أردنيات في مهن جديدة.. بدايات صعبة وقبول اجتماعي

أردنيات في مهن جديدة.. بدايات صعبة وقبول اجتماعي

ما كان صعبا وغير مألوف في عمل النساء قبل عشر سنوات تقريبا، أصبح الآن أكثر قبولاً ورضا بين المواطنين خصوصاً بعد أن استطاعت المرأة الأردنية أن تثبت للجميع كفاءتها في أي مهنة تعمل بها حتى ولو كانت حكرٍ على الذكور منذ عقود طويلة، فنراها اليوم سباكة ونجاره وحدادة وسائقة تكسي وباص وبائعة متجولة وغيرها من هذه المهن غير التقليدية والتي لم نتعود على وجودها فيها.

 

 

أم مصطفى السالم من مدينة المفرق اختارت أن تعمل مع زوجها في تجبيل وتحميل الطوب قي مصنع طوب بيعد عن منزلها قرابة النصف ساعة في المواصلات.

"

مش عيب الشغل، شو المشكلة إني أعمل في تجبيل وتحميل الطوب، الحمدلله صحتي كويسه وبقدر اشتغل اي شي.. احسن ما اشحد واطلب الاحسان من الناس... البدايات كانت عندما اصيب زوجي والذي يعمل في المصنع واضطر للتوقف عن العمل للمدة شهرين، وضعنا المادي سيء، فاضطررت للعمل بدلا منه، وبعدها قررت أن استمر، واجهتني مشكلة عدم تقبل الاهل والاقارب كون هذه المهنة حكرا على الرجال وتحتاج لطاقة بدنية كبيرة، ولكنني استطعت النجاح الحمد لله والجميع يشهد لكفاءتي وقدرتي على العمل" تقول السلم.

 

أما آمال أبو رعد وفاطة دبّو واللتان تدربتا بين مجموعة من نساء الزرقاء على مهنة السباكة مع شركة تحدي الألفية الأمريكية ضمن برنامج الجندر والنساء السباكات والمنبثق عن مشروع إدارة المياه المنزلية بهدف تمكين النساء بحيث تم تدريب 30 سيدة على أعمال السباكة بالتعاون مع مؤسسة التدريب المهني؛ فقد قمن بحملة توعوية في محافظة الزرقاء على نشر ثقافة كيفية إدارة المياه المنزلية والحفاظ عليها.

 

 

فاطمة دبو (42 عاماً) من حي معصوم في الزرقاء تعمل سباكه، وتروي بداية عملها لعمان نت "شجعتني صديقتي لدخول دورة تعليم السباكة، كان هدفي الأول هو تحدي ثقافة العيب أن اثبت للمجتمع أن المرأة قادرة على العمل في أي مهنة، فالسباكة مهنة دخلها المادي جيد رغم صعوبتها وأضرارها الصحية، فقد عانيت في البداية من امراض الحساسية والجلدية ولكن بعد فترة تجاوت كافة الصعوبات".

 

 

"في البداية كنت أرى علامات الاستغراب والتعجب على وجوه الناس عندما أدخل إلى منزلهم مع شريكي المواسيرجي، ومنهم من كان يسالني عن سبب عملي في هذه المهنة الصعبة وغير المألوفه للنساء، ولكن سرعان ما تتحول هذه العلامات الى راحة وطمأنينه وثقة عالية،  ومنهم من يبدي الفخر والاعتزاز بقدرة المرأة على العمل في اي مجال" تقول دبو.

 

 

وتروي أيضاً آمال أبو رعد (36 عاماً) من بيرين في الزرقاء لعمان نت عملها "حبيت المهنة وتحديت فيها نفسي ومجتمعي وثقافة العيب، احنا قادرات على العمل في أي مجال بس أعطونا الفرصة ... قدرت أثبت للكل إنه الشغل مش عيب حتى لو كنت سباكه، أنا كمان قدرت أساعد السيدات الي ازواجهم خارج البيتن وبحتاجوا للمواسيرجي وما بيقدروا يطلبوا خدماته الا بعد عودة ازوجاهن مساء، وجودنا حل مشكلة كبيرة حسب ما تحدثت سيدات الزرقاء في كل مرة كنا ندخل بيتهم".

 

 

فاطمة وآمال وجهن كلمة للنساء الأردنيات "لا تقعدوا في بيوتكم فأنتن قادرات علىى العمل في مجال، تحدوا ثقافة العيب وبادرن للعمل افضل من الفقر والحاجة وانتظار احسان ومساعدة الناس "

 

 

وتلجأ النساء عادة للعمل في مهن جديدة غير مألوفه أو العمل من خلال المنزل لتجاوز ضعف فرص العمل المتاحة أمامها وعدم قدرتها على العمل لساعات طويلة في القطاع الخاص، فتجد في هذه الأعمال المفر الوحيد والملاذ الآمن لها لتحقق دخلاً اضافياً يساعدها في تحسين ظروف أسرتها بالاضافة إلى عدم تقيدها بساعات عمل طويلة وأحيانا ظروف عمل سيئة ورواتب متدنية.

 

 

بسمة  أبو رمان سائقة تكسي مميز ( Taxi Pink) قررت أن تكون من المجموعة الأولى من النساء اللواتي يخضن تجربة قيادة التكسي وأن تبادر هي وزميلاتها بكسر حاجز الخوف والرهبه من المهن التي هي معروفه انها حكرا على الذكور.

 

 

وتروي بسمة لموقع "عمان نت بداية عملها "حبيت أخوض التجربة واشتغل بهذه المهنة لأنها غريبة ومش تقليدية، قررت اتحدى ثقافة العيب ونظرة المجتمع للمرأة واثبت للكل انه بنقدر نشتغل اي شي طالما هو ليس عيباً... أنا ما عندي أي مهنة أو مهارة بمتلكها، أول ما أخذت الرخصة الخصوصي كنت بتمنى آخذ العمومي وأكون مندوبة تسويق أو سائقة باص أو أي مهنه مشابهه، ولما عرفت عن فتح باب التوظيف لمهنة سائقات تكسي مباشرة تقدمت بطلب والحمد لله انا من اوائل العاملات في هذه المهنة"

 

 

وعن المعيقات والصعوبات التي واجهت بسمة في عملها تقول "تعليقات الناس، نظرات الاستهجان واحيانا كلام قاسي وجارح من البعض، ملاسنات من سائقي تكاسي (بدك تنافسينا في رزقتنا!!)، اخرون يرفضون الركوب معي بمجرد رؤية ان السائق امرأة، مضايقات للسيارة من بعض الشباب ومحاولة استفزازي اثناء القيادة،  لكن الحمد لله بعد فترة من العمل تقلصت هذه الصعوبات وصرت انظر الها على انها طرائف ومواقف فردية من الاشخاص الذين لغاية الان لا يتقبلون عمل المرأة باي مجال وليس فقط في قيادة التكسي".

 

 

والحق في العمل من الحقوق الإنسانية الأساسية التي أقرها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويقتضي ذلك التزام الدولة الأردنية باحترام وحماية وكفالة امكانية قيام كل شخص بعمل لكسب الرزق، والالتزام بضمان حرية اختيار العمل أو قبوله، خاصة وأن الأردن ملزم اخلاقيا وقانونيا بتمكين الأردنيين من التمتع بهذا الحق لأنه صادق على العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في عام 1976 ونشره في الجريدة الرسمية عام 2006، وأصبح بذلك جزءاً من المنظومة التشريعية الأردنية ويسمو على التشريعات الوطنية التي تتعارض معه.

 

 

وقدر اقتصاديون في الأردن حجم اسهام عمل المرأة في القطاع غير المنظم بـ30% من اقتصاد الدولة وفي بعض الدول  يصل إلى 40% .

 

 

المحلل الاقتصادي مازن مرجي يؤكد "لعمان نت " أنه وفي السنوات السابقة تراجع النشاط الاقتصادي للمرأة وارتفعت معدلات البطالة بين الاناث بشكل كبير وتقصلت فرص العمل المتاحة امامها، مما دفعها للعمل بمهن غير مؤلوفه خصوصا وان غالبيتها هي مدرة للدخل وتعتبر مصدر رزق جيد لهن، لذلك تحاول تحدي ثقافة العيب وطرق باب جديد للعمل".

 

 

وترى المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي انه من حق السيدات العاملات في هذا القطاع غير المنظم وبقطاع الحرف والمهن اليدوية بالاشتراك في الضمان الاجتماعي اسوة بالعاملات في القطاع المنظم ولهذا نظمت المؤسسة سلسلة لقاءات مع هذه الفئات بالشراكة والتعاون مع منظمات نسوية للحديث معهن وتشجيعهن على الانتساب الاختياري لحمايتهن وضمان مستقبلهن وشيخوختهم وحمايتهن من اصابات العمل وغيرها من الامور التي توفر ارضية الحماية الاجتماعية للمرأة العاملة في الأردن.

 

مؤشر الأردن للفجوة بين الجنسين

 

في دراسة صادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي تفيد أن المساواة الاقتصادية بين الجنسين ستحقق في عام 2186، أي بعد 170 عاما، وأن النساء في أنحاء العالم حصلن في العام الماضي على ما يزيد قليلاً عن نصف الأجور التي حصل عليها نظرائهن الرجال رغم أنهن يعملن ساعات أطول وأن مشاركتهن في سوق العمل تعادل ثلثي مشاركة الرجال، كما أوضحت الدراسة أن التقدم في تقريب الفجوة بين الجنسين في أماكن العمل يتباطأ بدرجة كبيرة.

 

 

ولم يحقق الأردن تقدما يحرز في مجال اغلاق الفجوة بين الجنسين للعام 2016، حيث بلغ مؤشر الأردن للفجوة الجندرية 0.603، والذي لم يخرجه من ذيل القائمة في المركز 134 ما بين 144 دولة، متقدما قليلا عن ما أحرزه في عام 2015 إلا انه لا زال أقل مما كان عليه عندما دخل الأردن في التقرير العالمي للفجوة الجندرية عام 2006، وجاء الاردن في المركز 12 ما بين 18 دولة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، متأخرا عن تسع دول عربية من بينهم الجزائر وتونس ومصر وموريتانيا ودول الخليج العربي ما عدا السعودية. كما جاء متأخرا عن معظم الدول ذات الدخل المتوسط الأعلى، حيث جاء في المركز 39 من بين 41 دولة متقدما فقط على لبنان وإيران.

 

المرأة في سوق العمل

 

ما زالت الأرقام الرسمية تشير أن معدل المشاركة الاقتصادية المنقح للمرأة الأردنية منخفض جداً، ويعود ذلك بشكل أساسي إلى جملة من العوامل تساهم في تخفيض معدلات مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية، فمن جانب هنالك ظروف العمل غير اللائقة التي يعاني منها سوق العمل الأردني بشكل عام، وخاصة في مؤسسات القطاع الخاص المتوسطة والصغيرة والقطاع غير المنظم، وهي تعتبر بيئة غير صديقة وطاردة للنساء الراغبات بالعمل، ولا تشجعهن على الالتحاق به أو الاستمرار فيه. ومنها كذلك أن المرأة تواجه تحديات غير متكافئة مقارنة مع الرجال في سوق العمل، الأمر الذي يؤثر سلباً على دخولهن إلى سوق العمل.

 

وتشير كذلك العديد من التقارير العمالية والحقوقية أن غالبية النساء العاملات في القطاع الخاص يتعرضن للعديد من الانتهاكات وتجاوزات مخالفة لنصوص قانون العمل الأردني، فأعداد كبيرة منهن يعملن لساعات أكثر من 8 ساعات يوميا، ومحرومات من أي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعي، كذلك هنالك أعداد كبيرة منهن يحصلن على اجور تقل كثيرا عن الحد الأدنى للأجور ولا يتمتعن بالاستقرار الوظيفي وغيرها من شروط العمل اللائق، مما دفع عدد كبير من هذه النساء الى العمل في مهن حرفية واللجوء الى اعمال جديدة لمحاربة شبح البطالة الذي يهدد هذه الفئة الأكبر في المجتمع.

 

موقف المنظمات النسوية

 

وتؤكد اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة  في بيان لها أن عمل المرأة الاردنية لا يقيس واقع المرأة من حيث الحقوق، والحريات، والمساواة في التشريعات، وأن التراجع بنسب عملها وارتفاع بطالتها وتوجهها للقطاع غير المنظم يعكس في معظم الأحيان التحديات الاجتماعية والتشريعية التي تواجه فرص المرأة ومشاركتها في الفضاء العام وحصولها على حقوقها التي أرسيت لها في القانون، كما تعكس غياب السياسات والخطط الداعمة لتمكين المرأة، وعدم تخصيص الموازنات لتنفيذ الخطط والبرامج التي تسعى إلى ذلك.

 

 

وترى اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة بأن الفرصة الآن متاحة لتبني الاردن سياسات وخطط داعمة لتمكين المرأة من خلال موائمة الاستراتيجيات والخطط والمؤشرات الوطنية مع الأهداف العالمية للتنمية المستدامة 2030، والتي تضم هدفا خاصا بالمساواة بين الجنسين وتمكين كل النساء والفتيات (الخامس)، بالإضافة لوجود غايات مرتبطة بذلك في إحدى عشر هدفا آخر. حيث ستعمل اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة على مراجعة الاستراتيجية الوطنية للمرأة مع شركائها من الحكومة والمجتمع المدني للعمل على موائمتها مع أهداف التنمية المستدامة 2030.

 

 

كما يشكل العمل باللامركزية فرصة لإحداث نقلة نوعية في آليات التخطيط للتنمية في الأردن، من خلال تعزيز مشاركة الشباب والفتيات والنساء في هذه العملية بشكل فاعل في تحديد احتياجات مجتمعاتهم، والتحديات والفرص المتوفرة والتوافق على الأولويات في خطط التنمية وضمان وصولهم لآليات المتابعة والمسائلة.

 

 

أعد هذا التقرير ضمن مشروع "إنسان"

أضف تعليقك