المشاة يهجرون جسورهم بالزرقاء بعد تحولها لمكاره صحية وملاذات للمتسكعين

المشاة يهجرون جسورهم بالزرقاء بعد تحولها لمكاره صحية وملاذات للمتسكعين
الرابط المختصر

 

معظمها بلا إنارة أو أسيجة حماية وتحجبها اللوحات الإعلانية

البلدية تحمل الأهالي مسؤولية تدهور أوضاعها، والشرطة تتعهد بتشديد الرقابة

خبراء يؤكدون أنها مقامة في غير مكانها الصحيح ولا تلائم كبار السن والمرضى 

 

 

أدت سنوات من الإهمال الرسمي لأوضاع جسور المشاة في الزرقاء، إلى تحول معظمها لمكاره صحية وبؤر للمنحرفين أخلاقيا، ما حدا بالمشاة إلى هجرها وتفضيل عبور الشوارع مباشرة، مع ما يشكله ذلك من تهديد لحياتهم.

 

ويوجد في محافظة الزرقاء نحو 25 جسرا تركتها الجهات المعنية نهبا للإهمال، رغم المبالغ التي أنفقت لإنشائها، حيث تتراوح كلفة الواحد منها بين 40 و120 ألف دينار، اعتمادا على طول الجسر ونوعه من حيث ما إذا كان خرسانيا أم معدنيا.

 

وتعتبر هذه الجسور مهمة وحيوية إلى حد بعيد، في ظل الإحصائيات التي تشير إلى أن المحافظة تأتي في المرتبة الثانية على مستوى المملكة بعد العاصمة عمان في إعداد حالات الدهس، وكذلك نسب الوفيات الناجمة عن حوادث السير عموما.

 

وعادة ما تتكفل وزارة الأشغال ببناء جسور المشاة أو معظمها، إلا أن مسؤولية تنظيفها وصيانتها، وخصوصا الموجودة داخل المدن، تقع على عاتق البلديات، والتي يبدو أنها لم تحسن أداء هاتين المهمتين كما يؤكد العديد من الأهالي.

 

قمامة وجيف

باستياء، يشير مازن اللحام، وهو صاحب مؤسسة تجارية، إلى الجسر المنتصب أمام مؤسسته قائلا إن "من يستخدمونه ليسوا الأهالي الذين هم بحاجة إلى عبور الطريق، بل أشخاص عابثون اعتادوا إلقاء القمامة وقطع الزجاج على السيارات المارة".

 

وأضاف أن هناك أيضا "أصحاب أسبقيات يتخذون الجسر مكانا لشرب الخمر واقتراف أفعال منافية للأخلاق"، مبينا أنه أبلغ عنهم الشرطة مرات عدة، لكنه قال إن تدخلها "يكون مؤقتا"، فلا تلبث أن تغادر حتى يعاود هؤلاء ممارساتهم المعهودة.

 

وتطرق اللحام إلى وضع جسر المشاة الموجود أمام مديرية الأحوال المدنية، واصفا إياه بأنه تحول إلى مكرهة صحية جراء تكدس ممره العلوي بـ"الجيف والأوساخ والقاذورات"، والتي يخلفها بعض رواد سوق الطيور المجاور.

 

ورأى أن اختفاء أجزاء كبيرة من سياج الحماية الذي كان مقاما على امتداد الجزيرة الوسطية تحت الجسر ووجود شارة ضوئية أسفله، ساهم في عزوف المشاة عنه، حيث باتوا يفضلون عبور الشارع على عناء صعود وهبوط أدراج الجسر.

 

ودعا اللحام إلى إزالة الشارة وإعادة السياج من أجل دفع الأهالي إلى استخدام هذا الجسر حرصا على سلامتهم، كما اقترح تركيب كاميرات مراقبة مرتبطة مع الجهات الأمنية على جسور المشاة عموما.

 

وبدوره أيضا، أكد محمد حمدان الذي يعمل موظفا أن غياب السياج يشجع الناس ويجعلهم يستسهلون العبور من الشارع بدل استخدام الجسور، الأمر الذي يعرض حياتهم إلى خطر حقيقي.

 

وقال حمدان إنه كان شاهدا على حادث دهس وقع في رمضان الفائت، وتوفي جراءه رجل كان يعبر الشارع مستغلا الفتحات في السياج، مبينا أنه شخصيا لا يزال يستخدم الجسور مع عدم ارتياحه لها بسبب "الأوساخ المتراكمة فيها وانعدام الأمن أعلاها".

 

متسكعون ومشرودون

ويتحدث علي القرعان الذي يعمل في كشك لبيع القهوة عند جسر المشاة المقام حديثا أمام مستشفى الأمير هاشم العسكري، عن حادث دهس آخر تعرضت له ثلاث فتيات من قبل سيارة مسرعة أثناء عبورهن الشارع من تحت الجسر.

 

وقال القرعان إن الغالبية يفضلون العبور من الشارع ولا يميلون إلى استخدام جسور المشاة "بسبب غياب النظافة فيها وانعدام الأمان، حيث من الممكن أن يتعرض المواطن للسلب، أو الفتاة للتحرش" من قبل أشخاص يستغلون فرصة خلو الجسور من العابرين.

 

وأضاف أن غياب الإنارة عن الجسر يشكل سببا آخر لإحجام المشاة عن استخدامه، لافتا في السياق إلى أن أحد المتشردين اتخده في الآونة الأخيرة مكانا للمبيت، حيث لاحظ وجوده هناك عدة مرات في أوقات الصباح الباكر.

 

هبة سعيد التي تعمل في متجر لبيع الألبسة قريب من جسر المشاة الواقع أمام مكتب ارتباط جامعة الزرقاء على طريق الأتوتستراد، شكت من أن "تجمعات الشبان الذين يمضون أوقاتهم في التسكع على الجسر، تجعل من الصعب على أي فتاة استخدامه خشية تعرضها لما لا تحمد عقباه".

 

ورغم ذلك، قالت هبة "أنا استخدم الجسر لصعوبة العبور من الشارع، لكنني لا أكون مرتاحة أثناء ذلك، بل خائفة من أن يحصل معي شئ مزعج، خاصة أن الجسر تغطي جوانبه الإعلانات وتحجب ما يمكن أن يحدث للعابرين عليه".

 

غير مناسبة

من جانبها، أشارت هيفاء الحراحشة إلى سبب مختلف يحول دون استخدامها جسور المشاة، قائلة أنه يتعلق بعوامل صحية تجعل من الصعب عليها صعود الأدراج.

 

ورأت الحراحشة أن الارتفاعات العالية للجسور تجعل استخدامها متعذرا على كبار السن والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة، داعية إلى إيجاد بدائل ربما يكون إحدها استحداث "درج كهربائي يساعد الناس على الصعود والنزول من الجسور".

 

وكانت دراسة أجراها الدكتور محمد أبو جرادة من كلية الهندسة في جامعة الزرقاء خلصت إلى أن المشاة في الأردن يعزفون عن استخدام الجسور لأنها "غير مريحة وأدراجها عالية وتضيع الوقت نتيجة المشي مسافات إضافية، فضلا عن أسباب تتعلق بوضعهم الصحي وخشيتهم على سلامتهم".

 

ويؤكد خبراء أن غالبية جسور المشاة في الزرقاء مقامة في غير مكانها الصحيح، وهي غير ملائمة لكبار السن والمرضى بسبب ارتفاع أدراجها، مشيرين إلى أن ارتفاع الدرجة في بعضها يصل إلى 25 سنتيمترا، بينما يجب أن لا يزيد على 16 سنتيمترا.

 

كما يوضحون أن عدد أدراج بعض تلك الجسور يتجاوز 15 درجة في السلم الواحد مع أنه ينبغي أن لا يزيد على عشر أو إحدى عشرة درجة في المعدل.

 

رقابة أمنية

على صعيده، تعهد رئيس قسم سير الزرقاء الرائد أيمن جريس بتأمين رقباء للتواجد عند جسور المشاة ومخاطبة مديرية الشرطة لتشديد الرقابة عليها، وكذلك تفعيل دور القسم في نشر ثقافة استخدامها حتى لا تظل مهجورة وعرضة للاستغلال من قبل المستهترين.

 

وقال جريس إن "الأسباب الاجتماعية التي تواجه السيدات والفتيات خاصة ومن ثم الرجال والشباب وتشكل عائقا يمنعهم من العبور على جسور المشاة تتمحور في تصرفات غير مريحة لفئة من الشباب وتواجدهم أعلى هذه الجسور لأسباب لا تتعلق بالعبور".

 

وأكد في هذا الصدد أن "قسم سير الزرقاء سوف يسعى لتأمين رقباء سير يتواجدون على مقربة من هذه الجسور وخاصة الجسر المقابل للمجمع القديم، وذلك لتسهيل عبور المواطنين وتوفير الأمن والأمان لهم وخاصة فئة كبار السن".

 

وأضاف أنه سوف يصار كذلك إلى "مخاطبة مديرية الشرطة لتسيير دوريات مدنية من قبل الزملاء في البحث الجنائي لتقوم على مراقبة هذه الجسور حتى نجتث هذه الظاهرة السلبية التي تؤثر على المجتمع الأردني".

 

وشدد الرائد جريس على أن "هذه الجسور وضعت لمساعدة المواطنين للعبور الآمن وخاصة كبار السن، وللحفاظ على حياة أطفالنا أيضا، وليتعلم الأطفال أن هذه الجسور هي ممتلكات لهم أيضا من أجل أن يصلوا إلى بر الأمان".

 

ورأى أن "الظواهر السلبية التي يمارسها البعض من الشباب المستهتر فوق جسور المشاة يمكن أن تنتهي لو وجدت كثافة مرورية من قبل المواطنين فوق هذه الجسور، فوجود جسور مشاة بلا مشاة هو الذي يشجع البعض على الإتيان بسلوكيات منافية للأخلاق".

 

وتعهد الرائد جريس بالتواجد شخصيا في فترات الصباح قرب جسور المشاة لمساعدة الأطفال وطلبة المدارس وتشجيعهم على استخدامها، مؤكدا أن نشر "ثقافة العبور الآمن من أحد واجبات قسم السير".

 

البلدية تَتّهم 

بلدية الزرقاء من جهتها أنحت على المواطنين بالقسط الأوفر من اللائمة في تدهور أوضاع جسور المشاة في المدينة.

 

وقال مدير المناطق في البلدية أمجد مقدادي إن "المواطن لا يتعاون مع عمال النظافة في الحفاظ على نظافة جسور المشاة"، ثم استدرك بأنه لا ينكر احتمال حصول تقصير من ناحية عمال النظافة في متابعة أوضاع هذه الجسور.

 

وأضاف "من ناحيتي أرسلت كتبا رسمية لمديري المناطق للاهتمام بهذا الأمر، ومتابعة موضوع النظافة، وإرسال عامل للجسر لتنظيفه، أقلها مرة كل يومين"، معتبرا أن "عدم وجود سلال قمامة على جسور المشاة يساهم في مضاعفة المشكلة".

 

وفي ما يتعلق باختفاء أسيجة الحمايات الحديدية للجزر الوسطية الواقعة تحت الجسور، فقد اتهم مقدادي المواطنين بالمسؤولية عن ذلك، متعهدا بأن تعمل البلدية على "إصلاح الحمايات التالفة والمفقودة".

 

وحول افتقار الجسور للإنارة، فقد برر مقدادي ذلك قائلا إن "هناك أشخاصا يتصفون بعدم المسؤولية الاجتماعية يقومون بتكسير (المصابيح) والتخريب المتعمد لها"، مؤكدا أن "الأصل أن تكون الجسور جميعها مخدومة بالإنارة".

 

ولفت مقدادي إلى أن عدم إنارة جسري المشاة أمام المستشفى العسكري ومديرية الأشغال يعود إلى أنهما لا يزالان قيد الإنشاء ولم يتم إيصال الكهرباء إليهما بعد.

 

3333

أضف تعليقك