الحاجة تدفع لاجئين سوريين لبيع غذاءهم للحصول على النقود

الحاجة تدفع لاجئين سوريين لبيع غذاءهم للحصول على النقود

عشر دقائق أو يقل قليلاً سيراً تحت حر الشمس، يليه انتظار لنصف ساعة تقريباً في أحد أطراف مخيم الزعتري، ثم يركب الحافلة لعشر دقائق إلى أحد المتاجر "سيف واي" أو متجر "تزويد"، حيث يصرف المعونة المالية من منظمة الغذاء العالمي، وسط مشاعر متضاربة من الحزن والغضب والسعادة بيوم شراء المؤونة.

 

هكذا يصف اللاجئ السوري عبيدة الغزالي "اسم مستعار"حاله في اليوم الذي تصله فيه رسالة منظمة الغذاء، لتبلغه بأن قيمة المساعدات المقدمة له وعائلته قد تم تحويلها إلى بطاقته الالكترونية.

 

بعد المسافة عن مسكن الغزالي حسب قوله، يضطره لصرف كامل مبلغ المساعدة البالغ 100 دينار أردني لعائلته، في يوم واحد، فقطع المسافة البالغة قرابة 5 كيلو متر يوميا للتبضع أمر مربك، ناهيك عن الازدحام المستمر في المتجرين بسبب العدد الكبير لسكان المخيم، وسوء حركة الحافلة التي تعمل على نقل اللاجئين حول المخيم.

 

 

 

قرابة الـ 80.000 لاجئ سوري في مخيم الزعتري تقدم منظمة الغذاء العالمية مبلغ 20 دينار أردني شهريا لكل لاجئ، يتم تحويلها إلى بطاقة بنكية الكترونية.

يستطيع اللاجئ شراء المواد الغذائية حصراً بهذا المال.
وفقط من متجرين هما "سيف واي" ومتجر شركة "تزويد" الذين تم افتتاحهما بداية عام 2014.

 

أما عن الأسعار فيقول الغزالي إنها مرتفعة، وهو كغيره من اللاجئين لا يشتري الخضار أو الفواكه من هذه المتاجر، فالسعر أعلى بما يقارب 25 إلى 30% من أسعارها في سوق الخضار الموجود في المخيم.

 

كما لا يشتري الغزالي ما يحتاجه من اللحوم، أواللبن والجبن والبيض، ولا يمكن شراء كمية أكبر مما يحتاجه للاستهلاك في يوم واحد، فهذه المواد عرضة للفساء دون التبريد غير المتوفر في كرفانات اللاجئين، فالكهرباء متوفرة من الساعة السابعة مساء وحتى الرابعة فجراً فقط.

 

"الأسعار نار يا زلمة"، يقول اللاجئ السوري عمران الزعبي، الذي غادر المخيم منذ عام وما زال يعمل موظفاً فيه لدى إحدى الجمعيات.

 

ويوضح الزعبي أن الغالبية العظمى من اللاجئين بحاجة لسيولة نقدية، مما يضطرهم لشراء أصناف معينة من المواد الغذائية، ومن ثم بيعها بخسارة للمحلات الموجودة داخل المخيم، ليحصلوا على سيولة نقدية فيشترون الخضار والمواد الغذائية بأسعار أقل من سوق المخيم ضمن حرية مطلقة باختيار ما يحتاجونه.

 

ويضيف بأن اللاجئ يخسر نسبة معينة عند بيعه مواد المتجرين التي اشتراها بقيمة المساعدات، لكنه يشتري ما يريد وبأسعار أقل في سوق المخيم، مما يعدل نسبة كبيرة من الخسارة ويمنحه الحرية بشراء مواد التنظيف التي لا يحق له شراؤها في المتجرين عبر البطاقة الالكترونية، فهذه المساعدات مخصصة للغذاء فقط.

 

ومقارنة أسعار المتجرين بأسعار المحلات التجارية في مدينة المفرق تظهر فارقاً كبيراً لصالح متاجر المفرق حسب الزعبي، فهو يسكن في المدينة ويشتري ما يحتاجه من مواد غذائية من محلات الجملة فيها.

 

ويرى الزعبي أن اللاجئ السوري لا يستفيد من القيمة الفعلية للمساعدة المالية، بسبب ارتفاع الأسعار، ويعزو ذلك لعدم وجود منافسة فعلية في السوق، فجميع اللاجئين مجبرون على صرف مساعداتهم المالية في متجري "سيف واي" و"تزويد" حصراً، ما يعني أن مالكي المتجرين يستطيعون فرض الأسعار على اللاجئين.

 

اللاجئون السوريون يبيعون غذاءهم للحصول على النقد

 

رصد معد التقرير الأسعار داخل مخيم الزعتري وخارجه لمدة أسبوع، وحصل على فواتير الشراء لعدد من اللاجئين من متجري "سيف واي" ومتجر "تزويد"، وتم تسجيل الأسعار لـ 61 مادة غذائية، حيث تبين أن 12 مادة منها فقط تباع أيضاً في متاجر "سيف واي" في العاصمة عمان جميعها بسعر أعلى من سعر ذات المتجر في المخيم، وبدأت الزيادة في السعر من 0.086% إلى 40%.

 

وأظهر عدد من فواتير الشراء تكرارا لنوع واحد أو نوعين من المواد الغذائية يتم شراؤها في ذات اليوم، بكامل قيمة المساعدات المخصصة للعائلة، سكر أو زيت، أو كلاهما، "أحد اللاجئين اشترى سكر وزيت في يوم واحد بقيمة 55.56 ديناراً"

 

اللاجئ السوري عدنان الرفاعي أوضح لمعد التقرير أنه يشتري بعض هذه المواد بكامل قيمة المساعدات، ليبيعها لاحقا للدكاكين في سوق المخيم، بخسارة تصل إلى 40% من قيمتها الفعلية، للحصول على مال نقدي، فالسكر يباع لمحلات الحلويات والزيت يباع للمطاعم.

 

ورغم خسارته لنسبة كبيرة من قيمة المساعدات يقول الزعبي إنه يحصل على النقد ويشتري ما يريد من سوق المخيم في الوقت الذي يحتاج فيه للغذاء، وهو بهذه الحالة ليس مضطراً لقطع مسافة طويلة للذهاب إلى المتاجر المخصصة لصرف المساعدات، ويؤكد الزعبي أن أسعار الدكاكين أقل من أسعار متجر "سيف واي"، وهذا الفارق يعوض عليه نسبة كبيرة من خسارته في بيع مستحقاته من المعونات.

 

في أحد الدكاكين في المخيم قابلت محمد المرعي "عامل في الدكان طلب تسميته بهذا الاسم المستعار"، على أسئلتي المتعاقبة التي لا تمت لعمله بصلة، وتصريحي بأني صحفي بعثت التشكك والتوجس على وجهه  وبدت ابتسامة مصطنعة على شفتيه، طمأنته بشدة بأني لا أنوي به ضرراً فانزوى بي في إحدى زوايا الدكان وقال هامساً:"يا أخي نحنا عم نخدم اللاجئين، صحيح أنا بشتري المعونات منهم بسعر أقل، بس عم بعطيه فلوس كاش، وأيمتا ما بدو بيقدر يشتري أي شي من السوق وبسعر أرخص من المول، مش كل يوم رايح جاي على المول 6 _ 7 كيلو متر، ووقّف على الدور وضيع كل النهار".

 

إثر جولة على دكاكين بيع المواد الغذائية في سوق مخيم الزعتري، تبين أنها تبيع ذات المواد الغذائية "ذات الشركات والعلامات التجارية" الموجودة في متجر "سيف واي" ومتجر "تزويد"، وبأسعار أقل بنسبة تقارب الـ 20%، بالنتيجة يحصل اللاجئ السوري على النقد، ويهدر ما يقارب الـ 40% من قيمة المساعدات التي يحصل عليها من منظمة الغذاء العالمي.

 

منظمة الغذاء العالمي لا تنفي حاجة اللاجئين للنقد

 

 

في تصريح خاص لمراسل راديو البلد قالت الناطق الإعلامي في منظمة الغذاء العالمي شذى المغربي، أن المنظمة لاحظت أن اللاجئين السوريين يشترون بعض المواد الغذائية من متجري "سيف واي" و"تزويد"، ليقوموا ببيعها لتجار الدكاكين في مخيم الزعتري للحصول على النقد، إلا أنها أكدت أن عدد هؤلاء ليس كبيراً.

 

 

وأعربت المغربي عن تفهمها لحاجة اللاجئين للنقد عموماً وفي بعض الحالات الطارئة خصوصا، وهو ما تقوم المنظمة حاليا على دراسته وتحضير مشاريع خاصة لتشغيل اللاجئين السوريين في المخيمات وخارجها، بهدف تمكين اللاجئين، وتحقيق الاستقلال الاقتصادي لهم.

أما عن شكاوى اللاجئين من قلة المتاجر لصرف المساعدات المالية فقالت المغربي: إن دراسة خاصة أنجزت بهذا الغرض أظهرت أن كل 35 ألف لاجئ بحاجة لمتجر واحد كبير لتأمين مشترياتهم، وهو ما يأتي ضمن نطاق المقبول حتى الآن في مخيم الزعتري والأزرق.

 

 

 

 

عدد المستفيدين من مساعدات منظمة الغذاء العالمية 535 ألف لاجئ سوري في المملكة، قرابة الـ 100 ألف منهم في المخيمات، حوالي الـ 80 ألف لاجئ في مخيم الزعتري.
في الأشهر السبعة الأولى لعام 2016، بلغت قيمة مساعدات المنظمة التي صرفتها للاجئين السوريين قرابة الـ 103 مليون دولار أمريكي.

 

وأعربت المغربي عن تفهمها لشكاوى اللاجئين من ارتفاع الأسعار في متجري "سيف واي" و"تزويد"، وأكدت أن المنظمة مضطرة للتعامل مع هذه المتاجر كونها تؤمن مستوى عال من جودة المواد الغذائية من جانب، بالإضافة إلى إمكانية محاسبتهم قضائياً في حال أي تقصير من جانبهم في ضبط جودة الأغذية، وهو ما لا يمكن فعله في حال التعاقد مع تجار في سوق المخيم.

 

وترى المغربي أن بيع اللاجئين لمشترياتهم من المعونات لا يشكل هدراً بقدرات المنظمة المالية، كون عدد من يقومون بهذه الممارسات قليل نسبة لعدد اللاجئين، بينما تؤمن هذه المساعدات الأمن الغذائي بالحد الأدنى للغالبية العظمى منهم.

 

 

في 06/10/2016 وبالشراكة مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، أدخل برنامج الأغذية العالمي نظامه المبتكر للدفع عبر مسح حدقة العين في مخيم الزعتري بالأردن، مما يسمح لـ 76 ألف لاجئ سوري بشراء المواد الغذائية من محلات السوبر ماركت في المخيم باستخدام مسح حدقة العين بدلا من النقد أو القسائم أو البطاقات الإلكترونية.

 

 

وكانت المغربي قد عبرت لمعد التقرير عن أمل المنظمة بالحد من عملية بيع المساعدات باستخدام هذه التقنية الجديدة والتي تفرض على اللاجئ الحضور إلى المتجر لإنجاز عملية الشراء مما يمنع السماسرة من جمع البطاقات الالكترونية وتنفيذ عمليات الشراء بها.

 

وللتأكد من جدوى النظام الجديد زار معد التقرير مخيم الزعتري 4 مرات خلال شهري كانون الأول 2016 وكانون الثاني 2017 التقى خلالها 3 تجار من أصحاب الدكاكين، أكدو جميعهم أن عملية بيع المساعدات مستمرة حتى مع النظام الجديد.

 

إلا أن العملية تغيرت قليلا حيث يضطر التاجر الآن للذهاب إلى المتجر مع اللاجئ الذي يرغب ببيع قيمة المساعدات، ويقومان سويا بعملية الشراء حسب حاجة التاجر من بضائع لدكانه، ويقوم اللاجئ بمسح بصمة العين ودفع ثمن البضائع لدى المحاسب.

 

بيع اللاجئين السوريين لمساعداتهم ليس بالأمر الجديد، فمع بداية تدفقهم باعوا الطرود الغذائية التي يستلمونها من المنظمة، وحين تحول نظام المساعدات إلى القسائم الورقية، ظهرت سوق خاصة للاتجار بها، حتى أصبحت هذه التجارة أشبه بالبورصة المالية في المخيمات، واليوم يبيع اللاجئون السوريون مساعداتهم المالية التي يحصلون عليها عن طريق البطاقات الالكترونية بغية الحصول على النقد، فهل ستنجح الإجراءات الجديدة للقضاء على هذه الظاهرة؟

أضف تعليقك