أعضاء والد أصغر أسير أردني لدى إسرائيل معروضة للبيع

أعضاء والد أصغر أسير أردني لدى إسرائيل معروضة للبيع
الرابط المختصر

 

يعرض والد أصغر أسير أردني لدى إسرائيل أعضاء جسمه للبيع، وذلك كآخر حل اهتدى إليه من أجل تأمين قيمة غرامة مالية فرضها الاحتلال على ابنه، تحت طائل الحكم عليه بالسجن المؤبد في حال التخلف عن الدفع.

 

"بعد ابني محمد ماذا يبقى من طعم للحياة؟"، قال الأب مهدي سليمان بنبرة ملؤها القنوط مضيفا"أنا مستعد لبيع أعضائي لتأمين المبلغ على أن لا يحكم ابني بالمؤبد في سجن إسرائيلي".

 

قبل نحو ثلاث سنوات، كانت قوات الاحتلال الاسرائيلي تعتقل ابنه محمدا في قرية حارس غرب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، حيث كان متواجدا هناك في زيارة لأقربائهم، ولم يكن يتجاوز حينها الخامسة عشرة من العمر.

 

والشهر الماضي صدر بحق محمد حكم بالسجن 15 عاما ودفع غرامة تبلغ 30 ألف شيكل اسرائيلي (حوالي ستة الاف دينار) على سبيل تعويض أسرة مستوطنة قال الاحتلال إنها قتلت أثر رجمها بالحجارة من قبل شبان كان الفتى من ضمنهم.

 

وكما يوضح الأب، فان محمدا مهدد الآن بإعادة محاكمته إذا لم يدفع الغرامة، وبما سيفضي إلى تشديد العقوبة لتصبح السجن المؤبد، مؤكدا أن غياب أي دور حقيقي للحكومة الأردنية في متابعة قضية ابنه الاسير هو ما قاد الى هذه النتيجة.

 

وقال "بسبب غياب دور وزارة الخارجية عن جلسات المحاكمة فقد عمد الاحتلال الصهوني إلى تغيير التهم حسب مزاجه، فمن تهمة القاء الحجارة، إلى تهمة الشروع بالقتل واصابة 18 صهيونيا، وقبل أربعة أشهر أضيفت تهمة جديدة هي قتل مستوطنة، وقد وصل عدد التهم الموجهة لمحمد حتى الآن إلى 27 تهمة".

 

واعتبر الأب أن تأمين المبلغ ينبغي أن يكون من مسؤولية الحكومة في مثل حالته، مؤكدا أن "هذا أبسط شئ تقدمه" لإنقاذ مواطن أردني عانى ولا يزال من وحشية التعذيب في زنازين وسجون الاحتلال.

 

ليلة الاعتقال

 

يروي مهدي تفاصيل اعتقال ابنه كما أخبرته بها زوجته قائلا "أثناء نوم محمد الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل قامت قوة صهيونية خاصة وملثمة ومدججة بالأسلحة باقتحام المنزل، حيث هاجمته واعتدت عليه بأعقاب البنادق والضرب المبرح حتى أغمي عليه، فيما قاموا بعزل أمه واحتجازها مع أخوته في المطبخ".

 

 

وأضاف أنهم بعد ذلك "عمدوا إلى إفاقة محمد من الإغماءة ثم بدأوا معه تحقيقا تخلله ضرب وحشي، والذي لم يكن يجدي معه صراخ ابني الطفل واستغاثاته، وكذلك استغاثات أمه الملتاعة عليه والمحتجزة في المطبخ، واستمر الأمر على هذه الحال حتى الثالثة والنصف فجراً، حيث جرى اقتياد محمد بعدها إلى جهة غير معلومة".

 

وتابع أنه "مضت أربعون يوما لم نتوصل خلالها إلى معرفة شئ عن مصير محمد، إلى أن أبلغتنا محامية الأسرى في فلسطين هبة مصالحة أنه محتجز في زنزانة انفرادية في أحد معتقلات الاحتلال، وأنه تعرض لأبشع أنواع التعذيب".

 

ومضى في سرد تفاصيل ما جرى بعد ذلك، قائلا "توجهت فور تبلغي بما حصل إلى وزارة الخارجية الأردنية، وقدمت استدعاء للوزير شرحت فيه ما حدث لمحمد، وما أخبرتنا به المحامية عن تعرضه للتعذيب والتنكيل"

 

وبأسى أكد الأب إنه "منذ ذلك الوقت وحتى اليوم وأنا لا أجد إلا مزيدا من المواعيد والوعود بمساعدة ابني".

 

وقال "منذ اعتقال محمد كان تقصير وزارة الخارجية واضحا، حيث لم تقم بتعيين محام له، ولم ترسل طبيبا للكشف عليه، ولم يكلف أي من موظفيها نفسه بزيارته أو حضور جلسات محاكمته أسوة بالسفارات التي لديها مواطنين أسرى في سجون الاحتلال..باختصار لم يقوموا بواجبهم".

 

وأكد مهدي أن "إهمال الخارجية الأردنية لابني جعل قوات الاحتلال تنسب اليه التهم وتقوم بتغييرها حسب المزاج، وتواصل الاعتداء عليه حتى أثناء جلسات المحاكمة التي استمرت طوال ثلاث سنوات، وبواقع ستين جلسة كما أخبر والدته خلال إحدى الزيارات".

 

زيارة في السجن

 

بعد لأي ومماطلات ومناشدات، تمكن مهدي من زيارة ابنه في سجن مجدو القريب من جنين شمالي الضفة الغربية، وكانت لتلك الزيارة حكاية لا تقل مرارة عن رؤية الابن الطفل خلف القضبان.

 

يقول مهدي "في إحدى المراحل، وجدت تفهما ومساعدة من النائب رولى الحروب التي اصطحبتني إلى وزارة الخارجية ومكنتني من لقاء الوزير أول مرة، علما أنه تلت ذلك لقاءات أخرى تعهد الوزير خلالها بالعمل من إجل الإفراج عن محمد، وأوعز في إحداها إلى المسؤولين بتأمين زيارتي له في السجن خلال أسبوع.. ولكنني انتظرت بعدها 4 أسابيع دون جدوى".

 

وأضاف "ولما رأيت كافة الأبواب سدت في وجهي، لم أجد أمامي إلا الإضراب عن الطعام الذي استمر خمسة أيام أمام بوابة الوزارة، وفي اليوم الخامس هاتفتني السفارة الإسرائيلية التي كنت قدمت إليها طلبا للحصول على فيزا، وطلبت إليّ إحضار صورتين وجواز السفر، ولما وصلتها كان الدوام قد انتهى، وبالرغم من ذلك أصدرت لي الفيزا، وخلال أقل من 15 دقيقة".

 

وتابع أن وزارة الخارجية التي علمت بأمر صدور الفيزا  "طلبت مني عدم السفر حتى يتم وضع ترتيبات للزيارة، وهنا وبالحرف الواحد قال لي أحد موظفي الوزارة: -لا تسافر حتى نؤمن لك زيارة مشرفة مدتها ثلاث ساعات وتتمكن خلالها من احتضان ابنك.- وقد امتثلت وانتظرت، وبعد أسبوع اتصل معي الموظف قائلا: -غدا الساعة الثامنة صباحا كن على الجسر".

 

ومضى قائلا "وقبيل وصولي إلى سجن مجدو مكان اعتقال ابني، اتصلت مع موظف وزارة الخارجية وأخبرته أنني ساكون عند السجن خلال عشر دقائق، فأبلغني أنني سأجد في انتظاري موظفين من السفارة الأردنية لمساعدتي، لكني لم أجد شيئا من ذلك، كما أن الزيارة، اقتصرت على أربعين دقيقة فقط، ومن خلال حاجز زجاجي وحديث تليفوني مشوش".

"“كانت الزيارة بعد ثلاث سنوات لم أر فيها ابني، كان في الخامسة عشرة من عمره وهو الآن في الثامنة عشرة، وقد تغيرت ملامحه.. أمضيت وقت الزيارة بين البكاء وتشويش التليفون".

 

وبألم تمتم مهدي "ابني لا يزال معتقلا، ولا أجد أي جهة محلية تعمل على الإفراج عنه، وأمضي وقتي حاملا صورته خلال الاعتصامات  والمسيرات التي تقيمها مختلف الجهات في الأردن، وأقوم بشرح ظروف اعتقاله وما تعرض له من تعذيب وتنكيل لكل من يقابلني، سواء في المسيرات أو الاعتصامات أو أثناء ركوبي التاكسي أو الباص".

 

حرموه الطفولة

 

كان صوت أم محمد المتواجدة في قرية حارس حاليا والقادم عبر الهاتف، يشي ببركان من الحزن المتأجج لوعة على ابنها الذي حرمه الاحتلال من طفولته واغتالها خلف القضبان.

 

وقالت الأم "لا زلت إلى اليوم غير قادرة على استيعاب ما حصل، لقد آذانا الاحتلال كثيرا، كانت الصدمة الكبيرة سجن محمد، والآن نفكر بالغرامة كأنها صاعقة على عقولنا وقلوبنا، نفكر من أين سنأتي بهذا المبلغ، واذا لم نستطع دفعه سيحكم بالمؤبد على ابني".

 

وأضافت "قابلت ابني من خلف حاجز زجاجي خلال زيارتي الأخيرة له قبل أسبوع، ورأيت دموعه، دموع طفلي المعتقل، وساعتها فقدت الوعي من شدة الحزن، ولما أفقت وجدت حولي أناسا يحاولون إسعافي وعرفت منهم أن وقت الزيارة قد انتهى".

 

وتصف أم محمد المعاناة التي تكابدها خلال تنقلها بين القرية والسجن في أيام الزيارات، "أتعذب كثيرا حتى أصل، أخرج من القرية الساعة السادسة صباحا متوجهة إلى بلدة سالم حيث سجن مجدو، وأعود في السادسة مساء،  وأمر خلال ذلك بحواجز الاحتلال وعذاباتها".

 

 

كانت أول زيارة لها إلى السجن بعد خمسة شهور من اعتقال ابنها، أما الآن، فهي تتمكن من زيارته مرتين في الشهر، لكن أخاه الأكبر صدام لا يسمح له بذلك كما تقول. ومحمد هو السابع بين تسعة أخوة ضمن العائلة.

 

وختمت الأم المحادثة الهاتفية التي كان يقطعها البكاء بين حين وآخر "محمد ابني طفل، وقد حرم من طفولته التي قضاها في السجون"، مضيفة إنه "طلب مني في آخر زيارة أن أحضر له صورة لي مع اخوته أمام بيتنا في القرية".

أضف تعليقك