عزيمة تحت الضغوط
خلال جائحة كورونا، واجهت الفنانات الأردنيات تحديات غير مسبوقة على المستويين الفني والشخصي. فالجائحة لم تؤثر فقط على صحة المجتمع بل أيضًا على مختلف القطاعات، بما فيها قطاع الفن، حيث تضررت فرص العمل واستقرت حالة من الغموض حول مستقبل الإنتاج الفني. في هذا السياق، تحدثت ثلاث فنانات بارزات عن تجاربهن مع الجائحة: أريج دبابنة التي ابتكرت مبادرات فنية رغم الخوف والاضطراب الاقتصادي، قمر الصفدي التي واصلت مسيرتها الفنية بحذر رغم قلة الأعمال، ونجلاء عبدالله التي أشادت بشجاعة النساء والمنتجين في تخطي تلك الظروف العصيبة.
أريج دبابنة: من تحديات الجائحة إلى البحث عن الأمان المالي والفني
في بداية جائحة كورونا، شعرت الفنانة أريج دبابنة بخوف كبير وحالة من الحجر الصحي الذي بدا وكأنه لن ينتهي أبدًا وفي أول أيام الحجر، خيم على دبابنة شعور بأن رسالتها الفنية قد ماتت، وأنها لم تعد ذات أهمية للمجتمع، مما دفعها للتساؤل عن كيفية إفادته في هذه الأوقات العصيبة ومن هنا، جاءتها فكرة مبادرة لجمع مقاطع فيديو لفنانين بهدف تخفيف العبء عن الناس، كون الفنان الأقرب إلى جميع فئات المجتمع وبالتعاون مع النقابة، تمكنت من جمع الفنانين لإيصال رسالة "خليك بالبيت" للجمهور.
كفنانة غير متزوجة، تعاني دبابنة من غياب وظيفة ثابتة أو مصدر دخل أساسي فهي، مثل غيرها من الفنانين، لا تصنف كجزء من القطاعات التي تشملها المؤسسات الحكومية برعاية أو تعويضات، ما زاد من شعورها بالمسؤولية خلال عامين من الاضطراب الاجتماعي والاقتصادي.
على الرغم من تلك التحديات، لم تستسلم دبابنة خلال فترة الحجر الصحي، بدأت بالبحث عن طرق لملء وقتها والتفاعل مع زملائها والفنانين والمجتمع من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أطلقت تحديات فنية وقامت بتقديم مقاطع مسرحية ولكن على الرغم من هذه الجهود، ظل الفن يواجه صعوبة في إثبات دوره الفعال، خصوصًا في المراحل الأولى من الجائحة.
تقول دبابنة: "شعرت بضرورة أن يكون لدي مشروع خاص، أو خطة محددة أسير عليها كفنانة. كانت هذه الفكرة تدور في رأسي منذ فترة الحجر، حيث اكتشفت أن الفن وحده قد لا يكون كافيًا لضمان الأمان الاجتماعي أو المالي".
ومع مرور الوقت وظهور تحديات أخرى مثل الأزمات السياسية والاقتصادية، أدركت دبابنة أن الفن لم يعد وحده كافياً، بل أصبحت بحاجة إلى مصدر دخل ثابت يؤمن لها الأمان وتشير إلى أنها شعرت بالندم على بعض الخيارات التي لم تتخذها في السابق، مثل الزواج، لكنها قررت التحرر من هذه الأفكار السلبية والتأقلم مع الواقع.
اليوم، دبابنة تستعد للسفر إلى السعودية للعمل على مشروع مسرحي جديد، معبرة عن مشاعر مختلطة حول ترك كل شيء خلفها، ولكنها تدرك أن الخطوة ضرورية لضمان مستقبلها "الكثير من الفتيات، والكثير من الناس بشكل عام، اتجهوا نحو أي شيء يوفر لهم مصدر دخل، بغض النظر عن ملاءمته للوحدة أو الأسرة أصبحت الحاجة إلى الأمان المالي أمرًا ملحًا، في ظل تدهور الأجور بعد الجائحة".
ختامًا، تؤكد دبابنة أن الفنانات في هذا الوقت بحاجة إلى مشروع خاص أو خطة تضمن لهن الاستمرارية، بعيداً عن انتظار دور صغير أو أجر محدود.
قمر الصفدي تستمر في حياتها بعزيمة وقوة، رغم تحديات الجائحة والضغوطات المهنية والنفسية
في حديث صريح مع الفنانة الأردنية القديرة قمر الصفدي، فتحت لنا قلبها حول حياتها خلال جائحة كورونا والتحديات التي واجهتها على الصعيدين الفني والشخصي.
تقول قمر الصفدي إنها لم تشعر بتغير كبير في حياتها العملية خلال فترة الجائحة، حيث إن الأعمال التلفزيونية كانت قليلة، ولم تتلق عروضاً كثيرة. وتضيف: "حتى تلك التي عرضت علي، اعتذرت عن أغلبها لعدم اقتناعي بالنص أو بالدور المطروح" هذا القرار يعود إلى حرص الصفدي على اختيار أدوار تضيف إلى مسيرتها الفنية بدلاً من أن تكون مجرد إضافة عددية.
أما عن الأعمال الإذاعية، فترى الصفدي أن معظمها يذهب إلى مجموعات محددة من المخرجين، حيث يُفضلون العمل مع أصدقائهم دون النظر إلى أهلية الممثلين لتقديم الأدوار وتشير إلى أن هذا الوضع يحرم المبدعين من فرصة إظهار مهاراتهم وإثراء الأعمال الفنية، مما يزيد من إحباطها تجاه المشهد الفني العام.
ورغم هذه التحديات، استفادت الصفدي من وقتها خلال الجائحة. "قضيت وقتي وحيدة في المنزل بين القراءة وممارسة الرياضة،" تقول الصفدي، مضيفة أنها تمكنت من الحفاظ على استقرارها المادي بفضل الله وبوجود أبنائها الذين يدعمونها.
أما عن دور نقابة الفنانين في دعمها وأمثالها، فتؤكد الصفدي أن النقابة تعاني بشكل كبير نتيجة للأوضاع السياسية وتداعيات الجائحة، ما أثر على صندوقها وقدرته على دفع رواتب المتقاعدين. "حتى الآن، لم أستفد من صندوق النقابة رغم حاجتي".
وعلى الصعيد النفسي، تعترف الصفدي بأنها، مثل الكثيرين حول العالم، تعاني من القلق والخوف تجاه المطاعيم. تخشى أن تكون لهذه المطاعيم آثار جانبية قد تظهر مع مرور الوقت، خصوصاً على كبار السن. وتعتقد أن هناك من يروج لهذه المطاعيم لتحقيق مصالح شخصية، مما يزيد من شعورها بالخوف من المؤامرات المحتملة على مستقبل البشرية.
لكن، رغم كل هذه التحديات والشكوك، تظل قمر الصفدي متفائلة وتقول: "الله هو الأكبر والأقدر، وأثق أنه قادر على حماية البشرية من أي ضرر قد ينتج عن هذه الأوضاع".
نجلاء عبدالله: النساء كنّ عماد المجتمع خلال جائحة كورونا والفن استمر بفضل شجاعة المنتجين
في حديث خاص مع الفنانة نجلاء عبدالله، تطرقت إلى التحديات التي واجهتها الفنانات بشكل عام خلال فترة جائحة كورونا أوضحت نجلاء أن تأثير الجائحة لم يكن مقتصرًا على الفن أو الفنانين فقط، بل كان شاملاً على كل المجتمع وتحديداً بالنسبة للنساء اللواتي وجدن أنفسهن مضطرات للتعامل مع حياة منزلية مكثفة، حيث تواجد أفراد الأسرة جميعهم في البيت، مما زاد من الأعباء النفسية والجسدية عليهن.
قالت نجلاء: "كانت فترة صعبة على الجميع. النساء خصوصًا تحملن ضغطًا مضاعفًا، فهن المسؤولات عن تلبية احتياجات الأسرة التي بقيت في المنزل لفترات طويلة." وأضافت ممازحة: "الكثير من السيدات قضين وقتًا طويلاً في المطبخ، لأن الجميع كان يأكل باستمرار.
أما فيما يتعلق بقطاع الفن، فقد أشارت نجلاء إلى أن الدراما تأثرت بشكل كبير، حيث لم يكن المنتجون قادرين على المخاطرة بإنتاج أعمال درامية خلال تلك الفترة. لكنها أثنت على بعض المنتجين الذين غامروا بالإنتاج في ظل الظروف الصعبة، قائلة: "شكرًا لهؤلاء المنتجين الذين استمروا في العمل وحافظوا على دوران عجلة الدراما".
وعن تجربتها الشخصية، ذكرت نجلاء: "كنت أصور مسلسلًا خلال فترة الحجر الصحي. توقف التصوير لمدة 20 يومًا بسبب الظروف، لكننا استأنفنا العمل بعد ذلك رغم التأثير المالي الكبير، إلا أن المشروع استمر، وذلك بفضل جهود المنتجين والفنانين".
كما تحدثت نجلاء عن الصعوبات التي واجهتها أثناء العمل في تلك الفترة، وخاصة فيما يتعلق بالاحتياطات الصحية "كانت هناك إجراءات صارمة على مواقع التصوير، مثل ضرورة وجود سيارة إسعاف وغيرها من الاحتياطات" وأكدت أن تلك الظروف كانت صعبة، لكنها شكرت جميع من ساهم في استمرار العمل الفني خلال الجائحة.
واختتمت حديثها قائلة: "النساء لعبن دورًا كبيرًا في المجتمع خلال الجائحة، سواء في المنزل أو في مجال العمل. نحن كنساء كنّا عمادًا أساسيًا في تحمل هذه التحديات، سواء كان ذلك في الفن أو غيره".
رغم الظروف الصعبة التي فرضتها الجائحة على الفنانات الأردنيات، استطعن التكيف والتغلب على التحديات التي واجهتهن سواء في الحياة الشخصية أو المهنية. وبينما تطلعت أريج دبابنة إلى تأمين مستقبلها المالي من خلال مشروعات فنية جديدة، وحافظت قمر الصفدي على مبادئها الفنية في اختيار الأعمال، أثنت نجلاء عبدالله على دور النساء والمنتجين في إبقاء الفن نابضًا بالحياة. تلك القصص تجسد روح المثابرة والتفاؤل في وجه الأزمات، وتؤكد أن الفن سيظل له دور حيوي مهما كانت التحديات.
يأتي هذا التقرير في إطار الشراكة بين راديو البلد و جمعية معهد تضامن النساء الأردني لمشروع متحدون في مواجهة العنف ضد المرأة والفتيات أثناء وما بعد جائحة كورونا الممول من صندوق الأمم المتحدة الاستنمائي UNTF.