منذ بداية جائحة كورونا (COVID-19) في أواخر عام 2019، تأثر القطاع الصحي العالمي بشكل كبير، وكان الأردن جزءًا من هذا التحدي العالمي، وأثرت الجائحة بشكل غير مسبوق على أنظمة الرعاية الصحية، كما كان لها تأثير ملحوظ على الكادر الطبي العامل، وخاصة النساء اللواتي يقدمن خدمات حيوية في القطاع الصحي. في هذا التقرير، سنستعرض أثر الجائحة على القطاع الصحي في الأردن، وتأثيرها على النساء العاملات في الكادر الطبي، مع التركيز على قصص حقيقية وتقديم مقولات من خبراء في الأردن حول هذا الموضوع.
لقد تعرض القطاع الصحي الأردني لضغوط شديدة منذ ظهور أول حالة إصابة بفيروس كورونا في المملكة في مارس 2020. وفرضت الحكومة الأردنية إجراءات صارمة للحد من انتشار الفيروس، بما في ذلك الإغلاق الكامل وحظر التجول لفترات طويلة. رغم أن هذه الإجراءات ساعدت في احتواء الفيروس إلى حد كبير في البداية، إلا أنها أثرت على تقديم الخدمات الصحية الأخرى، مثل الخدمات الطبية الروتينية والرعاية الأولية.
أدى تفشي الجائحة إلى نقص في الموارد الطبية، بما في ذلك أجهزة التنفس والأدوية، فضلاً عن نقص حاد في عدد الكادر الطبي المتاح، وزادت الضغوط على الكوادر الطبية مع تزايد عدد المصابين الذين يحتاجون إلى الرعاية المكثفة، وهذا الوضع أثر بشكل كبير على جودة الخدمة المقدمة في المستشفيات الحكومية والخاصة على حد سواء.
مع تخصيص جزء كبير من الموارد لمواجهة الجائحة، تأثرت خدمات الرعاية الصحية الأولية في الأردن بشكل كبير، حيث تم تأجيل العديد من العمليات الجراحية الاختيارية، وتعطل نظام تقديم الرعاية الروتينية للفئات الأكثر ضعفاً، مثل كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة.
لقد كانت النساء اللواتي يشكلن جزءاً كبيراً من الكادر الطبي في الأردن في الخط الأمامي لمواجهة الجائحة، ووفقاً لبيانات وزارة الصحة، النساء يمثلن نحو 50% من الكادر التمريضي و30% من الأطباء في الأردن، وهذا جعل تأثير الجائحة على النساء العاملات في الكادر الطبي ملحوظاً بشكل خاص.
النساء العاملات في المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية تعرضن لضغوط كبيرة نتيجة طول ساعات العمل والخطر المستمر للإصابة بالفيروس، علماً أن إحداهن، ممرضة تدعى آلاء، أشارت إلى أنها كانت تعمل لساعات طويلة تصل إلى 12 ساعة يومياً بدون استراحة كافي، وسارة، التي تعمل في قسم العناية المركزة بأحد المستشفيات في عمان، قالت: "كنا نواجه ضغطاً نفسياً هائلاً، وكان هناك خوف مستمر من الإصابة بالفيروس ونقله إلى أفراد أسرتنا."
د. مجد سمير هي طبيبة نسائية وتوليد تعمل في أحد المستشفيات في محافظة الزرقاء، وهو أحد المستشفيات التي عالجت حالات كورونا في الأردن، وخلال الجائحة، كانت د. مجد تقضي معظم وقتها في رعاية النساء الحوامل واللواتي معرضات أو مصابات بفيروس كورونا في قسم العناية المركزة، قالت: "كان التعامل مع النساء في كورونا تجربة مرهقة جسدياً وعاطفياً، وفي بعض الأحيان كنا نفقد المرضى الذين حاولنا إنقاذهم بكل طاقتنا، وكان هذا يؤثر علينا بشدة."
قصة الممرضة حنان جابر: حنان هي ممرضة تعمل في أحد المستشفيات الخاصة في عمان، وخلال ذروة انتشار الجائحة، كانت تعمل حنان في قسم العمليات وتتعامل مع عدد كبير من الحالات الحرجة، قالت حنان في مقابلة: "كنت أذهب إلى المنزل مرهقة تماماً بعد انتهاء المناوبة، كان التوتر والخوف يسيطر علينا طوال الوقت، لكن رغم ذلك، كنت أشعر بفخر لأنني أساهم في إنقاذ الأرواح."
إلى جانب الضغط النفسي والجسدي، واجهت النساء العاملات في القطاع الصحي تحديات اجتماعية متزايدة خلال الجائحة، حيث أنه العديد منهن كنّ يواجهن تمييزاً من قبل المجتمع بسبب الخوف من احتمال أن يكنّ ناقلات للفيروس، وبعض النساء تعرضن للعزل الاجتماعي من قبل جيرانهن أو حتى أسرهن خوفاً من نقل العدوى.
إضافة لذلك ومن جانب العمل في الصفوف الأمامية، كان على العديد من النساء التوفيق بين العمل ومسؤولياتهن الأسرية، وإحدى الطبيبات، التي فضلت عدم ذكر اسمها، قالت: "كنت أعود إلى المنزل بعد يوم طويل في المستشفى وأجد نفسي مضطرة للعناية بأطفالي ومساعدة زوجي في أمور المنزل، كان الأمر مرهقاً للغاية."
تحدث العديد من الخبراء عن تأثير الجائحة على القطاع الصحي في الأردن، وخاصة النساء العاملات في الكادر الطبي، قالت الدكتورة مها الربضي، خبيرة في الصحة العامة: "إن النساء العاملات في القطاع الصحي في الأردن قدمن مساهمات هائلة خلال جائحة كورونا، لكنهن أيضاً واجهن تحديات كبيرة تتعلق بالتوازن بين العمل والحياة الشخصية، بالإضافة إلى الضغوط النفسية الناتجة عن العمل في بيئة مليئة بالخطر."
كما أكد الدكتور سعد جابر، وزير الصحة الأسبق، على الدور الحيوي الذي قامت به النساء خلال الجائحة قائلاً: "لقد كن في الخط الأمامي للمواجهة، وأثبتن كفاءتهن في تقديم الرعاية للمصابين رغم جميع التحديات، ويجب أن نقدر هذه الجهود ونعمل على دعمهن بشكل أفضل."
تعد جائحة كورونا اختباراً قاسياً للقطاع الصحي في الأردن، وكان لها تأثيرات كبيرة على النساء العاملات في الكادر الطبي، على الرغم من التحديات الهائلة، أثبتت النساء العاملات في هذا المجال قدرتهن على التحمل والمثابرة في تقديم الرعاية الصحية في ظل ظروف استثنائية، كما ويتطلب المستقبل تحسين دعمهن وتوفير بيئة عمل أكثر أماناً وتقديراً لجهودهن.
يأتي هذا التقرير في إطار الشراكة بين راديو البلد و جمعية معهد تضامن النساء الأردني لمشروع متحدون في مواجهة العنف ضد المرأة والفتيات أثناء وما بعد جائحة كورونا الممول من صندوق الأمم المتحدة الاستنمائي UNTF.