الأردنيون يرون بلدهم الخاسر الأكبر بعد الفلسطينيين في ’صفقة القرن‘

الرابط المختصر

 جددت جولة مرتقبة لنائب الرئيس الأميركي جاريد كوشنر إلى الشرق الأوسط مخاوف الأردنيين الرافضين لخطته للسلام بين اسرائيل والفلسطينيين، خشية أن تدفع المملكة الثمن الأكبر ل"صفقة القرن" وأن تصبح وطنا بديلا للفلسطينيين.

ويعود كوشنر إلى الشرق الأوسط في أواخر تموز/يوليو في إطار جولة جديدة تهدف الى الدفع قدما بخطته التي لم يُكشف بعد عن تفاصيلها، ويستبعد أن تدخل حيز التنفيذ في المدى المنظور في ظل الرفض الواسع لها.

ويقول الموظف الأردني المتقاعد خالد الخريشا (65 عاما) من محافظة المفرق (نحو 70 كلم شمال شرق عمان) إن "صفقة القرن هي تصفية للقضية الفلسطينية ومسح للهوية الأردنية في الوقت نفسه. من دون شك الأردن سيكون الخاسر الأكبر بعد الفلسطينيين".

ويضيف الرجل الستيني المتحدر من عشيرة الخريشا، والذي ارتدى الزي العربي التقليدي أثناء مشاركته بإحدى التظاهرات أمام السفارة الأميركية في عمان ضد الخطة الأميركية للسلام، "نرفض الصفقة جملة وتفصيلا"، معتبرا أنها "خطر على الأردن".

وتستند المخاوف والرفض الى تسريبات عن الخطة تؤكد أنها لن تأتي على ذكر حل الدولتين، والى سياسة الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب الذي اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل خارجا عن إجماع الرؤساء الأميركيين السابقين.

وقالت وداد العاروري (81 عاما) التي تعود أصول عائلتها إلى رام الله وجنين في الأراضي الفلسطينية لوكالة فرانس برس خلال التظاهرة، "نأمل في أن يعلن الأردن الذي هو بلدنا أرضا وشعبا وقيادة رفضه وبشكل حازم لهذه الصفقة التي تعني بيع فلسطين".

وتضيف "شردتنا العصابات الإسرائيلية عام1948 من اراضينا وبيوتنا واستشهد كثيرون، وعام 1967 حاول الجيش الأردني بكل ما يستطيع أن يدافع عن القدس لكن السلاح كان غير متكافئ واحتلت إسرائيل القدس، هل نأتي اليوم لننسى كل تلك التضحيات ونضيع فلسطين بإمضاء صفقات تسلبنا حقوقنا".

- "كابوس" -

وشهد الأردن موجتان من اللجوء الفلسطيني: الأولى عقب "النكبة" عام1948 إثر إعلان قيام دولة إسرائيل، والثانية بعد "النكسة" إثر حرب حزيران/يونيو عام 1967 عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية التي كانت تحت السيطرة الأردنية.

ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأمم المتحدة في الأردن أكثر من 2,2 مليون لاجئ.

وأكثر من نصف عدد سكان الأردن البالغ 9,5 مليون نسمة من أصول فلسطينية ويحمل ثلثاهم الجنسية الأردنية. ويخشى الأردنيون في حال إسقاط حق العودة للاجئين، أن تصبح المملكة تحت ضغط الطلب منها تجنيس الثلث الأخير . وهذا يتعارض مع الثوابت الأردنية ويسلب الفلسطينيين ما تبقى من حقوقهم وطموحاتهم بالعودة وإقامة دولتهم المستقلة.

ودعت واشنطن نهاية أيار/مايو الماضي الى مؤتمر في البحرين عقد في 25 و26 حزيران/يونيو عرضت فيه الشق الاقتصادي من خطة السلام الهادف، بحسب قولها، الى جذب استثمارات تتجاوز قيمتها 50 مليار دولار لصالح الفلسطينيين وخلق مليون فرصة عمل لهم ومضاعفة إجمالي ناتجهم المحلي، وذلك خلال عشرة أعوام.

وقاطع الفلسطينيون مؤتمر البحرين، وشارك فيه الأردن ممثلا بأمين عام وزارة المالية الأردنية.

ويرى مدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي أن "ثاني أكبر ضحية لصفقة القرن بعد الفلسطينيين هو الأردن بلا منازع". ويقول لفرانس برس إن المملكة قلقة من أن تفتح الصفقة الباب "حول حلول وخيارات في الأردن وعلى حسابه".

ويتطرق مدير مركز الفينيق للدراسات أحمد عوض من جهته الى أحد هذه الحلول المتداولة وهو إعطاء الأردن دورا في إدارة الضفة الغربية، معتبرا أن "هذا عبء سياسي كبير لا أعتقد ان الدولة العميقة في الأردن ترغب به".

ويضيف أن "إسقاط حق العودة والتعويض خطر على الأردن كما هو على الفلسطينيين، فجزء كبير من الأردنيين من أصول فلسطينية وجزء كبير من الفلسطينيين في الضفة الغربية هم مواطنون أردنيون".

ويتخوف الرنتاوي من "ربط استدامة الكيان الفلسطيني بشرط ارتباطه بصيغة ما مع الأردن. هذا سيفتح على الأردن أبواب جهنم".

ويرى الرنتاوي أن الخطة ستضع على الأردن ضغطا لتوطين عدد آخر من الفلسطينيين ومنحهم الجنسية، مضيفا "لا توجد دولة في المنطقة عليها عبء في موضوع اللاجئين الفلسطينيين مثل الأردن، فهو لديه عدد هائل يشكل نحو 60% من سكانه. هذا كابوس".

ويعتمد الأردن الذي تشكل الصحراء نحو 92% من مساحته إلى حد كبير على المساعدات الخارجية. وتجاوز الدين العام لهذا البلد 40 مليار دولار بما يفوق 96% من الناتج المحلي الإجمالي، مع ارتفاع نسب الفقر الى نحو 16% والبطالة نحو 20% وفقا للأرقام الرسمية.

وصرح مبعوث الرئيس الأميركي الى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات في حزيران/يونيو أن كشف الخطة لتسوية النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين قد يتم في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل بعد الانتخابات الإسرائيلية.

- "منافع اقتصادية" -

يشير محلل آخر كيرك سويل من مركز "يوتيكا ريسك سيرفسز" للأبحاث في واشنطن إلى إن "الأردن لا يملك إلا أن يرفض الصفقة"، لأنها "قد تحوّل الأردن إلى دولة فلسطينية".

ويضيف "قد تكون هناك منافع اقتصادية للأردن، لكن الملك أكد موقفه تجاه الدفاع عن القدس لقاعدته الشعبية العشائرية، لأن الصفقة تهددهم".

ويولي الهاشميون القيمون على العرش الأردني والذين يرجع نسبهم إلى هاشم، الجد الأكبر لنبي الإسلام محمد، أهمية خاصة لرعاية المقدسات في القدس بعد أن أخرجهم "آل سعود" من مكة المكرمة في عشرينات القرن الماضي بعد أن كانوا يرعون "بيت الله الحرام"، أهم مسجد في الإسلام.

ويقول الرنتاوي إن "الوصاية على المقدسات أمر بالغ الرمزية بالنسبة للهاشميين والأردنيين، فمكانة القدس عندهم تفوق مكانتها عند غيرهم من العرب والمسلمين، وهي مصدر من مصادر شرعية نظام الحكم في البلاد".

ويرى أن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إليها "عزز مخاوف الأردن".

من جهته، يرى عوض انه "عندما يقول فتى مثل كوشنر إن القدس وكل ما فيها لإسرائيل، فهو يستفز الملك عبدالله، الهاشميين بشكل خاص والأردنيين بشكل أوسع".

ويضيف أن "الوصاية على المقدسات في القدس هي قضية مفصلية بالنسبة للأردن وإحدى بنود شرعية النظام السياسي".

وكانت الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس الشرقية تخضع للسيادة الاردنية قبل احتلالها من قبل إسرائيل عام 1967. وتعترف إسرائيل التي وقعت معاهدة سلام مع الاردن في 1994، باشراف المملكة على المقدسات الاسلامية في القدس.

وأكد الملك عبد الله الثاني أكثر من مرة ما بات يعرف بلاءاته الثلاث: لا للوطن البديل، لا لتوطين اللاجئين الفلسطينيين، ولا للتنازل عن القدس أو الوصاية على المقدسات فيها.