أردنيات متفوقات بالتعليم يضيق بهن سوق العمل

أردنيات متفوقات بالتعليم يضيق بهن سوق العمل
الرابط المختصر

 

بعد 14 عاما من حصول سوزان على شهادة الماجستير في الاقتصاد السياسي الدولي، تمكنت أخيرا وبعد جهد من الالتحاق بسوق العمل، ليتم اختيارها وفق التعليمات المقررة لديوان الخدمة المدنية للتعيين بالوظائف الحكومية.

 

محاولات عديدة قضتها سوزان وهي تتنقل من وظيفة لأخرى، على أمل الاستقرار في إحداها، إلا أن كافة محاولاتها باءت بالفشل، نتيجة تعرضها لتحديات كبيرة حالت دون تمكنها من تحقيق طموحها الذي كانت ترسمه وهي على مقاعد الدراسة بأن تكون إحدى صانعات القرار، على حد تعبيرها.

8

ليست سوزان الفتاة الوحيدة التي تجتاز تعليمها الأكاديمي وبدرجة تفوق، قبل أن تحظى على فرصة الانخراط بسوق العمل، حيث بلغ إجمالي عدد الإناث ممن تخرجن عام 2013 - 2014، 31.253 خريجة، من أصل 57.046 خريجا، وفق إحصاءات وزارة التعليم العالي."

إلا أن أرقام دائرة الإحصاءات العامة، تظهر أن معدل البطالة لحاملي شهادة البكالوريوس فأعلى في الربع الأول من العام الجاري، بلغ 27.2% بين الإناث، مقابل 18.7% بين الذكور.

كما تشير الأرقام إلى تفاوت نسب البطالة بين صفوف الإناث مقارنة بالذكور خلال الربع الأول من العام الحالي، إذ كان معدل البطالة بين الإناث ضعف معدلها بين الذكور حيث بلغ معدل البطالة للاناث، 22.1% ، 11 % للذكور.

88

 ضعف المشاركة الاقتصادية

كشف التقرير الدوري للمجلس الوطني لشؤون الأسرة الذي صدر مؤخرا أن الأردن لا يزال يشهد ضعفا بمشاركة المرأة الاقتصادية، حيث تشير الإحصاءات إلى أن 71 % من الأسر تفضل عمل المرأة، ولكن بالمقارنة مع الواقع، فإن 10 % من الأسر فقط تعمل فيها المرأة.

الأمين العام للجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة سلمى النمس، تعتبر أن تراجع نسب مشاركة المرأة في سوق العمل وفق ما اشارت اليه الارقام الاخيرة يعد من أكثر السنوات انخفاضا وتراجعا مقارنة بالأعوام السابقة.

ترجع النمس أسباب هذا التراجع للأحداث والمتغيرات السياسية في المنطقة، والتي انعكست على الواقع الاقتصادي في المملكة، مشيرة إلى أن المرأة تعد المتضرر الأكبر في هذه الظروف، نتيجة لإقصائها من ضمن أولويات السياسات التنموية والتي تحد بالأصل من انخراطها في سوق العمل، خلافا للذكور.

"فبقاء السياسات دون تغيير جذري في العقلية النمطية لصانعي السياسات الاقتصادية، بعيدا عن تحديد دور المرأة في العملية التنموية كلاعب أساسي ومهم، سيساهم حتما بإعاقة مسيرتها العملية"، تقول النمس.

 

قطاع يعاني الأزمات

 

يرى مدير مركز الفنيق للدراسات الاقتصادية أحمد عوض، أن القطاع الخاص بات يعاني من إشكاليات اقتصادية كبيرة، أدت إلى تراجع النمو الاقتصادي، وعدم قدرته على توليد فرص عمل للإناث، علما بأنه القطاع الذي يستحوذ على النسبة الأكبر من العاملات.

 

كما أن فرص العمل في القطاع العام والشركات الكبرى، أصبحت محدودة لعدم حاجتها للموظفين، ما يدفع العديد إلى التوجه للعمل في الشركات الصغيرة والمتوسطة والقطاع غير المنظم، الذي يعاني من ضعف في توفير بيئة مناسبة للعمل، بحسب عوض

 

وتشير دراسات أخيرة صادرة عن دائرة الإحصاءات العامة إلى تراجع ملموس بأعداد فرص العمل التي يولدها سوق الاقتصاد الأردني، والتي تبلغ نحو 50 ألفا سنويا، والتي تقل عن نصف أعداد الخريجين.

i

وتراجع معدل مشاركة المرأة اقتصاديا خلال الربع الأول من العام الحالي ما نسبته 12.5% مقارنة بـ14.9% عام 2011.

d

 

 

اختيارات خاطئة لتخصصات مشبعة في سوق العمل

من العقبات الأولى التي تؤدي إلى ضعف مشاركة المرأة الاقتصادية، عدم موائمة مخرجات النظام التعليمي ومتطلبات سوق العمل، حيث تعد اختيارات الإناث لتخصصاتهم بعيدة عن التخصصات والمهارات المطلوبة في هذا السوق، بحسب الخبير التربوي الدكتور عاطف الشواشرة .

ويشير الشواشرة إلى أن أغلب الإناث يتجهن لدراسة التخصصات الإنسانية التي تعد مشبعة في سوق العمل المحلي، خلافا لفرص العمل المتاحة كالتخصصات المهنية والفنية والتقنية.

الأمين العام للمجلس الوطني لشؤون الأسرة، سلمى النمس، ترى أن قرابة 70% من العاملات في القطاع العام، يعملن في مهنة التعليم والقطاع الصحي، رغم حصولهن على شهادات بتخصصات علمية مختلفة، معتبرة أن المرأة لا زالت ترى بأن هذين القطاعين هما المتاحان أمامها في سوق العمل.

 

عقبات اضافية تحد من عمل المراة

 

يرى خبراء اقتصاديون ونشطاء في حقوق المرأة  في لقاءات متعددة مع معدة التقرير،  أن هنالك جملة من المعيقات تحد من مشاركة السيدات في سوق العمل، من أبرزها عدم توفر مرونة بالعمل، بحيث يتم مراعاة الظروف والمسؤوليات الاجتماعية الملقاة على عاتقها، الأمر الذي يجبرها على البقاء في منزلها.

 

كما أن عدم توفر شبكة مواصلات آمنة ومريحة، لضمان إيصالها إلى مكان عمل بعيد عن منزلها بأقل التكاليف، نظرا لأن أغلبية العاملات يتقاضين أجرا يتراوح من 250 الى 300 دينار، أو الحد الأدنى للأجور، ما يضطرهن لدفع جزء كبير من دخلهن على المواصلات، لذلك تفضل المكوث في منزلها بدلا من العمل.

 

ولا زالت المرأة تعاني من عدم  توفر الحضانات في أماكن العمل لرعاية أبنائهن أثناء ساعات عملهن،  رغم النصوص القانونية التي تقضي بإنشاء الحضانات، والتي تؤكد وزارة العمل على مراقبة مدى تطبيقها في المنشآت العاملة.

المادة (72) من قانون العمل الأردني تنص على صاحب العمل الذي يستخدم ما لا يقل عن عشرين عاملة تهيئة مكان مناسب ليكون في عهدة مربية مؤهلة لرعاية أطفال العاملات الذين تقل أعمارهم عن أربع سنوات ٬ على أن لا يقل عددهم عن عشرة أطفال.

 

ويظهر التقرير الدوري الاخير للمجلس الوطني لشؤون الأسرة، أن 10.3 % من الأطفال يلتحقون بحضانات، بينما 83.2 % من الأمهات متفرغات لرعاية الأطفال في منازلهن لأنهن غير عاملات.

كما أن 70 % من الأسر تفضل رعاية الأطفال من أحد الأقارب من الدرجة الأولى، تليها 33 % الحضانة المنزلية، وفي الدرجة الأخيرة الحضانة الرسمية أو الحضانة في مكان العمل.

ومن التحديات التي تواجه المرأة، عدم شمولهن في الضمان الاجتماعي، إذ بلغ أعداد المشتغلين المشمولين تحت مظلة الضمان، من الإناث  275 الف عاملة، مقابل 781 الف للذكور.

كما يتعرض بعض النساء العاملات إلى أنواع من الاستغلال، وتفاوت نسب الأجور بين المرأة والرجل، خاصة في القطاع الخاص، والتمييز الذي يقع عليهن، مما يجعل من العمل بيئة غير مناسبة و"طاردة" للمرأة.

 

تجاوزات على قانون العمل

 

ممارسة تلك السلوكيات التي تؤدي إلى إحجام المرأة عن العمل، تعود أسبابها - بحسب مدير مركز الدراسات الاقتصادية أحمد عوض- إلى تجاوز بعض أصحاب العمل لقانون العمل، وعدم قدرة وزارة العمل على مراقبة سوق العمل بتفاصيله.

 

فيما تؤكد مديرة مديرية عمل المرأة في الوزارة ليلى الشوبكي، أن قانون العمل المعمول به حاليا يساوى بين المرأة والرجل في الحقوق، مشيرة إلى ان القانون ليس فيه ما يلزم اصحاب العمل عدم ممارستهم التمييز.

 

وتضيف الشوبكي بأن مسودة قانون العمل تتضمن تعديلات على بعض المواد التي تساهم بتعزيز مشاركة المرأة في سوق العمل، كوضع نص يلزم صاحب العمل بإعطاء المرأة والرجل أجرا متساويا، بالإضافة إلى تعديل المادة 72 بحيث تلزم أي مؤسسة بإنشاء حضانة دون تحديد عدد العاملات فيها، خلافا للنص الحالي الذي حدد ان لا يقل عن عشرين عاملة.

 

 

حلول لتفعيل مشاركة المراة في سوق العمل

 

وترى النمس أن الأردن بحاجة ماسة إلى إجراء دراسة توضح مدى جدوى مشاركة المرأة في سوق العمل وانعكاسها على الدخل القومي، ومساهمتها في انخفاض معدلات الفقر.

 

وتشدد النمس على ضرورة تحفيز القطاع الخاص لخلق فرص عمل، وتوفير بيئة ملائمة للمرأة، لما له من إيجابيات اقتصادية تعود على المجتمع.

 

يدعو عوض وزارة العمل إلى  تفعيل دورها الرقابي لضبط سوق العمل وضمان تطبيق كافة التشريعات، بالإضافة إلى رسم سياسات استثمارية لتشجيع الاستثمار والتوسع لتوفير فرص عمل إضافية تنخرط فيها المراة، دون اشتراط مسبق بتفضيل الرجل على المرأة في العمل .

 

فعدم مشاركة المرأة في سوق العمل هو تعطيل لنصف المجتمع نتيجة إهدار طاقات كبيرة من الأيدي العاملة دون استثمار لتلك القدرات والخبرات، بحسب الشوبكي.

 

ومن الملفت لهذا العام ان اوائل الثانوية العامة لكافة التخصصات هن من الفتيات باستثناء التخصص الصناعي، ولكن يبدو ذلك لم يجد نفعا في ظل ثبات السياسات القائمة على حالها دون تغيير.

 

*بدعم من منظمة "صحفيون من أجل حقوق الإنسان الكندية

أضف تعليقك