المناضل محمد راشد: "أذهب إلى أي مكان يقبلني"

المناضل محمد راشد: "أذهب إلى أي مكان يقبلني"
الرابط المختصر

في 17 آذار/ مارس عام 2013 نشر خبر على وكالات الأنباء يقول "السلطات الاميركية ستفرج في 20 آذار/ مارس عن محمد راشد، الأردني من أصل فلسطيني، بعد 15 عاماَ قضاها في سجونها بتهمة تفجير طائرة من نوع بوينغ 747 تابعة لشركة "بان آم" أثناء رحلة بين طوكيو وهونولولو في 11 آب/ أغسطس عام 1982". خبرٌ عابرٌ أعاد رسم صورة المناضل الفلسطيني. غير انه مناضل سقط من الذاكرة. مناضل لا يعرفه احد ولا تقبله بلد، بعد 16 عاماً في السجن الأميركي سبقتها 9 أعوام في سجون أثينا ومصر.

بداية البداية

ولد محمد راشد في قرية أجراش (27 كيلومتراً غرب القدس) عام 1948، كان اسمه يومها راشد صالح محمد حماد. اسم ذاب في زحمة الأسماء المزورة التي استخدمها بعد التحاقه في سبعينيات القرن الماضي بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ونشط ضمن جناح العمليات الخارجية الذي كان يشرف عليه وديع حداد.

لجأ راشد مع عائلته إلى بيت لحم ليجد نفسه أردنياً، انسجاماً مع قرار ضم الضفة الغربية الصادر في 25 نيسان/ ابريل عام 1950. رشيد الأردني لم يطل به المقام في الأردن حيث غادره قبل شهرين من حرب 1967 للعمل في دبي، من دون عودة.

مطلع العام 1970، التحق المناضل، الذي لا يعرفه اليوم رفاق التنظيم، بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ليصبح تتبع أثره أمراً غاية في الصعوبة، بعد أن استهواه العمل السري متحصناً بفائض من جوازات سفر مزورة تمكن المناضل، خاطف الطائرات، الإرهابي... اياً كان، الإفلات من أيدي أجهزة المخابرات التي تطارده، والتي وقع في قبضتها أخيراً.

أثينا.. الاعتقال

ساهم راشد في العام 1979 بتأسيس "فصيل 15 مايو" الذي اتخذ العراق مقراً له، بهدف مواصلة العمليات الخارجية، رداً على حل الجبهة الشعبية للجناح الخارجي، ليغادر في العام 1984 الجبهة والفصيل منتمياً الى حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) الذي يمتلك سجلاً حافلا في عمليات الخطف والتخطيط لخطف الطائرات، واستهداف المصالح الأميركية والإسرائيلية.

سجل لا تملك أجهزة المخابرات العالمية دليلاً مادياً عليه، باستثناء دوره في تفجير طائره الـ بويتغ 747، التي تكفل بزرع قنبلة تحت احد مقاعدها قبل أن يغادرها لتنفجر مخلفة قتيلاً يابانياً و15 مصاباً.

اختفى راشد مجدداً بجوازات السفر المزورة ظناً منه انه بمأمن عن أعين المخابرات التي وقع في فخها أثناء وجوده بمطار أثينا عام 1988، يومها كان قادماً من بلغراد في طريقة إلى الخرطوم متخفياً بجواز سفر سوري.

في المطار فوجئ بعملاء مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي (FBI) يهاجمونه، الأمر الذي فاجأ الأمن اليوناني الذي تدخل واعتقل راشد ليقدم للمحاكمة في اليونان. وهذه رفضت تسليمه للسلطات الاميركية.

أدين بتفجير الطائرة وحكم عليه (وسط هتافات اليونانيين "أطلقوا سراح الفلسطيني") بالسجن 18 عاماً خفضت في وقت لاحق إلى 15 عاماَ وأفرج عنه لحسن السير والسلوك في العام 1996، بعد ثماني سنوات فقط، وغادر اليونان في اليوم نفسه كما طلب منه.

مصر.. الفخ

غادر باتجاه القاهرة، ترانزيت الى الجزائر حيث عائلته، في مطار القاهرة اختفى، ليظهر بعد عام ونصف العام في الولايات المتحدة الأميركية موقوفاً بالتهمة التي حوكم عليها في اليونان. كيف ذلك؟

قال للعائلة التي زارته في سجنه بأميركا "عند نزول الطائرة التي تقلني في مطار القاهرة الدولي كان ضابط مخابرات مصرية يفتش جوازات سفر الركاب على باب الطائرة، وعندما امسك جواز سفري اقتادني وانتهى التفتيش".

في سجن تحت الأرض، حقق معه من قبل المخابرات المصرية وعملاء مكتب التحقيقات الفدرالي. يروي لعائلته: "جاء الفرج.. استدعيت بعد عام ونصف العام إلى غرفة تضم عدداً من رجال المخابرات المصرية بحضور رئيس جهاز المخابرات المصرية عمر سليمان، وأخبروني أنه حان موعد ذهابي إلى عائلتي، أخذت أول حمام ساخن، وحصلت على عشاء فاخر وكأس عصير برتقال، غبت بعده عن الوعي واستيقظت في طائرة تطير فوق المحيط محاطاً برجال مكتب التحقيقات الفدرالي". يقول: قال لي احدهم "من حقك التزام الصمت وعدم الحديث إلا بوجود محام"، وكان ذلك.

أميركا.. السجن والنكران

العام 1998 تمكن راشد، بعد جدل قانوني، من عقد صفقة تسمح بإطلاق سراحه عام 2013، تنقل خلال فترة سجنه بين سجون واشنطن وكولورادو ثم إنديانا التي بقي فيها حتى حان موعد إطلاق سراحه.

جاء 20 آذار/ مارس عام 2013 فتحت أبواب الزنزانة، سار راشد مسرعاً صوب الحرية قبل أن يوقفه صوت سأله "إلى أين تريد الذهاب؟". لم يجب راشد، صمت ثم قال "إلى أي مكان يقبلني".

منذ ذلك اليوم، يوجد راشد في سجن الهجرة في نيويورك في انتظار مكان يقبله. لم تقبله السلطة الوطنية الفلسطينية التي أصدرت له قبل الإفراج عنه بشهر جواز سفر يحمل اسمه الحقيقي، ويبدو أنها ندمت على فعلتها بإصدار الجواز. ولن تقبله الاردن التي حمل جنسيتها فترة من الزمن، ولم تقبله الجزائر حيث عائلته.

"إلى أي مكان يقبلني"، يكرر راشد كلما سأل عن الوجهة التي يرغب الذهاب إليها، ولا مكان يقبله ولا جواز سفر مزوراً يسعفه ولا مناضلين أو من تبقى منهم يتذكره أو يعرفه.

يا لنهاية المناضل حين يعود في الزمن الخاطئ.

المصدر: السفير