المدرس الخصوصي في الزرقاء.. مأكول مذموم
كما في كل عام، وما إن يحمى وطيس الاختبارات المدرسية وتأزف امتحانات الثانوية، حتى يتجدد الجدل في الزرقاء حول المدرس الخصوصي، والذي بات ينطبق عليه المثل القائل: "كخبز الشعير، مأكول مذموم".
ففي هذه المحافظة التي ينوء كثير من أهلها بتكاليف الدروس الخصوصية، لا تجد عند الغالبية ارتياحا للمعلم الذي يتكسب من هذه المهنة، إن جاز تسميتها كذلك، لكنهم مع ذلك يقرون أن لا غنى لهم عنه إذا ما أرادوا لابنائهم أن يفلحوا في الدراسة.
ومنذ قرار وزارة التربية منع المراكز الثقافية من تدريس المناهج الرسمية العام الماضي، شهد الإقبال على المعلمين الذين يعطون الحصص للطلبة في المنازل تصاعداً ملحوظاً، كما ارتفعت أجورهم بصورة كبيرة.
وتشكو دينا عبد الجواد، وهي أم لعدة طلبة في مراحل دراسية مختلفة، من صعوبة العثور على معلمين خصوصيين لأبنائها هذه الأيام، حيث أن جداول عمل معظم هؤلاء المعلمين مزدحمة بدروس طلبة آخرين.
وقالت عبدالجواد "عندي أبناء في صفوف الأول ثانوي والتاسع والخامس والثالث، وإحدى بناتي، والتي هي في الأول ثانوي، تأخذ دروساً خصوصية في مادة الإنجليزي، وأنا أبحث لها منذ مدة عن معلمة في مادتي الفيزياء والكيمياء، لكني لا أجد".
وأضافت أن المعلمة تتقاضى 20 ديناراً عن كل وحدة تعطيها لابنتها في مادة اللغة الإنحليزية، مشيرة إلى أنها تقتطع نفقات الدروس الخصوصية من مصروف البيت، باعتبار أن "التعليم هو الأهم".
وأوضحت عبد الجواد أن ما يدفعها إلى توفير الدروس الخصوصية لابنائها هو "ضعف تحصيلهم" نتيجة عدم كفاية شرح معلميهم في المدارس، والذي قالت إنه عادة ما يكون سطحياً، وعلى مبدأ "اللي فهم فهم، واللي ما فهم، بيبعث الله".
إيجابيات ومحاذير
ورغم تأييده للدروس الخصوصية بصورة عامة، لكن أحمد الغماز، وهو ولي أمر لطالب، يرى أن لها محاذير ينبغي أخذها في الاعتبار.
وقال الغماز أن الأصل هو "اعتماد الطالب على نفسه ومعلميه في المدرسة، ولكن إذا ما دعت الحاجة لأن يتلقى دروساً خصوصية في مادة ما، فلا ضير، والمهم هنا هو أن يستفيد وتصل إليه المعلومة".
لكنه حذر من أن "الدروس الخصوصية التي لا تتوفر للجميع بسبب كلفتها العالية، قد تجعل الطالب لا يعير انتباها لشرح المعلم في المدرسة، حيث سيركن إلى أن المعلم الخصوصي سيشرحها له لاحقاً".
راما الخطيب، طالبة جامعية حالياً، وكانت مرت سابقاً بتجربة تلقي الدروس الخصوصية، وهي تؤكد أنها لم تستفد منها، بل تصفها بأنها شكّلت "مضيعة للوقت".
وقالت الخطيب "أثناء التوجيهي، كان الجميع في صفي يسجلون عند مدرس خصوصي، فافترضت أنه شئ طبيعي وعلي أن أقلدهم، واعتقدت أن معلمي المدراس تنقصهم الكفاءة، لكن في النهاية كانت تجربة سلبية لا يعول عليها".
وأضافت "وجدت أنني لو اعتمدت على نفسي بالتركيز على شرح المعلمة ومذاكرته أولاً بأول، لما احتجت إلى الدرس الخصوصي الذي ضيّع وقتا كثيراً كان أولى بي استثماره في دراسة مواد أخرى".
وكما يؤكد معلم خصوصي فضل عدم ذكر اسمه، فان رواج الدروس التي يعطيها يرجع أساساً إلى "رغبة الأهالي في تفوق أبنائهم، وخاصة في مرحلة التوجيهي، والذين يعتقدون أن الدرس الخصوصي سيتكفل بحل المشكلات الدراسية لهؤلاء الأبناء".
وأنحى هذا المعلم باللائمة في تدني تحصيل الطلبة في المدارس على قلة الضبط الإداري وانصباب "اهتمام الطلبة على لعب الكرة والأمور الأخرى البعيدة عن الدراسة، وتأثرهم بالرفاق والشلّة".
أسباب ودوافع
من جانبها، ترى منال الحزام، وهي أخصائية تربية خاصة متقاعدة، أن ضعف تحصيل الطلبة في المدارس، والذي يدفع الأهل إلى تسجيلهم عند المدرسين الخصوصيين، يعود في المقام الأول إلى مشكلة اكتظاظ الصفوف، والتي تحد من قدرة المعلمين على إيصال المعلومة بالشكل الكافي.
وقالت الحزام أن "الاكتظاظ الشديد في الصفوف، والذي يبلغ معه العدد أحيانا ستين طالباً في الصف، يحد من قدرة المعلم على إيصال المعلومات إلى الطلاب، الذين هم في الأساس متباينون من حيث القدرات، فمنهم الضعيف والمتوسط والمتفوق، ما يجعل الأهل يلجأون إلى الدروس الخصوصية لسد الفجوة".
مديرة مدرسة أم كلثوم الثانوية انتصار حسان، أيّدت ما ذهبت إليه الحزام، مؤكدة أن "الأعداد المتزايدة في الغرف الصفية في الآونة الأخيرة جعلت من غير الممكن أن تصل المعلومة للطالب بشكل كاف".
وقالت حسان إن هذه الحقيقة تتضح "خاصة إذا أجرينا حسبة النسبة والتناسب بين وقت الحصة الذي لا يزيد عن 40 دقيقة وعدد الطلبة في الصف".
وأضافت أن "حاجة الطلبة إلى تحسين تحصيلهم ليستطيعوا دراسة إكمال دراستهم الجامعية في التخصصات التي تتطلب معدلات عالية"، تعد سبباً أساسياً أيضا لتهافت الأهالي على إلحاق أبنائهم في الدروس الخصوصية.
ممنوعة قانوناً
وكما يبين مدير مديرية تربية الزرقاء الثانية رشيد عباس، فإن القانون يمنع الدروس الخصوصية، والتي وصفها بأنها "مشوهة" وتؤثر سلباً على تحصيل الطلبة في بعض الأحيان.
وحذر عباس الطلبة من الالتحاق بهذه الدروس "لأنها غير مبرمجة حسب حاجة الطالب وقدراته، ولربما يلجأ المدرسون الخصوصيون إلى تدريسهم مواد تفوق مستواهم، بعكس الحصة المدرسية، والتي هي مبرمجة ومخطط لها ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمنهاج، وتتم متابعتها من قبل مدير المدرسة ومشرف تربوي".
وقال أن "حصة الخصوصي هي حصة مشوهة، وهي كما أسلفت، لا تتمتع ببرمجة ومراقبة ومتابعة تربوية، ولا نعلم ما الذي يتم تدرسيه فيها خاصة، إنها تعطى طريق الدوسيات ولا تتخذ المنهج الدراسي أساساً للتعليم".
وشكك عباس بمردود الدروس الخصوصية، مؤكدا أنه "ليس لها أي أثر على مستوى الطلبة الدراسي".
وشدد على أن مديرية التربية "تحذر وتمنع المعلمين من إعطاء مثل هذه الحصص"، لكنه اعتبر وقفها أمراً غير ممكن عملياً "فنحن لا نستطيع أن تقوم بزيارات داخل البيوت لمنعها، وهي تكون عادة بعد دوام المدرسة، وهذا ليس لنا سيطرة عليه".
ودافع عباس عن معلمي المدارس الحكومية في مواجهة اتهامهم بقلة الكفاءة، واعتبار ذلك سبباً لتوجه الطلبة إلى الدروس الخصوصية، كما لفت إلى أن المدارس تعمل على إيجاد حلول لمشكلة الاكتظاظ في الصفوف.
وقال أن "جميع المعلمين يلتحقون سنوياً بدورات تدريبية حول طرق التدريس وخاصة الجدد، وتلجأ المدارس عادة إلى جعل الشُعب الكتظة شعبيتين بدلاً من واحدة، وهذا بالطبع ينعكس إيجابياً على أداء المعلم"، مؤكداً إنه "لا يوجد مبرر بعد كل ذلك لأن يلجأ الطالب إلى الدرس الخصوصي".
ومن جانبها، بيّنت سناء فضة رئيسة قسم الإرشاد التربوي في مديرية تربية الزرقاء الثانية، أهمية متابعة الأهل لابنائهم الطلبة، وفي حال استشعروا حاجة الابن لدرس خصوصي، أن يكون ذلك على سبيل الاستثناء وليس القاعدة.
وقالت فضة "بعد المتابعة الحثيثة من ولي الأمر لابنه الطالب، وإن لاحظ حاجته إلى درس خصوصي في مادة معينة، فيجب أن تكون تجربة الدرس الخصوصي لفترة قصيرة، وأن لا يكون الدرس الخصوصي بديلاً عن الحصة الصفية".
إستمع الآن