تعثر دمج المؤسسات والهيئات المستقلة.. أرقام ودلالات

تعثر دمج المؤسسات والهيئات المستقلة.. أرقام ودلالات

درجت العادة، أن تضع كل حكومة تأتي قضية دمج المؤسسات والهيئات المستقلة على رأس أولوياتها، ثم ترحل بخططها ودراساتها، وتبقى هذه المؤسسات.

 

فمُنذ حكومة معروف البخيت الثانية، والتي عزمت على دمج هذه المؤسسات، يبقى الوضع على حاله إذ "ترحل الحكومة، ويبقى زعماء هذه المؤسسات في مكانهم"، بحسب خبراء اقتصاديين.

 

ولأن أفضل الحلول، للخروج من الأزمة المتفاقمة التي يعاني منها الاقتصاد الوطني، هو "دمج المؤسسات والهيئات" المستقلة، فقد انتفض الكثير من خبراء الاقتصاد، دعما لتوجه الدولة لاتخاذ هذه الخطوة قبل أعوام، والتي تقطع اسوأ  طريقة للإنفاق الرسمي، والذي كان قد تنامى في السنوات الأخيرة بشكل جنوني، وفق الخبير والمحلل الاقتصادي سلامة الدرعاوي.

 

عدد الهيئات والمؤسسات المستقلة

 

ويقدر الدرعاوي في حديث مع "عمان نت"، عدد المؤسسات والهيئات المستقلة في الأردن بأكثر من 60 مؤسسة وهيئة، تتبع بشكل مباشر لرئاسة الوزراء، وهي مستقلة إداريا وماليا، وليس للحكومة سلطة عليها من هاذين الجانبين.

 

فيما لم يتجاوز عددها الـ"32"مؤسسة وهيئة عام 2003، ليصل اليوم إلى ما يناهز ال65 هيئة مستقلة، وفقا للدرعاوي.

 

ويشكك مهتمون بالرقم الحقيقي للمؤسسات والهيئات المعلن عنها، ويرون أنها أكبر من ذلك بكثير، نظرا لأن هذه المؤسسات أصبحت "تفرخ" المزيد من المؤسسات والدوائر، بحسب الكاتب والخبير الاقتصادي خالد الزبيدي.

 

أسباب استحداثها

 

نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية وزير الصناعة والتجارة جواد العناني، يبرر في حديثه لـ"عمان نت" لجوء الدولة إلى خلق مؤسسات وهيئات مستقلة، بتحسين الإدارة، والاستفادة من الخبرات السابقة، التي تفيد بأن حصر جميع المؤسسات تحت وزارة واحدة، كان له سلبيات أضرت بالاقتصاد الأردني، وبالتالي كان من المفترض ان تستقل مؤسسات عن وزاراتها وتعمل بمفردها، وفق الفترة الزمنية السابقة.

 

ونشأت هذه المؤسسات، كشكل من تدخل الدولة في الفترة الماضية، في أماكن لم يكن بالإمكان إشراك القطاع الخاص فيها، مثل مؤسسة الضمان وهيئة التأمين والإقراض الزراعي وغيرها كثير، وبالتالي تحقيق إشراف مباشر أكثر من قبل الدولة، كما يرى الخبير الاقتصادي  ماهر الواكد.

 

العجز والوفر المالي نتيجة بقائها

 

ومع مرور الوقت، غدت بعض المؤسسات والهيئات عبئا كبيرا على ميزانية الدولة، فالحكومة تتحمل الجزء الأكبر منه، وبشكل غير مباشر خزينة الدولة المركزية.

 

التبعية المالية المرهقة للخزينة من قبل المؤسسات والهيئات المستقلة، كانت في السابق تولد فائضا ماليا يقدر بحوالي 127 مليون دينار حتى عام 2003، علما أن عددها لم يتجاوز الـ"33" مؤسسة، أما اليوم ومع تضاعف هذا الرقم، فإن لديها إنفاق يتجاوز الملياري دينار ، بعجز يقارب الـ"900" دينار أردني، اي بنسبة عجز تتجاوز 5%، وفق الدرعاوي.

 

ويؤكد الدرعاوي، إن قلة من المؤسسات والهيئات، التي حققت وفرا ماليا، كما يقول البعض، من مثل هيئة الأوراق المالية، وهيئة تنظيم قطاع الاتصالات، إلا ان غالبية المؤسسات لا يمكن أن تفر من العجز المتراكم عليها.

 

مؤسسات في خدمة المواطن .. رغم "عجزها"

 

رغم ذلك، فإن هذه المؤسسات، أنشئت لخدمة المواطن بالدرجة الأولى، فإذا كانت تقوم بهذا العمل وتؤدي الخدمة على أكمل وجه، ويعتريه عجز، فإن ذلك لا يعد عيبا ولا نقيصة، بل إن من شأن ذلك أن يعطي حافزا للمؤسسة والعاملين فيها للجد والاجتهاد للتقليل من هذا العجز، يقول العناني.

 

ويوضح العناني أنه وحتى إن كانت المؤسسة تحقق وفرا ماليا، ولا تؤدي عملها بشكل لائق، فإنها تخالف بالدرجة الأولى الهدف الأساسي التي تشكلت لأجله، فلا العجز يدل على أن المؤسسة سيئة ولا الوفر يعني بالضرورة أنها ممتازة.

 

ويتساءل: كيف من الممكن أن نحكم على شركة الكهرباء الوطنية مثلا، التي تعاني عجزا ماليا ضخما، أنها سيئة، ولا تؤدي دورا إيجابيا للمواطن؟، مؤكدا أن عدد المؤسسات والهيئات المستقلة التي تعاني بالفعل عجزا لا تتجاوز المؤسستين، وهما شركة الكهرباء، وسلطة المياه.

 

وكانت الحكومة قد تقدمت إلى مجلس النواب بمشروع قانون إعادة هيكلة المؤسسات والدوائر الحكومية لعام 2013، والذي يهدف إلى إلغاء الازدواجية والتداخل في المهام والصلاحيات التي تتولاها بعض المؤسسات والهيئات المتشابهة وتقليص عددها من خلال دمج البعض منها أو إلغائها لترشيد الإنفاق المالي.

 

عملية دمج .. لا تلبي الطموح

 

وبالفعل، قامت الحكومة بعملية دمج لعدد قليل من المؤسسات، وهذه الخطة، لم تكن تلبي الطموح و لا تتناسب مع المطالب الداعية لهيكلة مؤسسات الدولة، أو خطة الإصلاح الإداري.

 

ويوضح الدرعاوي أن عملية الدمج التي قامت بها الحكومة استهدفت بالدرجة الأولى المؤسسات الاقتصادية، بحيث أن سبب وجود هذه المؤسسات قد انتفى، وأصبحت عبئا على الخزينة، ومن الناحية الأسمية مستقلة إداريا وماليا، وإنما تعمتد فعليا على الخزينة، والتي كانت تمول عجزها، على حد تعبيره.

 

وحول عملية الدمج، يرى الكثير من المحللين الاقتصاديين أنها تسير، وإنما ببطء شديد، لا يتناسب وحجم النتائج المترتبة على هذه العملية.

 

خمول عملية الدمج .. الأسباب والمبررات

 

ويرى الدرعاوي، أن السبب الحقيقي خلف الخمول في عملية الدمج، يتمثل بالدرجة الأولى بالإجراءات البيروقراطية الحكومية المعقدة في العمل، إضافة لما أسماه بمقاومة الحرس القديم، الذين يتطلعون لبقاء هذه المؤسسات، التي، يقول الدرعاوي، إنها تعمل على تحقيق مصالح خاصة بهم، وويضاف إلى ذلك كله، عدم وضوح الرؤية الحكومية في خطوات الإصلاح الإداري السريع.

 

من جانبه، يعتقد الخبير الاقتصادي والكاتب خالد الزبيدي، أن المشكلة لا تتعلق فقط بالبيروقراطية، فهي منتشرة بالأساس في كل مؤسسات الدولة، وإنما بوجود أشخاص أصبح لهم مكاتب، فمن الصعب ان يتنازلوا عنها، والحكومة حتى الآن غير قادرة على الشروع بشكل حقيقي في هذا الموضوع، إضافة للمديرين المتنفذين، الذين تفوق رواتبهم رواتب الوزارات والمؤسسات الأخرى.

 

إلا أن الوزير العناني، ينفي أن تكون الحكومة غير قادرة على إنجاز عملية الدمج بوتيرة سريعة، وإنما من حق الحكومة أن تتريث باتخاذ الإجراءات الدقيقة التي تخدم العملية الإصلاحية الإدارية.

 

فالخطوات الإصلاحية الكبيرة مثل عملية الدمج، تحتاج إلى وقت كبير، فهي أولا تحتاج لتغيير قوانين، وثانيا لا بد من تسيير العمل داخل هذه المؤسسات أثناء عملية الدمج، وهذا يحتاج لوقت كبير، وثالثا، هناك عمل كثير بعد عملية الدمج، فلا بد من وضع الترتيبات الصحيحة، والخطط الدقيقة، والتشريعات المناسبة، لإنجاز عمليات الدمج عند الضرورة، فالدمج السريع غير المدروس، من الممكن أن يوقع الدولة لفترات زمنية طويلة بعملية الترقيع".

 

وعليه، فالواجب، يقول العناني، أن لا "ننزعج من الوقت"، إنما يجب أن ننزعج إذا توقفت محاولات الحكومة في عملية الدمج السليمة، أو التخلي عن هذا المشروع، والتي يترتب عليها توفير بعض الكلف الإضافية عن المواطن.

 

مصادر اقتصادية رسمية، أرجعت التأخير بسبب ما أسمته "لوجستيات النقل" أي نقل الملفات والأفكار، فالحكومة لا يمكن أن تستغني عنها، بل إنها تبني على نتائجها ومخرجاتها.

 

وتم دمج 10 مؤسسات وهيئات مستقلة تقريبا حتى اللحظة، ومن أبرزها هيئة التامين، وقطاع الاتصالات، وهيئة تنظيم قطاع الكهرباء، والطاقة والمعادن، وسلطة المصادر الطبيعية.

 

أخطاء في عملية "الدمج"

 

إلا أن هذا الدمج، بحسب الدرعاوي، كان شكليا، حيث لم يشمل إعادة هيكلة الموظفين على سبيل المثال، وإعادة توزيع الصلاحيات، لذلك بقيت هذه المؤسسات تعمل وبنفس العمل والوظيفة، وبنفس الامتيازات المالية.

 

ويرى الخبير الاقتصادي ماهر الواكد أن الكثير من هذه المؤسسات، نشأ بفعل عقليات، كان الظن أنها مدركة للوضع الاقتصادي، إلا أنه تبين فيما بعد أنها عقليات تدير الأمور ببيروقراطية شديدة، فنتج هذا الكم من المؤسسات التي زادت من العبء المالي والإداري.

 

ويضاف إلى ذلك، وفق ما أكدته مصادر اقتصادية رسمية، أن عملية الدمج استهدفت مؤسسات كانت تدر وفرا كبيرا لخزينة الدولة، مثل سلطة المصادر الطبيعية، والتي يقدر عمرها العملي بنحو 50 سنة، وكانت تعمل على استقطاب مستثمرين والبحث عن المعادن والتنقيب عن الثروات، واخر استثمار كان بسببها يقدر بـ"5" مليارات دولار، وتحديدا الشركة الإستونية التي تعمل على استخراج الصخر الزيتي.

 

وتجدر الإشارة أخيرا، إلى أن من أبرز القرارات الحكومية، والتي تتعلق ببرنامج الإصلاح المالي والإداري مع صندوق النقد الدولي، شملت تخفيض النفقات الجارية للمؤسسات والوحدات الحكومية المستقلة، علماً أن الأثر المالي السنوي لها يقدر بنحو 69 مليون دينار.

أضف تعليقك