع".

 

ويرى الطويل أن الحكومة تقوم بمحاولة معالجة الأوضاع الاقتصادية دون الأخذ بعين الاعتبار الانعكاسات والأبعاد الاجتماعية والأمنية والسياسية على طبقات المجتمع، وقياس مدى سلبيتها.

 

فيما يرى الخبير الاقتصادي وأمين عام الحزب الشيوعي منير حمارنة، أن النهج الذي تتبعه الحكومات المتعاقبة أوصل المجتمع إلى الحالة البائسة التي بات عليها، "فخضوع الدولة لمقترحات صندوق النقد الدولي يزيد من المآسي المجتمعية  التي قد تولد انفجارا إذا ما لم تتم معالجتها.

 

ويشير حمارنة إلى أن المزيد من  تلك الإجراءات التي يصفها بالقاسية سيزيد من معدل البطالة والفقر من جهة، وتعميق حالة الركود الاقتصادي من جهة أخرى.

 

ويقترح أن تعمل الحكومة على اتباع مبدأ الضريبة التصاعدية، وتحصيل أموال التهرب الضريبي، إضافة إلى وضع سياسات استثمارية مجدية لتشغيل المواطنين وتحسين دخولهم.

 

وتسبب رفع الدعم الحكومي عن المشتقات النفطية في عهد حكومة عبدالله النسور عام 2012، بحالة من احتقان الشارع وحركة احتجاجات عمت مختلف محافظات المملكة بما عرف بـ"هبة تشرين"..

 

 

ضعف الدراسات لشح الإحصاءات

 

فيما يلفت الجرابيع إلى أن عدم توفر أرقام وطنية تحدد نسبة الفقر بحيث يعتمد عليها الباحثون لمعالجة مشكلة الفقر، ما يعمق من فشل الحكومة بتلبية احتياجات المجتمع واتخاذ إجراءات مستندة إلى دراسات نوعية.

 

ويظهر آخر تقرير لحالة الفقر في المملكة لعام 2010، ارتفاع مستويات الفقر إلى 14.4%، مقارنة بـ13.3% في العام 2008 .

 

فيما ينتظر أن تعلن الحكومة قريبا عن نتائج دراسة حديثة لمعدلات  الفقر تجريها دائرة الاحصاءات العامة،  بهدف توفير بيانات تفصيلية حديثة تعكس واقع حال إنفاق ودخل الأسرة والأفراد.

 

يذكر أن المعدل السنوي للدعم الحكومي لمادتي القمح والشعير تراوح ما بين 180 مليون دينار إلى 220 مليون دينار خلال الأعوام 2009-2013، إلا أنه شهد اعلى حجم في عام 2008 حيث بلغ 420 مليون دينار، إذ ارتفعت أسعار المواد الغذائية عالميا في ذلك العام لأعلى مستوى تاريخي.

 

فيما عاد حجم الدعم للتراجع إلى 186 مليون دينار عام 2009، وبلغ 192 مليون دينار في 2010، وبلغ إجمالي الدعم (المواد الغذائية والمحروقات والغاز) خلال عامي 2011 و2012 حوالي 1.6 مليار دينار.