أبدى نشطاء حقوقيون في الزرقاء تحفظات إزاء التعديلات الحكومية المقترحة على المادة 308 في قانون العقوبات، لجهة إبقائها على إعفاء الجاني من العقوبة في الجرائم الجنسية إذا تزوج ضحيته في حالات "مواقعة الأنثى القاصر" برضاها.
وأكد هؤلاء النشطاء أن التعديلات التي ستحيلها الحكومة في المرحلة المقبلة إلى مجلس الأمة من أجل مناقشتها وإقرارها، تشكل في المجمل خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنهم اعتبروها غير كافية، وجددوا تمسكهم بمطلب إلغاء المادة نهائيا.
وتنص المادة حاليا على إعفاء "الجاني في جرائم الاغتصاب من العقوبة في حال زواجه زواجا صحيحا من الضحية على أن يستمر الزواج في حالات الاغتصاب خمسة أعوام بعد ارتكاب الجناية".
وجاءت التعديلات المقترحة لتخرج مجموعة جرائم جنسية من نطاق التطبيق وهي: الخطف، والاغتصاب، وهتك العرض، وتحريض امرأة على ترك بيتها لتلتحق برجل غريب، والمداعبة بصورة منافية للحياء، وتنكر رجل بزي امرأة لدخول أماكن خاصة بالنساء.
وفي المقابل فقد أصبحت الجرائم المشمولة وفق النص المعدل هي: جرائم الزنا، ومواقعة أنثى عمرها بين 15-18 عاماً، وهتك عرض أنثى أو ذكر أقل من 15 عاماً، والخداع بوعد الزواج للبكر التي عمرها أكثر من 15 عاماً.
وجاءت التعديلات كإحدى ثمرات حملة أطلقها تحالف ضم أكثر من 55 منظمة ومؤسسة مجتمعية تتمثل في مختلف محافظات المملكة من أجل الغاء المادة 308.
مستشار جمعية النساء العربيات المحامي لؤي الشريف، أكد أنه "كان الأجدر إلغاء المادة نهائيا"، وأن المنظمات الحقوقية كانت "تتوقع شيئا أكثر" من مجرد تعديلات عليها.
وقال الشريف الذي كان يتحدث لبرنامج "هنا الزرقاء" الذي يبثه "راديو البلد" و"إذاعة بلدية الزرقاء"، إن "وجهة نظر المشرع كانت التدرج في إلغاء المادة على ما نعتقد، لكن (التعديلات) بهذه الطريقة جاءت منقوصة".
وأضاف "كنا نتوقع إلغاء الإعفاء أو وقف الملاحقة ووجوب المعاقبة وعدم ترك الأمر لأطراف النزاع أو الشكوى، بحيث أنه لو تم الضغط على الفتاة للموافقة فهنا توقف الملاحقة، وهذا ما يحصل غالبا، وسابقا كانت تتم الموافقات ووقف الملاحقة أو العقوبة بحق الجاني بذات الطريقة، وبالتالي لم نستفد شيئا".
واعتبر الشريف أنه "طالما أن الضحية قاصر فنحن لا نعطي لرضاها أي اعتبار، لأنها لا تدرك أهمية الأمور أحيانا، وقد تكون هناك وسائل للتغرير بها، فهي ليست كاملة الإرادة".
وكان وزير العدل بسام التلهوني قلل من المخاوف حيال إمكانية إكراه الضحية على الإفادة أمام المحكمة بأن ما حدث معها كان برضاها، مؤكدا أن باستطاعة المدعي العام التحقق إن كانت الحادثة تمت بالرضا أم لا حتى لو اعترفت الضحية، وذلك عبر الطب الشرعي وإثبات عملية الإكراه.
وتساءل الشريف عن الحكمة من وقف الملاحقة "ونحن هنا نتحدث عن جريمة تمس نفسية الشخص بدرجة أكبر، فهي لا تعاني من جرم عادي، بل هو فوق العادي، بحيث يمس الحالة النفسية ويترك أثرا نفسيا كبيرا يختلف عن أي جرم آخر".
وقال "لو تحدثنا عن جرم الإيذاء والضرب على سبيل المثال، فإن أثار هذا الجرم وضرره النفسي (على الضحية) لا يستغرقان فترة زمنية طويلة حتى يزولا، بخلاف حالة الاعتداء الجنسي المباشر على فتاة، بغض النظر عما إذا كانت قاصرا أم كاملة الرشد".
وأكد الشريف أن أثار الجريمة الجنسية تكون عادة "مستمرة، وفي حال حصل الزواج وبقيت الحياة الزوجية قائمة وكان هناك أطفال، فإن هذه الآثار لن تقتصر على نفسية الضحية، بل ستمتد إلى أولادها وبناتها".
من جانبه، أيضا، عبر إبراهيم الساحوري، الناطق الإعلامي بإسم حملة "ضحية لا تخليها هدية" المناهضة للمادة 308، عن تحفظه على التعديلات المقترحة، لكنه تمهل في إصدار حكم عليها إلى حين دراستها.
وقال الساحوري "نحن كحملة لا نزال بانتظار صدور نص تشريعي واضح حتى ندرسه ثم نقرر موقفنا منه، لأن كل ما يثار حاليا هو مجرد تحليلات ومواقف لقانونيين (من التعديلات) تعبر عن وجهات نظر أصحابها".
واعتبرت عزيزة الدعجة منسقة تجمع لجان المرأة في لواء الرصيفة، أن التعديلات لا تعالج جوهر الاعتراضات على المادة، كما أنها تستمر في سلب ضحايا الاغتصاب والجرائم الجنسية من إنسانيتهن.
وقالت الدعجة "لي تحفظ على تعديلات المادة كما بقية الهيئات النسائية، فترك الجاني دون عقاب في حال كانت الجريمة برضا الضحية يثير علامة استفهام، لأنه يمكن أن يتم استغلال أي ضحية ضمن العمر 15 إلى 18 سنة وباي طريقة كانت، بهدف الاعتداء عليها بشكل رضائي".
وأضافت "عندما نترك الجاني طليقا بدعوى رضا الضحية، فنحن نسلبها انسانيتها، كما أننا نفتح الباب لمشاكل اجتماعية قد تحصل لاحقا، ومن بينها جرائم القتل بدعوى الشرف، وكذلك نعرض الفتاة لأن تصبح منبوذة من مجتمعها".
وتابعت الدعجة أن "ضعاف النفوس قد يستغلون هذا التعديل للتغرير بطفلات، وأنا اعتبر أن الفتاة في سن الخامسة عشرة لا تزال طفلة"، وخلصت إلى أن "هذه التعديلات لا تحل المشكلة بل هي تزيد في تعقيدها".
على صعيدها، رأت رمزية الخطيب رئيس فرع الاتحاد النسائي في الزرقاء، أن التعديلات، وأن لم تكن عند مستوى الطموح، إلا أنها تمثل "بصيص أمل".
وقالت الخطيب "التعديلات أمر جيد، وإن لم تف بما هو مطلوب، وهي تشكل بصيص أمل في أن تعمد الحكومة لاحقا إلى إلغاء المادة بشكل كامل".