تحقيق لراديو البلد يكشف: عقود زواج "برّاني" غير موثقة مع لاجئين سوريين

تحقيق لراديو البلد يكشف: عقود زواج "برّاني" غير موثقة مع لاجئين سوريين

- 313 عقد زواج "براني" صدقتها دائرة قاضي القضاة خلال 2012..

- صعوبة حصول سوريين على وثائقهم ...يحول دون توثيق زيجات البعض..

-  130 ألف لاجئ في مخيم الزعتري بلا مأذون شرعي..

كان انتظار الموت في فوضى الصراع المسلح أو اللجوء القسري خيارين لا ثالث لهما أمام الشابة السورية علياء. بعد أن أتت آلة الحرب على معالم مدينتها، حمص، حطت قَدم هذه اللاجئة في مخيم الزعتري قبل أن تكمل ربيعها السابع عشر منتصف عام 2011، مع ما يقارب 130 ألف لاجئ سوري. بعد عام غادرته برفقة عائلتها إلى بيتٍ متهالكٍ في جبلِ الحسين في العاصمة عمان.

علياء، لم تعد تتابع أنباء الحرب والخراب القادمة من موطنها. لم يعد حلم العودة إلى الوطن هو ما يتملكها. الآن، بات همها الرئيسي عودةُ زوجها السعودي الجنسية، والذي يكبرها بنحو 25 عاما. كان الزوج قد تركها منذ عام عائدا إلى السعودية بعد أن عاش معها شهرا ونصف الشهر بعقد زواج “برّاني” (غير موثق لدى المحاكم الشرعية) وعلى يد مأذون غير مرخص.

والدة علياء؛ تروي قصتها والدموع تنهمر من عينيها المحمرتين حسرة على مصيرِ ابنتها المعلقة: “كانت قيمة المهر الذي تَسلمتهُ أنا 4000 دينار (5200 دولار). وَعَدنا بالعودة للأردن لتثبيت الزواج لدى المحكمة، واصطحابنا وعلياء إلى السعودية للعيش هناك في رغدٍ وهناء... لو كنا في سورية لما وافقت... نحن هنا وحدنا نعاني الفقر والإهمال... الآن، كل خطوط الاتصال مقطوعةٌ معه... وتوثيق العقدِ يستحيلُ بغيابِه...وكلامُ الناس لن يرحمنا”، تتحسر الأم التي فقدت زوجها في سورية.

علياء، لم تكن اللاجئة الوحيدة التي وقعت في فخ ما يعرف بالزواج “البراني” أو غير الموثق بعقد قانوني لدى المحاكم المختصة في الأردن؛ إذ وثّقت كاتبة التحقيق 16 حالة أخرى على مدى عام من التقصي، في ظلِ غياب الإحصاءات الرسمية رغم إقرار المحاكم الشرعية ووزارة الداخلية بوجوده.

يعرف العقد البراني: بأنه عقد زواج لا يتم ضمن الأطر القانونية والشرعيةِ المنصوص عليها في المملكة، ولا يعقده قاض أو مأذون مخول رسميا بذلك، وإنما شخص يطلب منه طرفا الزواج إجراء عقد خارج المحكمة الشرعية أو الكنسية، ولا يترتب عليه أي حقوق أو آثار قانونية للطرفين، بدءاً من حقوق الزوجية، وانتهاءً بنسب الطفل الناتج عن الزواج، بحسب مدير المحاكم الشرعية القاضي عصام عربيات.

يكشف هذا التحقيق انتشار حالات زواج غير قانوني/ برّاني، مع لاجئين سوريين وفيما بينهم، على يد أشخاص غير مخولين رسميا بإبرام عقود زواج. يلجأ المخالفون إلى هذا العقد في ظل تعقيدات إجراءات الزواج القانوني- بما فيها صعوبة حصولهم على وثائقهم الثبوتية عبر سفارة بلادهم في عمان- وتشديد وزارة الداخلية الأردنية إجراءات الخروج من المخيم لاستكمال أوراقهم الثبوتية و/ أو توثيق عقودهم رسميا لدى محكمة المفرق. يضاف إلى ذلك تقصير دائرة قاضي القضاة في مراقبة تنظيم عقود الزواج وعدم تعيين مأذون شرعي داخل مخيم الزعتري.

اللاجئ السوري رفعت الحميدي عين من قبل إدارة مخيم الزعتري كمسؤول عن منطقة المخيم السعودي، (الذي أقيم على نفقة الحكومة السعودية). يؤكد الحميدي أنه لا يمر يوم إلا ويتم كتابة عقد براني بين اللاجئين السوريين، مضيفا أنه لا أحد يمنع هذا العمل داخل المخيم، رغم عدم جوازه.

رصدت كاتبة التحقيق، ثلاثة أشخاص يقومون بإبرام عقود زواج “براني” للسوريين، وتبين لها أن اثنين منهم غير حاصلين على أي دراسات شرعية، كما أن ثلاثتهم غير مرخصين من دائرة قاضي القضاة للقيام بذلك. هذه الممارسات توسع دائرة الزواج البراني بين اللاجئين السوريين، بخاصة داخل مخيم الزعتري.

أرقام دائرة قاضي القضاة، تظهر ارتفاعا في عدد معاملات المصادقة على العقود البرانية لعام 2012 والبالغة 313، بارتفاع 14 % عن 2011 ( 270 عقدا)، بينما صادقت المحاكم الشرعية على 60 عقد زواج، طرفاه أو أحدهما سوري حتى منتصف 2013. ولا توجد إحصاءات لدى دائرة قاضي القضاة عن إجمالي عدد العقود البرانية غير المصدقّة، بحسب مدير المحاكم الشرعية عصام عربيات.

تصادق المحاكم الشرعية على عقود الزواج البرانية، من خلال دعوى يرفعها احد الزوجين لإثبات الزواج، لينحصر دورها بتغريم جميع أطراف العقد، مئتي دينار لكل منهما، لصالح صندوق المحكمة، استنادا للمادة 36 من قانون الأحوال الشخصية التي اقتصرت على تغريم المخالفين. بحسب عربيات.

أظهرت سجلات المحاكم النظامية أن عدد قضايا إجراء زواج غير قانوني، بلغت 54 قضية خلال 3 سنوات.

في المقابل، بلغ 1095 عدد المتزوجين من سوريات بعقود قانونية منذ مطلع 2013 وحتى نهاية حزيران (يونيو)، بحسب سجلات المحاكم الشرعية، 45 % منهم يحملون الجنسية الأردنية، و55 % يحملون جنسيات دول أخرى، بارتفاع 26 % عن 2012، الذي شهد زواج 803، منهم 62 % يحملون الجنسية الأردنية، و38 % يحملون جنسيات دول أخرى.

يوضح مفتش المحاكم الشرعية اشرف العمري، أن “العقاب الجزائي لأطراف العقد ليس من اختصاص المحاكم الشرعية لكونها قضايا جزائية، تعود صلاحية النظر فيها للمحاكم النظامية”.

في المقابل، لا يعاقب أي من أطراف العقد بالحبس، وفق منطوق المادة 279 من قانون العقوبات التي اقتصرت على الحبس من شهر إلى ستة أشهر، إلا بعد تجريمه من قبل قاضي الصلح الذي لا يبحث بدوره في تلك العقود إلا بناء على شكوى أو تحويل من الضابطة العدلية “الشرطة”، وفق نائب عام عمان زياد الضمور.

العقد البراني سيد الموقف

في أيلول (سبتمبر) 2012، تزوّج اللاجئان في مخيم الزعتري بشيرة حريري (20 عاما)، وقريبها حسين بسام (24 عاما) بعقد قران “براني” عند مأذون سوري غير مرخص داخل المخيم، بعد استحالة تأمين كفالة لخروجهما من هناك، لتوثيق العقد بصورة قانونية في محكمة المفرق، بحسب بشيرة.

مهند (25 عاما) لاجئ سوري، “اضطر” هو الآخر للزواج بعقد براني بعد استحالة توثيق عقده بصورة قانونية في الأردن وفق قوله. فبعد حصوله على البطاقة الأمنية التي استخرجها من المركز الأمني، بهدف تسهيل تنقله في المملكة، وإجرائه فحوص الدم المخبرية الخاصة بالمقبلين على الزواج، طلبت منه محكمة المفرق الشرعية إحضار ولي زوجته اللاجئة أيضا في مخيم الزعتري وهو ما لم يكن ممكنا بالنسبة له.

يشرح مهند أسباب “اضطراره” للعقد البراني بالقول: “والد زوجتي وإخوانها استشهدوا كلهم، ولا يوجد معها احد غير بنات خالتها. لا استطيع الحصول على شهادة موافقة من أي وكيل عنها في سورية لإتمام زواجي عليها.... فالاتصالات صعبة للغاية.. لذلك كان كتاب الشيخ هو الحل الوحيد”.

يوضح مدير دائرة شؤون الأجانب واللاجئين في وزارة الداخلية وليد أبده، أن موافقة وزارته على طلب زواج الأجانب في الأردن، تستغرق بين أسبوع إلى 10 أيام، للشخص الذي دخل لاجئا أو عبر المداخل الحدودية، مؤكدا التشديد على الأشخاص الذين دخلوا بصورة غير قانونية “تهريب” إلى الأراضي الأردنية، وذلك للتأكد من سلامة وضعهم القانوني.

مدير المحاكم الشرعية القاضي الشرعي عصام عربيات، يؤكد أن “الزواج البراني مخالف لقانوني الأحوال الشخصية والعقوبات، ومعاقب عليه بالحبس والغرامة التي قد تصل إلى 1000 دينار، ويوجب توثيقه لدى المحاكم المختصة” ويكشف عربيات أن الدائرة صادقت منذ مطلع 2012 على 313 عقد زواج “براني”، ارتفاعا من 270 لعام 2011.

الزواج القانوني مسيرة صعبة

خلال إعداد هذا التحقيق، جالت كاتبة التحقيق في مخيم الزعتري خمس مرات، وعلى فترات متباعدة، لرصد معاناة طالبي أذون الزواج من إدارة المخيم. وفق الرصد، غالبا ما تكون صعوبة الحصول على كفالة للخروج من المخيم لإتمام العقد في محكمة المفرق هي العقبة الرئيسية في وجه طالبي الزواج.

يحتاج زواج اللاجئين إلى أوراق ثبوتية رسمية خلفها العديد منهم وراءهم في سورية. يستغرق تحصيل الوثائق عبر السفارة السورية في عمان شهرين بالحد الأدنى، ويتطلب مخاطبة السفارة السورية في عمان، والتي بدورها ترسل لخارجية بلادها من اجل استخراج تلك الأوراق.

أما من تمكن من جلب وثائقه معه من سورية، فيضطر لإبقائها لدى إدارة المخيم بمجرد دخوله ليصار إلى تسجيله في قيود اللاجئين، وهو ما يتطلب وقتا إضافيا لاستخراج هذه الوثائق من أماكن حفظها عند الحاجة لها لإتمام الزواج.

تطلب دائرة شؤون الأجانب والمغتربين في وزارة الداخلية من جانبها، جملة من الوثائق لإتمام عقد الزواج تتمثل، بإقامة سارية المفعول، جواز سفر ساري، وتصريح عمل للعمالة الوافدة، إضافة إلى بطاقة خدمة للسوريين “البطاقة الأمنية”، التي تستخرج من المركز الأمني لتسهيل تحرك السوريين في المملكة، بحسب مدير الدائرة وليد أبده.

مدير المحاكم الشرعية القاضي عصام عربيات، يبين أن ما يطلبه القاضي الشرعي لإتمام عقد الزواج للسوريين، وثائق تثبت خلو موانع النسب، أو المصاهرة، أو الرضاعة بين طالبي الزواج، وان لا تكون الزوجة على ذمة رجل آخر، أو في فترة العدة، وفق قيد “النفوس” المصدق من الخارجية السورية عبر السفارة، إضافة إلى البطاقة الأمنية، وفحص مرض التلاسيميا، كما ويشترط لإتمام العقد موافقة الزوجة، ووليها وحضور شاهدين.

لم ينكر عربيات صعوبة أو استحالة إحضار بعض قيود ووثائق اللاجئين السوريين، ما دفع دائرة قاضي القضاة لمراعاة ذلك، بحيث يتثبت القاضي من خلال ولي المخطوبة وشهودٍ ثقات يحملون وثائق رسمية مثبتة.

فيما يخص إجراءات الزواج داخل مخيم الزعتري، يقول مسؤول ملف المخيم في مديرية الأمن العام المقدم نشأت المجالي: “يتقدم طالبو الزواج إلى إدارة المخيم لطلب إجازة لينتقلا إلى محكمة المفرق الشرعية، التي تخاطب محافظ المفرق لمنح الموافقة على الزواج نيابةً عن وزير الداخلية كاستثناء وتسهيل للاجئين السوريين، وإن لم تكن هناك أي موانع أمنية ولا شرعية يتم العقد في ذات اليوم”.

السفارة السورية ترد

القنصل السوري في الأردن تمام غنام، يرى أن ما يؤخر معاملة الزواج هو ورقة العزوبية (إثبات بعدم اقتران العريس أو العروس سابقا)، القيد المدني الحديث، الذي يحتاج استخراجه من سورية إلى شهر تقريبا؛ منها 15 يوما مدة المراسلة عبر الحقيبة الدبلوماسية. وهذه وثائق أساسية لعقد الزواج لإثبات عدم وجود موانع شرعية أو قانونية.

ويؤكد غنام أن السفارة السورية تقوم بالإجراءات المطلوبة منها بالسرعة القصوى، “طالما كانت المعاملات مستوفية الشروط والأوراق المطلوبة للتصديق”.

ويتابع غنام، “أحيانا جهل الناس هو السبب بالتأخير بالأوراق المطلوبة والإجراءات، لذا يعتقدون أن السفارة لديها كل الأوراق والقيود المدنية للسوريين في الأردن وهذا غير صحيح”.

وتتعامل السفارة السورية بعمان مع 20-30 معاملة أحوال شخصية (ولادة، زواج، طلاق ووفاة) يوميا، واغلبها ولادة وزواج، وفق غنام.

وفق غنام “لا تعترف السفارة السورية بهذا العقد ولا تنصح رعاياها بالتعامل به، وتدعوهم للالتزام بالقانون الأردني وعدم مخالفته، وبإجراء الزواج في المحاكم الشرعية”، مؤكدا عدم تلقي السفارة لأي شكوى عن زواج “برّاني” غير قانوني.

سنة كاملة للمصادقة على عقد الزواج

سنة كاملة، المدة التي استغرقتها اللاجئة السورية غيداء، والبالغة من العمر 30 عاما، في أروقة محكمة عمان الشرعية، لتثبيت عقد زواجها البراني من اللاجئ السوري حمزة 49 عاما، الذي كتبه والد حمزة في شباط (فبراير) 2012، وضعت خلالها طفلها لتصادق المحكمة على عقد الزواج، وتثبت نسب الطفل لأبويه. السبب في التأخير بحسب غيداء هو “إجراءات المحكمة المعقدة، التي تطلب إحضار إثبات العزوبية، وقيد مدني حديث من سورية، عبر سفارة بلادها في عمان”.

غيداء، تخشى مراجعة السفارة السورية في عمان، للحصول على الوثائق المطلوبة من المحكمة، لكون زوجها مطلوب لدى السلطات السورية، ما دفعها لتوكيل محام وبعض المعارف هناك، ليبلغ إجمالي تكلفة إحضار هذه الوثائق 600 دينار أردني، أي ما يعادل 780 دولارا. دفعتها غيداء لقاء توثيق زواجها ونسب الطفل.

تتابع غيداء حديثها بغضب: “أرسلنا الورقة للقاضي، فأجل القضية لشهر آخر لإحضار الشاهدين على العقد.. غادر أحدهما إلى تركيا...وبعد معاناة قرر القاضي تأجيل الجلسة لحين قدومه لسماع شهادته... ما حرمها من السفر مع زوجها، لأن رضيعها ما يزال مجهول النسب رسميا، حتى صدر قرار المحكمة بعد طول انتظار في نيسان (أبريل) 2013”. ينفي مدير المحاكم الشرعية في دائرة قاضي القضاة عصام عربيات، أن تكون إجراءات المحاكم معقدة، أو أن هناك تأخيرا في مصادقة العقود البرانية، التي لا تستطيع الدائرة تحديد عددها، مؤكدا “سهولة الإجراءات وخاصة للاجئين السوريين الذين منحوا وضعا خاصا، فالمصادقة على العقد تحتاج من شهر إلى شهرين”.

اتهامات متبادلة...مأذون الزعتري: خرج ولم يعد

بعد قرابة عام على افتتاح مخيم الزعتري، الذي صنف كثاني اكبر مخيم للاجئين في العالم، ورابع اكبر تجمع سكاني في الأردن، وجهت دائرة قاضي القضاة رئيس محكمة المفرق الشرعية محمد أبو قازان، بتعيين مأذون شرعي في مخيم الزعتري لتسهيل إبرام عقود الزواج بالشكل القانوني، بحسب مدير المحاكم الشرعية عصام عربيات.

وفي ضوء هذا التوجيه، عين أبو قازان، الشيخ محمد السناسلة مأذونا شرعيا في مخيم الزعتري، لإبرام عقد الزواج بين اللاجئين في المخيم. وفقا لأبو قازان.

وخلال محاولتنا لتقصي مكان تواجد المأذون داخل المخيم، تبين لنا عدم وجود مكتب خاص به، علاوة على عدم معرفة اللاجئين فيما إذا كانت المحكمة قد عينت مأذونا من عدمه. فقد أكد لنا سبعة لاجئين تزوجوا منذ آذار 2013 ، أي بعد تعيين المأذون السناسلة في المخيم بنحو عام، عدم علمهم بقرار تعيينه، أو بوجود مأذون شرعي داخل المخيم. لدى مراجعتنا للسناسلة لمعرفة أسباب عدم تواجده في المخيم، أكد لنا ان عمله “مقتصر فقط على إبرام العقود في محكمة المفرق الشرعية لمن يرغب من السوريين بتوثيق عقده بشكل قانوني وشرعي”.

حاولنا الحصول على كتاب تعيين السناسلة كمأذون شرعي في المخيم، إلا أننا تفاجانا أن تعيينه كان شفهيا من رئيس محكمة المفرق محمد أبو قازان، وفق ما أكد لنا السناسلة، وأبو قازان الذي رفض توضيح ذلك.

مدير المحاكم الشرعية عصام عربيات، اكتفى بتأكيده على عدم جواز تعيين المأذون شفهيا، وان رئيس محكمة المفرق محمد أبو قازان هو المكلف رسميا بإبرام عقود الزواج في المخيم، كقاض شرعي.

بحسب أرقام دائرة قاضي القضاة، يبلغ عدد المأذونين الشرعيين في الأردن 443 مأذونا مزاولاً، 20 منهم في لواء وادي السير الذي يقارب عدد سكانه مخيم الزعتري.

المحكمة هي الحل

مدير إدارة شؤون مخيمات اللاجئين السوريين في وزارة الداخلية العميد وضاح الحمود، يطالب بضرورة وجود مكتب للمحكمة الشرعية في مخيم الزعتري وإعلام اللاجئين عنه، وتعريفهم بإجراءات عقد الزواج القانوني.

يرى المأذون الشرعي محمد السناسلة أن تعيين قاض شرعي عبر افتتاح مكتب للمحكمة الشرعية داخل المخيم هو الحل الأمثل لحصر مشكلة العقود البرانية، “على ان يناط إذن الزواج من سورية بمحافظ المخيم بدلا من وزارة الداخلية التي تتطلب مراجعتها جهدا ومالا من اللاجئين الذين يعانون من تقييد في حركتهم من جهة، وعدم توفر الأوراق الرسمية المطلوبة منهم من جهة أخرى”.

مأذونون غير مرخصين

يفتخر ياسين الغضان (70 عاما)، سوري الجنسية، غير مرخص له بتوثيق عقود الزواج، بأنه أبرم 10 عقود زواج “برانية” خلال عام 2012 بين اللاجئين السوريين مجاناً، ويقول الغضان وهو عضو المجمع الفقهي لمسلمي أميركا ويعيش في ضاحية الياسمين في العاصمة عمان :”أن العقود التي يبرمها صحيحة شرعا وبلا ثغرات”.

الغضان ليس المأذون الوحيد، فقد رصدت كاتبة التحقيق، ثلاثة آخرين يمارسون ذلك، دون مقابل مادي، اثنين منهم غير حاصلين على أي دراسات شرعية.

تشترط تعليمات تنظيم أعمال المأذونين الشرعيين رقم 1 لسنة 1990 للحصول على الإجازة العلمية الخاصة بممارسة إبرام عقود الزواج، على أن يكون المأذون حاصلا على بكالوريوس في الشريعة، وان يجتاز الامتحان الشرعي، وعندها يصبح مأذونا له من قاضي القضاة بعقد الزواج. ولدى مواجهتنا للغضان بمخالفته للقانون بعمله كمأذون غير مرخص، كان رده انه “يحترم القوانين، ولكن الإجراءات القانونية صعبة جدا بالنسبة للسوريين الذين يعانون أصلا أوضاعاً سيئة، وخروج معظمهم دون وثائق ثبوتية. مبديا استعداده بدفع أي غرامة أو عقوبة مترتبة عليه، لأنه يمنع وقوع جريمة الزنا”.

لا شكوى.. والعمل مستمر

تقر دائرة شؤون الأجانب واللاجئين بمديرية الأمن العام وعلى لسان المقدم نشأت المجالي مسؤول ملف مخيم الزعتري، بوجود عشرات من عقود الزواج البرانية في المخيم، نافيا تلقي الدائرة شكاوى بهذا الخصوص.

ولدى سؤالنا مفتش عام المحاكم الشرعية أشرف العمري، عن المأذونين غير المرخصين، أوضح العمري أن كل ما ورد للمحاكم من شكاوى هو “دعاوى إثبات زواج لعقود لم توثق بطريقة قانونية، وليس هناك رقم دقيق لعدد دعاوى السوريين من مجمل هذه القضايا البالغة 350 قضية عام 2012، والتي صادقت المحاكم بموجبها على 313 عقد زواج. وما تبقى منها قيد النظر”.

العمري يبين أن مخالفة العمل كمأذون غير مرخص، تصنف باعتبارها “قضايا جزائية” ليست من اختصاص المحاكم الشرعية، وإنما هي من صلب عمل المحاكم النظامية التي تنظر في الجرائم الواقعة على الأسرة بالاستناد لقانون العقوبات.

52 دعوى خلال 3 سنوات ...والعقوبة شهر

المحامي سفيان الخصاونة، يرى أن توافر أركان الصحة الشرعية بالعقود البرانية، لا ينفي أنها مخالفة لأحد أركان الصحة في القانون الأردني، التي تشترط إبرام عقد زواج ضمن الأطر القانونية والقضائية.

“المشرع الأردني ترك الباب مفتوحا أمام السلطات الأردنية لملاحقة كل من كان طرفا في عقد زواج غير موثق قانونيا، بغض النظر عن وجود شكوى من متضرر مباشر أو غير مباشر، ومعاقبته بالحبس من شهر إلى ستة أشهر”، وفق الخصاونة.

ولمعرفة عدد الشكاوى والقضايا المنظورة والمفصولة بحدود المادة 279 من قانون العقوبات، بعثنا للمجلس القضائي بطلب حصول على المعلومات وفق قانون ضمان حق الحصول على المعلومة، إلا أننا لم نتلق إجابة.

في حين حصلنا على صورة عن سجلات الدعاوى الخاصة بتهم إجراء مراسم زواج غير قانونية خلافا للمادة 279 من قانون العقوبات، تؤكد تسجيل 24 قضية منظورة ومفصولة منذ مطلع 2013، ارتفاعا من 12 خلال العام 2012، و16 لعام 2011.

وكانت اغلب قرارات المحاكم في هذه القضايا “الحكم على المشتكى عليهم بالحبس شهرا واحدا إضافة للرسوم”، وليتم تخفيضها لمدة تراوحت بين أسبوع أو أسبوعين، فيما سقطت قضايا العام 2011 بالعفو العام.

يعلل نائب عام عمان القاضي زياد الضمور قلة عدد القضايا بأن “ قاضي الصلح لا يبحث في تلك العقود إلا بناء على شكوى، أو تحويل من الضابطة العدلية “الشرطة” التي لا تتحرك بدورها إلا استنادا على شكوى، أو بلاغ من النائب العام”.

مقاربات الروتين، وضعف الرقابة، والتقصير في العمل، والتشدد في تطبيق الإجراءات، من قبل دائرة قاضي القضاة، ووزارة الداخلية، والسفارة السورية في عمان، تضاعف معاناة علياء وغيرها من اللاجئين السوريين، لتوقعهم في شرك زواج غير قانوني، يحرمهم من حقوقهم الزوجية، وينذر بكارثة اجتماعية.

%19 من الزواج "البراني" لم تعمر طويلا

وثقت كاتبة التحقيق، 16 حالة زواج براني، تبين أن 19 % منها لم تستمر لأكثر من ثلاثة أشهر، وأن 44 % منها كان عمر الزوجة أقل من 18 عاما. وفي جميع هذه الزيجات كانت الزوجات من الجنسية السورية، تقل أعمارهن عن 30 عاما.

مكانيا، تبين أن 50 % من هذه الزيجات كانت في مخيم الزعتري، ثم المفرق بنسبة 25 %، تليها عمان بنسبة 18 %.

وبالنسبة لجنسية الزوج، أظهرت العينة أن 31 % من الأزواج يحملون الجنسية المصرية وجميعهم من العمالة المصرية المقيمة في الأردن، مقابل 50 % منهم من حملة الجنسية السورية.

أما تاريخ هذه العقود، فتبين أن 78 % منها كانت في العام 2013، مقارنة بـ 18 % العام 2012.

* هذا التحقيق من إعداد وحدة الصحافة الاستقصائية في راديو البلد، وبدعم شبكة (أريج)إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية، وإشراف الزميل مصعب الشوابكةwww.arij.net

أضف تعليقك