حياة أصحاب الرأي: حمايتها واجب الدولة

حياة أصحاب الرأي: حمايتها واجب الدولة
الرابط المختصر

 

في آذار/ مارس الماضي، أطلقت الحكومة "الخطة الوطنية الشاملة لحقوق الإنسان" للأعوام (2016-2025)، وكان الهدف الرئيسي الأول فيها: "حماية الحق في الحياة والسلامة الجسدية"، وتطوير الإطار القانوني الناظم لهذا الحق لمواءمته مع الدستور والمواثيق الدولية في حدود ما صادق عليه الأردن.

 

وقد صادق الأردن على العديد من الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، على رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نص في المادة الثالثة منه على أن "لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه".

 

كما نص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، في المادة السادسة منه على أن "الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان، وعلى القانون أن يحمي هذا الحق، ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا".

 

إضافة إلى الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي نص في المادة الخامسة منه على أن "الحق في الحياة حق ملازم لكل شخص".

 

وفي حال تهديد حياة الأفراد، فإن الدولة تتحمل بانضمامها إلى معاهدات حقوق الإنسان الدولية بما فيها العهد والميثاق، عدة التزامات رئيسية، بحسب الأستاذ المساعد في كلية الحقوق بجامعة البترا، علي الدباس، منها: "الالتزام بحماية حق الإنسان في الحياة... مايقتضي التزام قيام الدولة بمنع التجاوزات التي ترتكبها جهات غير تابعة لها، كقيام طرف ثالث (مواطن آخر) بالاعتداء على حياة إنسان، عندها يتعين على السلطات العامة العمل على وقف هذا الانتهاك وضمان الإنصاف القانوني للضحايا".

 

ناهض حتر: الاختبار المبكر

 

وقَعت الحكومة و"الخطة الوطنية الشاملة" –باكراً- تحت الاختبار في أغسطس وسبتمبر الماضي، عندما تلقى الكاتب والصحافي "ناهض حتّر" تهديدات "بالقتل أو الحرق، له ولأولاده وأهله" حسب شهادة شقيقه "خالد" لـ"عمّان نت"، وذلك بعد مشاركته رسماً كاريكاتيريا، اعتُبر "مسيئاً للذات الإلهية"، على صفحته في الفيسبوك، ما أدى لاستدعائه من محافظ العاصمة بإيعاز من رئيس الوزراء، هاني الملقي، ليُسند له لاحقاً جرم "إثارة النعرات المذهبية والعنصرية" من مدعي عام عمّان الأول.

 

في الثامن من سبتمبر/ أيلول الماضي، صدر قرار الإفراج عن حتّر لقاء كفالة عدليّة، يقول شقيقه خالد: "بعد صدور قرار الإفراج عن ناهض وقبل إخلاء سبيله.. أبلغتني شرطة العاصمة بأن أمنه الشخصي مسؤوليته"، و"لم تتخذ أي إجراءات لحمايته".

 

يرى عضو لجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان في نقابة المحامين، أنس الشوبكي، في هذا الصدد، أنه "في حال تعرّض شخص للتهديد بعمل يعاقب عليه بعقوبة جنائية، كالقتل مثلاً... وبمجرد اقتناع المدعي العام أو الحاكم الإداري بجديّة التهديد فإنه مناط به–كضابطة عدلية- حماية حياة هذا الشخص، حتى لو أبدى الشخص استعداده لإطلاق سراحه على مسؤوليته الشخصية، فهذا الأمر لا يخضع للإرادة الشخصية بل لتقدير المدعي العام".

 

في الـ 25 من سبتمبر/ أيلول الماضي، أثبتت عملية اغتيال حتّر أن التهديدات لم تكن "كرتونية وبطولات فيسبوكية" كما اعتبرها محافظ العاصمة في حديثه مع المحامي "يوسف الحامد"، بحسب شهادة الأخير لـ"عمان نت"، وذلك حين قدّم له–في وقت سابق-ملف التهديدات بـقائمةٍ تضم (23) شخصاً، مضيفاً أنه "لم يُستدعَ أي منهم قبل عملية الاغتيال"، ولم تُتّخذ أي إجراءات للحماية رغم "أننا طلبنا دوريّة(أمنيّة) على باب المنزل، وأثناء جلسات المحاكمة... كما حدث في حالات سابقة لتأمين حياة شخصيات سياسية مهددة".

 

ويقول الشوبكي، في هذه الناحية، إذا كان للمشتكي (من جرم التهديد) قناعةٌ قادرٌ على تبريرها بأنه محلّ وقوع جريمة، ويتوقع أن يُقتل، "فله أن يطلب من المدعي العام أو الحاكم الإداري أن يرفق معه قوى أمنية تحرس منزله خلال فترة التهديد، وهذا بموجب قانون أصول المحاكمات الجزائية وقانون العقوبات، وقد يرى المدّعي العام أو الحاكم الإداري من تلقاء نفسه أن هذا التهديد جديّ"، ومن المعايير الثابتة لتحديد جديّة التهديد: صفة الشخص (وضعه الاجتماعي)، وموضوع التهديدات وحجمها.

 

خصوصيّة الصحافيين والكُتّاب وأصحاب الرأي

 

المادة (15) من الدستور الأردني:
1- تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون

.يعتقد الباحث في منظمة هيومن رايتس ووتش، آدم كووجل، أن واجبَ الدولة حمايةُ المواطنين من الأذى، خاصة أولئك الذين تلقوا تهديدات جادّة بالقتل. ويقول لـ"عمّان نت": "لا يوجد أي التزام محددٍّ على الأردن لحماية الكتاب والصحافيين بمستوى مختلف عن المواطنين الآخرين، ينبغي أن تمتد هذه الحماية إلى الجميع"، مضيفاً أن "استخدام تهمة ازدراء الأديان ضد الأفراد –في مجتمع محافظ- يرفع بالتأكيد مستوى التهديد الذي يواجهونه"، وأن على الأردن واجب احترام حقهم في حرية التعبير.

فيما يعتبر الدبّاس أن حق الكُتّاب وأصحاب الرأي في حرية التعبير مكفولٌ بموجب المادة (15) من الدستور الأردني، وبموجب العديد من نصوص الاتفاقيات الدولية وفي مقدمتها المادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وبالتالي فإن الدولة ملزمة بحماية الفرد لممارسة هذا الحق، وحمايته من أي اعتداء قد يشكل خطراً على حقه في الحياة.

من الماد (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية:

1- لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة.

2- لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.

كما يُشير إلى أن حماية الكُتّاب والصحافيين يضمن في طيّاته حماية حق الأفراد في المعرفة والحصول على المعلومات، وأنهم من أهم فئات المجتمع التي قد تتعرض لسُخط الرأي العام؛ مما يستوجب توفير الحماية اللازمة لهم في هذا المضمار حتى لو استدعى الأمر إجراءات إضافية.

هل تُلدغ الحكومة من جُحر مرتين؟

بحسب الدبّاس، فإن التشريعات الأردنية نصّت على الحفاظ على الأمن العام ومنحت رجال الضابطة العدلية ومساعديهم صلاحياتٍ للحفاظ على الأرواح والممتلكات، وبالرجوع إلى قانون الأمن العام (المادة 4) يتبين أنه قد نص على أن من واجبات الأمن العام "المحافظة على النظام والأمن وحماية الأرواح والأعراض والأموال".

ما زال عدد من الكُتّاب وأصحاب الرأي يتعرضون للتهديد، أحدهم الخبير التربوي "ذوقان عبيدات"، وذلك على خلفية انتقاده للمناهج الدراسية–قبل تعديلها- في وزارة التربية والتعليم، و"الفكر الداعشي المنتشر بشكل واسع في كتب التربية الوطنية واللغة العربية والتربية الإسلامية" حسب دراسات له نُشرت في جريدة الغد.

وكان قد وصل إلى عبيدات تهديدان بالقتل، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما دعاه إلى التبليغ وتقديم شكوى إلى المحكمة. يقول عبيدات لـ"عمان نت": "أبلغت جهاز الأمن الوقائي (بهذه التهديدات)، وكان له إجراءات سريعة، حيث تم القبض على المتهمين في اليوم نفسه".

 

كما طلب عبيدات إجراءات وقائية من جهاز الأمن، "وكان ردّهم إيجابياً، مع اهتمام كامل من مدير الأمن الوقائي، حيث أخذوا الأمر بمنتهى الجدية، وزودوني بتوجيهات وقالوا لي: سنكون قريبين"، بحسب قوله.

 

ويعتقد عبيدات أن الدولة مطالَبة بوضع برنامج توعويّ لتعليم المواطنين عبر المساجد والتلفزيونات والجرائد ومواقع التواصل الاجتماعي، يقول: "هناك فئة متطرفة تنشر –حتى الآن- خطاب الكراهية بكل حرية، ولم يُسأل أحدٌ منهم... أحد الذين هددوني شيخ مسجد؛ أي أنه موظف في الدولة".

 

ويعتبر عبيدات أن لا حماية للأفراد في مجتمعات ديمقراطية إلا القانون، مضيفاً: "إذا كانت الدولة بموجب القوانين الحالية غير قادرة على توجيه الناس؛ فيجب أن تكون هناك، على الأقل، صرامة  وحزم في التعامل مع الخطاب التكفيري أو مع العنف".

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

هذا التقرير أعُد ضمن مشروع “إنسان”

أضف تعليقك