أزمة السير.. كابوس الزرقاء المزمن
البلدية: عوامل تنظيمية وسكانية وسلوكية وراء المشكلة ودورنا ضمن الإمكانات
السير: الاستهتار وعدم الالتزام بالقانون هو السبب والحل في تشديد العقوبات
مواطنون يشكون تزايد المخالفات ويصفون بعضها بـ"الظالمة"
عاما بعد آخر، يزداد تفاقم فوضى الأزمة المرورية في شوارع الزرقاء، والتي بلغت في الآونة الأخيرة ذروة باتت معها المدينة مهددة بالشلل.
وفيما تتفق كافة الجهات الرسمية والمعنية في المدينة على تشخيص الأسباب والتداعيات، إلّا أن أيّا منها لم يجترح حتى اليوم حلّا يزيح هذا الكابوس الجاثم على صدور أهالي المدينة.
مدير دائرة المرور في البلدية المهندس محمد العرموطي، وصف الأزمة بانها مزمنة و"ليست وليدة الساعة"، موضحا أنها ناجمة عن مزيج من المشكلات المتداخلة والمترابطة، سواء التنظيمية والسكانية وحتى السلوكية.
واستهل بالمشكلة التنظيمية قائلا: إنها تكمن في الوضع البدائي لشبكة الطرق، حيث "لا توجد شبكة مصممة للمدينة بشكل مسبق أو علمي، ونحن نلاحظ أن سعتها غير كافية، ومن جهة أخرى نلحظ نقصا كبيرا في مواقف السيارات".
وأشار العرموطي إلى أن آثار ذلك تظهر بوضوح في الوسط التجاري وبعض المواقع الحيوية الأخرى، وتضطر كثيرا من السائقين إلى ركن سياراتهم بشكل مزدوج وبعشوائية مما يعيق حركة السير.
وأكد أن تضاعف عدد السكان بفعل الهجرات الخارجية المتعاقبة والهجرة من الريف إلى المدينة، وكذلك النمو السكاني الطبيعي، جعل شبكة الطرق تتعرض لضغط هائل فاق قدرتها الاستيعابية.
ولفت أيضا إلى أن "عدم وجود اختيار صحيح لمسارات خطوط النقل" داخل المدينة أسهم في تفاقم الحالة المرورية.
واعتبر العرموطي أن السلوكيات غير المنضبطة لبعض سائقي مركبات النقل العمومية تؤدي دورا في تعميق المشكلة، وإن كان سعى إلى التماس العذر لهم بوصفهم يرزحون تحت ضغوط كبيرة في بيئة العمل.
وقال أن عدم تحديد مواعيد للرحلات وكذلك لعدد ساعات عمل السائق يؤثر على سلوكه ويجعله يتعامل مع الركاب "بطرق غير لائقة"، إضافة إلى أنه يؤثر على أدائه أثناء القيادة ما يؤدي إلى تسببه في الحوادث المرورية.
وأضاف العرموطي "أن نسبة كبيرة من السائقين غير مشمولة بالضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، ما يدفع أصحابها إلى ارتكاب مخالفات الحمولة الزائدة من أجل جني مزيد من الارباح "تحسبا للقادم من السنوات بعد توقفهم عن العمل.
وأرجع جزءاً من المسؤولية في الأزمة على أصحاب السيارات الخاصة بسبب "عدم احترامهم لقوانين السير و ركنهم سياراتهم بعشوائية"، مشيرا إلى "اعتداءات" التجار على الأرصفة، ما يجبر المشاة على مزاحمة السيارات في الشارع.
ولفت إلى الحفريات في شوارع المدينة، معتبرا أنها "تشكل عائقا كبيرا" معربا عن أمله في أن "تنتهي قريبا".
وحول الدور الذي تؤديه بلدية الزرقاء من أجل التخفيف من حدة الأزمة المرورية، قال العرموطي إنها "تبذل كل ما في وسعها .. ولكن ضمن الامكانات"، مضيفا أنها لا تستطيع حل المشكلات التنظيمية المزمنة" بين يوم وليلة".
وأوضح أن جهود البلدية تنصب حاليا على "تحسين التقاطعات وإيجاد حل جذري للأماكن الخطرة التي تكثر فيها الحوادث ووضع الشاخصات التحذيرية والإلزامية على الطرق".
"الحل في القانون"
ومع تفاقم أزمة المرور يوما بعد يوم، ينظر الكثيرون إلى شرطة السير باعتبارها الطرف الذي يقع على عاتقه العبء الأكبر في التصدي للأزمة، وينتقدون في الوقت نفسه ما يلحظونه من قلة أعداد رقباء السير في المدينة.
إلّا أن رئيس قسم سير الزرقاء العميد محمد عدنان البنيان اعتبر ان "الموضوع ليس بعدد رقباء السير سواء قل العدد أم كثر"، مؤكدا أنه "إذا انعدم الالتزام من السائقين والمواطنين، فستبقى المشكلات".
واعتبر انه "ليس من المعقول أن نضع رقيب سير بين كل عشرة أمتار حتى نمنع الوقوف المزدوج، أو رقيب سير عند كل إشارة ضوئية، فتعاون المواطن مطلوب قبل أي شئ، ومعه تصبح الأمور أسهل وحتى بدون وجود رقيب سير".
ووصف البنيان المخالفات وفق القانون الحالي بأنها غير ناجعة ولا تحد من تجاوزات السائقين، وتحديدا "المستهترين"، معقبا في السياق على مبدا الاعتراض على قيمة المخالفة وتخفيض قيمتها، معتبرا أن ذلك يزيد في التقليل من تاثيرها.
وقال "المخالفة ليست رادعة، وإن كان البعض يتعظ وتؤثر فيه المخالفة ولا يعود لتكرارها، ولكن عدد هؤلاء قليل"، مضيفا أن هناك في المقابل "من يقوم بتكرار المخالفات في اليوم الواحد عدة مرات.. هناك استهتار".
ويسود تذمر بين كثير من سائقي المركبات سواء الخاصة أو العمومية بسبب المخالفات التي تحرر بحقهم من قبل رقباء السير، وبعضهم يصفها بانها "ظالمة"، كما هي الحال مع خالد المسلماني وهو مخرج مسرحي.
وقال المسلماني "أحيانا يشعر المواطن الذي وقعت عليه المخالفة بالظلم من قبل رجل المرور"، مضيفا أنه كان يعود إلى سيارته ليجد مخالفة على زجاجها الأمامي، في حين تكون هناك سيارات أخرى مركونة في نفس الموقع ولم تتم مخالفتها.
كما شكا مواطن فضل الاكتفاء بذكر اسمه على أنه "أبو محمد"، من عدم مراعاة رقيب السير لظروف السائقين الذين يضطرون إلى ايقاف سياراتهم أمام الداوائر الحكومية خلال مراجعتهم لها، بسبب عدم تخصيصها لساحات اصطفاف.
وذكر أبو محمد مشكلة مخالفات الاصطفاف امام قصر العدل، معتبرا أن استمرارها بلا وجود حل يعد شئ مؤرقا.
وبين أن هناك مواقف في المدينة "ولكنها قليلة وبعيدة ولا تخدم من يريد مراجعة الدوائر التي تقع في أطراف المدينة، هذا عدا عن تكلفة الاصطفاف العالية التي يجب على المواطن أن يتحملها في كل مرة يريد أن يقوم باستخدام المواقف".
ومن جهته، لم يرغب البنيان في كشف حجم المخالفات المحررة في الزرقاء، مفضلا إبقاء الأمر "سريا" على حد تعبيره.
وعاد وأكد أن الحل للحد من المخالفات "يتاتى من التشريعات التي هي الأقدر على جعل السائق يقلل من ارتكاب المخالفة كأن تزاد قيمتها أو أن تكون هناك اجراءات إدارية صارمة مرافقة لها"، مستحضرا في السياق نظام النقاط الذي توقف العمل به منذ العام 2001، معتبرا أنه كان له أثر كبير في الحد من المخالفات، والتخفيف من المشكلة المرورية.
وشدد البنيان على أن عمل قسم السير لا يقتصر على المتابعة الميدانية، بل يتضمن أيضا أنشطة تثقيفية للأهالي من خلال مكتب العلاقات العامة التابع له، وذلك كأحد الحلول لمواجهة المشكلة التي "تعود لأسباب سكانية بشرية".
ثقافة مرورية
الوكيل نادية العسوفي من مكتب العلاقات العامة في قسم سير الزرقاء، أوضحت أن المكتب يضطلع بمهمة "العمل الوقائي في مجال المرور"، ويتبنى في ذلك خطة تثقيفية تسعى إلى مواجهة المشكلة باعتبارها مسؤولية المجتمع كله وليس دائرة السير فقط.
وقالت العسوفي أن النواحي التي يركز عليها المكتب في هذا الصدد تتمثل في التوعية بقوانين السير والطرق الصحيحة لعبور الشارع وتجنب الحوادث التي يكون ضحاياها غالبا من الأطفال، مضيفة أنهم من هذا المنطلق يعطون أولولية لتثقيف طلبة المدارس.
وأضافت "نحن نستهدف البالغين أيضا في برنامجنا الوقائي ضد حوداث المرور، وذلك من أجل ايصال المعلومة لكافة فئات المجتمع"، مشيرة إلى أن البرنامج ينفذ "من خلال الجمعيات الخيرية والنقابات ومديريات الوزارات".
وتابعت قائلة "نحن نتوجه الى الجمعيات الخيرية لاننا نجد فيها أمهات الأطفال الذين التقيناهم في المدارس وقدمنا لهم التثقيف المروري المناسب، ومن خلال الجمعيات نثقف أمهات هؤلاء الأطفال، وبذلك نكون قد حققنا الهدف بتثقيف المجتمع مبتدئين من الاسرة.. التي لها الدور الأكبر في زرع القيم في نفس الطفل".
وبيّنت العسوفي أن هنالك طرقا أخرى يعمل مكتب العلاقات العامة في قسم سير الزرقاء من خلالها على نشر الثقافة والوعي المروريين، ومنها إعداد فرق للتوعية المرورية من طلبة المدارس حتى يقوموا بمساعدة زملائهم على عبور الشارع والوصول إلى مدارسهم بأمان.
وأوضحت أن هذه الفروق تتولى كذلك مهمة نشر التوعية المرورية في المدرسة، وبذلك لا تعود المعلومة التي يقدمها مكتب العلاقات العامة محصورة بمن شارك في محاضرة التوعية، بل تمتد إلى بقية الطلبة.
وأشارت إلى أن عدد النشاطات المتعلقة بالمرور والتي تم انجازها في العام السابق 2014 زادت على 95 نشاطا في مختلف المدارس والجمعيات والدوائر الحكومية، واشتملت على محاضرات وعرض للأفلام المتعلقة بحوادث المركبات.
ولفتت العسوفي كذلك إلى تجربة أعوان السلامة المرورية، وهم متطوعون مدنيون يسهمون في تعزيز الرقابة على العملية المرورية وضبط مخالفات السائقين سعيا لتحسين وتطوير الأداء على الطرق والحد من حوادث السير.
وقالت أن أعوان المرور دائمو التواصل مع قسم السير وهم على درجة عالية من التأهيل والثقافة المرورية والتي تمكنهم من ملاحظة المخالفات ورصدها وتسجيلها من خلال دفاتر مخالفات يجري تزويدهم بها.
من جانب آخر، بيّنت العسوفي أن هناك تواصلا مع دائرة المرور في البلدية، والتي يقوم القسم بتقديم توصياته اليها بشأن وضع الشاخصات المرورية وتحديد مواقع العبور الآمنة للمشاة على الطرق.
وأضافت أن هناك تنسيقا أيضا في ما يتعلق ترتيب أوضاع جسور المشاة، كما هي الحال مع الجسر المقام أمام مدرسة سكينة في الزرقاء الجديدة، والذي يجري العمل على إعادة تاهيله من أجل أن يعود الطلبة لاستخدامه تجنبا لمخاطر عبور الشارع.