36 عاما والعيد مقسوم بين الوطن واللجوء

36 عاما والعيد مقسوم بين الوطن واللجوء
الرابط المختصر

عام (1976)، خرج محمد رمضان عبد الهادي (19عاما) بهدوء وعلى عجلة من أمره دون أن يقبل وجنة أمه، أو يطلب من أخته تحضير العشاء أو يوصي أصدقاءه بأن ينتظروه لاستكمال حديث الليلة الفائتة، فلم يكن يعلم أنه سيغيب (36 عاما) بعيدا عنهم، بعيدا عن بيته وأرضه وزيتونه.

وها هو العيد يحل عليه وأسرته في مخيم اليرموك بسوريا مرة أخرى، لتراه جالسا في إحدى زوايا بيته البسيط، ينتظر أن يدق الهاتف ويسمع صوت أشقائه، ليطمئن عليهم ويحدثوه عن أجواء العيد في فلسطين، ليسرح بخياله بعد أن يضع سماعة الهاتف في ما بقي من ذكريات عالقة في ذهنه.

حامل لحافي وفراشي على كتفي

في ربيعه الـ (14)، بدأ محمد رمضان يشارك في المسيرات والمظاهرات، و يحرض طلاب وطالبات المدارس على المشاركة في الإضراب المعلن عنه من قبل القيادة، ما أثار غضب بعض أهالي البلدة الذين كانوا يشتكون باستمرار لوالده.

تقول شهلة عبد الهادي شقيقة محمد رمضان لـ هنا القدس، "في كل مرة كان أبي يغضب كثيرا، ويطرده من المنزل، كان يخرج محمد يحمل لحافه، ويذهب إلى أحد بيوت العائلة المهجورة وهو يقول:حامل لحافي وفراشي على كتفي وراح أضل أمشي ". مضيفة، " عندما كان أبي يخرج من المنزل كان يحضر محمد ليتناول الغداء، وما أن يعود والدي يخرج من الباب الآخر للمنزل، وبعد أيام من طرده يأتي خالي ويتوسل إلى أبي ليعيده للمنزل مرة أخرى ولتعاد الكرة ".

فراق شبه أبدي

في عام (75)، تزوج محمد رمضان ولم يمكث في القفص الزوجي كثيرا لتبدأ مطاردات الاحتلال له، حيث شن عمليات اعتقالات واسعة لرفاقه وحكم عليهم "بالمؤبد" أي (25 سنة)، لتكون صدفة اسمه الأول المركب "محمد رمضان" ملاذه للنفاذ من أيدي الاحتلال على جسر الأردن، حيث كان يعلم أن اسمه "محمد محمود"."ما زلت أتذكر يوم أخبرنا صديق محمد أنه غادر البلاد، وكأنه الأمس حينما بكينا بكاء شديدا، فكان لنا محبا حنونا يغار علينا كثيرا"، وتتابع عبد الهادي،" قبل أن تتوفى والدتي كانت تطلب منا باستمرار أن نأخذها للرئيس محمود عباس لكي تطالبه بأن يعيد محمد ولكننا عملنا كل ما بجهدنا دون نتيجة".

توجه محمد رمضان إلى الأردن ليلتحق بالجناح العسكري لمنظمة التحرير الفلسطينية، ويباشر بعدها الكفاح المسلح، ويبدأ تجواله من الأردن، إلى لبنان، إلى الكويت، ويستقر أخيرا في سوريا، تقول عبد الهادي، "غيابه صعب على العائلة ودمر أسرته، كان في لبنان وزوجته "هنية" في سوريا، وبعد أن تدهورت الأوضاع السياسية عادت إلى الوطن، وهو بقي لتحول بعدها التطورات دون التقائهما وأبنائهم الخمسة إلى الأبد".

وأضافت، "توفيت هنية قبل ثلاثة أعوام، وتوفيت والدتي هذا العام، ومحمد ما زال غائبا بعيدا عنا، لم يرتشف أبناءه حنان والدهم يوما ما، وهاهم تزوجوا جميعا دون أن يشاركهم، كما حرم أشقاؤه من أية ذكريات جميلة تجمعهم به".

استقرار

تزوج محمد رمضان مرة ثانية في سوريا من وفاء حرو اللاجئة من يافا، وأنجب طفلين، وبدأ بتكوين حياته الجديدة في سوريا، بعد محاولات عديدة للعودة إلا أنه بات مرفوضا أيضا في الأردن ومطلوبا لمخابراتها، تقول عبد الهادي،"محمد مجبور على البقاء في سوريا بعد أن عجز عن العودة ورفضته باقي الدول واحتضنه مخيم اليرموك".

فبعد (25عاما) على غيابه، استطاعت عبد الهادي لقاءه لأول مرة عام 2001، بعدما كان من المستحيل بسبب التشديدات الأمنية والمخابراتية في سوريا والأردن، وضرورة الحصول على وثيقة "عدم ممانعة" من الداخلية السورية، أما عن المكالمات الهاتفية فلا يوجد خط هاتفي من سوريا لفلسطين بسبب عدم اعتراف الأولى بـ"إسرائيل"، وقلما ما يحالف الحظ العائلة ويستطيعون مكالمة محمد بعد محاولات عديدة، تقول عبد الهادي، "وضعه في مخيم اليرموك بسيط جدا كباقي اللاجئين، ولكنه استطاع أن يعتاش من وراء محل تجاري صغير لا تتجاوز مساحته أربعة أمتار، لا يستطيع الوقوف به صيفا".

وبعد أن أصبحت العائلة مطمئنة على ابنها في اللجوء، عادت الأزمة السورية وأيقظت القلق في نفوسهم جميعا ، فما أن يحدثوه يسمعوا أصوات القصف والقنابل، تقول عبد الهادي، "طلبنا منه الخروج من المخيم، والعثور على محل آمن، وخاصة أنه تلقى تحذيرات بضرورة مغادرة منزله، ولكن رده دائما يكون "هل غادر أبي عام (67)، وترك منزلنا، وأنا سأموت بعيدا عنكم سواء في المخيم أو خارجه".

غياب محمد رمضان عن عائلته ورفاقه ووطنه لم يصبح يوما أمرا عاديا أو مقبولا، ولكنه بات واقعيا، وأقنعوا أنفسهم بالاعتياد عليه مؤقتا، عسى أن يأتي العيد القادم ويحتفلوا جميعا على أنقاض ذكريات اللجوء والفراق .

المصدر: شبكة هنا القدس للاعلام المجتمعي

أضف تعليقك