تحرش جنسي بسلطة "العلامات" وخوف من الشكوى بسطوة "العادات"

تحرش جنسي بسلطة "العلامات" وخوف من الشكوى بسطوة "العادات"

خلف أسوار بعض الجامعات هناك خفايا وأسرار ، والتحرش الجنسي أحداها.

 

فالخوف من وصمة العار، بسطوة من العادات والتقاليد والخشية من تشويه السمعة، كل هذا  دفع "بثينة"- اسم مستعار وهي طالبة بكلية الآداب في الجامعة الأردنية للسكوت والكتمان.

 

تعرضت "بثينة" باعترافاتها لتحرش جنسي من قبل احد مدرسيها، الذي استخدم سلطتة "العلامات" لضمان سكوتها.

 

كانت "بثينة" مثل اي طالب يسأل مدرسه حول ما يعيقة في المساق، حيث طلبت من المدرس الإجابة على بعض الأسئلة حول الامتحان النهائي، ليطلب منها مراجعته في مكتبة. في اليوم التالي ذهبت "بثينة" الى مكتب الأستاذ وجلست على الكرسي وإذ بالأستاذ يجلس بجانبها وبدءا بالحديث حول الامتحان لمدة اقل من دقيقتين.

 

"بثينة" كان يصحبها التردد من افصاح ما حدث معها، لكنه قالت "انها تفاجأت بقيامه بوضع يده على كتفي"، ليردف قائلا –بحسبها "شو رأيك ترتاحي من الدراسة واضع لك علامة ممتازة من دون ان تتقدمي الى الامتحانات" وكانت ذلك مع نظرات "مخيفة"، كما تقول.

تضيف "بثينة" أنه "حاول وضع يده في أكثر من منطقة في جسمي"، إلا إنها خرجت من المكتب في حالة هلع وخوف،  وقالت "بأنه أصبح يتحرش بي أكثر من مرة كلما سنحت له الفرصة، حتى داخل قاعة التدريس كان ينظر الي بنفس النظرات الأولى التي كانت في مكتبه"، وأضافت بأنه لم يتوقف الأمر الى هذا الحد بل أصبح يبتزها يهددها بترسيبها للمساق، فبعدها قامت بـ "إسقاط" المادة وعدم متابعة التدريس عند ذلك الأستاذ، خوفا من وقوع ما لا يحمد عقباه.

تبكي "بثينة" مع سردها للأحداث وتنهي حديثها: "لم أعرف ماذا افعل، فلو عرف أهلي سأقتل على الفور، ففكرت بالانتحار او الهرب ولكن كل هذا سيعقد الأمر أكثر، فاكتفيت بالصمت رغم عمق الجرح".

 

"بثينة" ليست الحالة الوحيدة التي تعرضت للتحرش من قبل أستاذها، ولكنها الوحيدة التي وافقت على الإفصاح عن تجربتها المريرة، فهناك العديد من هذا النوع من القضايا داخل أسوار الجامعة، فشهدت مؤخرا الجامعة الهاشمية ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي عن إيقاف 3 من أعضاء الهيئة التدريسية بتهمة التحرش الجنسي على طالبتين، والقضية ما زالت قيد النظر في القنوات القانونية في الجامعة.

 

جامعات ترفض الإفصاح عن المعلومات

 

رغم صدور قانون حق الحصول على المعلومة واعتماده ودخوله حيز التنفيذ، إلا ان احتكار المعلومات وحجبها ما يزال يتربع على المشهد الحكومي، بالرغم من محاولة كاتب التحقيق مراراً وتكراراً الحصول على  المعلومات حول تفاصيل أكثر عن قضايا التحرش وعدد حالات التي وقت داخل أسوار الجامعات، الا أن الجامعات رفضت وتكتمت عن هذه المعلومات حفاضاً على سمعتها، حيث كانت جميع الإجابات على أسئلتنا بأنه "غير مسموح لنا ان نصرح بأي معلومة للجهات الإعلامية".

 

 

 

تفاقم سلطة بعض الاساتذة الجامعيين   

 

"التحرش يقع من صاحب السلطة على الضحية"، بحسب  الأستاذ محمد ذوقان المختص بشؤون التعليم الذي بين أن "السلطة المطلقة والمعطاة لأستاذ الجامعة في النجاح والرسوب، كل ذلك ينتج عنه سهولة إخضاع الضحيةت للابتزاز والتهديد".

 

وأضاف ذوقان ان موقع الفتاة في المجتمع موقع دقيق وحساس، مبينا أان مفاهيم السمعة  والشرف لها قيمة عالية، وهذا ما يؤثر على الفتاة ويجبرها على الصمت وعدم الإفصاح عن ما تتعرض له من تحرش.

 

وأشار ذوقان إلى ميثاق أخلاقي يحكم مهنة التعليم، وقال :"عندما قمنا بوضعه كنا نركز على عدم إساءة استخدام السلطة وتهديد الطالب وابتزازه جنسياً"، مشيراً الى ان التحرش موجود في كل مكان ولكن وجوده في الجامعة فهذا "سقوط أخلاقي للجامعة نفسها".

 

وطالب ذوقان من الجهات المعنية الى توعية الطالبات برفض أي ابتزاز يتعرضن له، وان يلجأوا للمحاكم والإعلام عن تعرضها لابتزاز او للتحرش بمختلف اشكاله، مطالباً الجامعة بعدم الاصطفاف الى جانب المدرس والتكتم كدفاع عن سمعة الجامعة ومحاسبة.

 

جامعات تكتفي بالعزل والحرمان فقط

مصدر مسؤول في جامعة اليرموك -فضل عدم ذكر اسمه- قال إنه "من المستحيل ان تحصل على معلومات وبيانات حول قضايا التحرش داخل الجامعة وخاصة الذي يرتكبها اعضاء الهيئة التدريسية، لأن هذة المعلومات تعتبر بالسرية التامة ولا يمكن افصاحها لوسائل الاعلام.

 

وأضاف :"لا يمكن لأي جامعة أن تنشر هذه المعلومات وتشوة سمعتها وسمعته موظفيها".

 

وبين المصدر أن لكل جامعة قانون خاص مستقل بها، وان نظام الهيئة التدريسية للعقوبات في الجامعة هو "إيقاع عقوبات تأديبية على عضو هيئة تدريسية حال القيام بأي عمل يتعارض مهامه و واجباته أو الإساءة الى سمعة الجامعة او العاملين فيها، أو إذا خالف عضو الهيئة التدريسية القوانين والأنظمة والتعليمات والقرارات".

 

وتابع المصدر أن قضية تحرش أحد أعضاء الهيئة التدريسية بأحد الطلبات، فإن للمجني عليها حرية الاختيار في تقديم الشكوى لدى الجامعة او للقضاء الأردني، وفي حال قدمت الشكوى للجامعة، فإن إدارة الجامعة تشكل "مجلسا تأديبيا ابتدائيا" مكونا من أعضاء هيئة تدريس من داخل الجامعة، حيث تكون أولى إجراءاتها بإيقاف المُشتكى عليه عن التدريس حتى تستكمل إجراءات التحقيق، ومن ثم يتم تحويل القضية الى لجنة أخرى تشكلها الجامعة اسمها "مجلس تأديبي إستئنافي" يتم تشكيلها من خمسة أعضاء ممن يحملون رتبة أستاذ وبرئاسة أحد نواب الرئيس للتحقيق مع العضو المخالف.

 

وأشار المصدر الى أنه يجتمع المجلسين التأديبيين بدعوة من الرئيس، ويتخذ القرار بإيقاع العقوبة على العضو المخالف بإحدى من العقوبات التالية: التنبيه، الإنذار، الإنذار النهائي، الاستغناء عن الخدمة، والعزل والحرمان من مكافئة نهاية الخدمة.

 

مدى الحماية في القانون الجزائي

 

لكن ماذا بالنسبة للقانون الجزائي، هل يحمي أم لا؟

 

يقول المحامي عماد الشبول إن "القانون الأردني لا يحمي طالبة الجامعة عندما تتعرض للتحرش، فأن قانون العقوبات الأردني يغطى هذه الحالات تحت بند "جرائم ضد السلوك العام"، وأن تعبير "التحرش" لم يسرد في أي بند من بنود قانون العقوبات، فبرغم من ان المادة 292 من قانون العقوبات الخاصة بجرائم الاغتصاب الذي نصت على "كل من واقع أنثى (غير زوجة) بغير رضاها سواء بالإكراه أو بالتهديد أو بالحيلة أو بالخداع، عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تقل عن خمس عشرة سنة"، الا ان الجامعات لا تخضع لهذا القانون بحجة أنها مؤسسات مستقلة ولديها قانون يحكمها، حيث تكتفي أشد عقوباتها بالعزل فقط".

 

 

وكانت "جريدة الغد" قد نشرت تحقيقا كشفت فيه أن 57 % من الطالبات الجامعيات يتعرضن للمضايقات والتحرشات الجنسية من قبل أساتذتهن بحسب استطلاع أجرته، وأظهر التحقيق الذي شمل 100 طالبة تم اختيارهن بشكل عشوائي في ثلاث جامعات خاصة وحكومية أن 20 % من حالات التحرش كانت مصاحبة للتهديد إما بالرسوب أو بالعلامات المنخفضة.

 

 

وزارة التعليم العالي: الجامعات مؤسسات مستقلة لا نتدخل بشؤونها

 

أما الناطق الإعلامي لوزارة التعليم العالي محمود الخلايلة قال إن "الجامعات تعتبر مؤسسات مستقلة إداريا ومالياً، وان الوزارة ليس لديها الصلاحيات في التدخل في شؤون الجامعة، مضيفاً ان قضايا التحرش التي تحدث داخل أسوار الجامعة ما هي إلا أرقام قليلة لا يمكن ان نعتبرها حتى بالظاهرة، واننا كوزارة" لا نتدخل" ما يحدث داخل الجامعة."

 

وأضاف أن الوزارة لم تتدخل في القضية الأخيرة التي وقعت في الجامعة الهاشمية، مبينا أن الوزارة لا يحق لها التدخل في الشؤون الداخلية للجامعة، مضيفا أن لكل جامعة مجلس أمناء هو صاحب الصلاحيات في التعين والعزل وإيقاع العقوبة على اعظاء الهيئة الإدارية والأكاديمية.

 

الدكتور يحيى العلي رئيس قسم علم الاجتماع في الجامعه الهاشمية، قال إنه "لا يمكن ان نضع اللوم على القوانين او نصفها بالهشة والضعيفة او بعدم تطبيقها من قبل الجامعه، ولكن سبب وصول التحرش بجميع انواعة الى أعضاء الهيئة التدريسية هو عدم الوعي الكافي من قبل الطالبة نفسها، مشددا على ضرورة  أن تتقدم  الطالبة بشكوى الى إدارة الجامعة مهما كان نوع التحرش سواء لفضي او جنسي وحتى نظرة، وعدم الالتفات الى العادات والتقاليد وما تواجهه من انتقادات من قبل هذا المجتمع الشرقي، لان هناك ارتفاع بالوعي عند المجتمع وأصبح يتفهم أن في حال وقوع تحرش على الفتاة ليس عاراً عليها وإنما على من أوقع هذا التحرش."

 

وبين العلي أن "مثل هذه الحالات من الاعتداء لديها جوانب نفسية واجتماعية لا يمكن أن نحددها بصورة عامة، ولكن نحن كعلم اجتماع نقوم بتحليل كل حالة لنبين أسباب وقوع هذا التحرش".

 

أضف تعليقك