“الباص السريع” في الإعلام: توضيح أم تضليل وتوجيه؟

“الباص السريع” في الإعلام: توضيح أم تضليل وتوجيه؟
الرابط المختصر

تغطية الإعلام لمشروع “الباص السريع”: هل ساعدت المواطن على فهم القضية أم ساهمت في تضليله؟ آراء متباينة ومواقف ومعلومات متضاربة، أسئلة متزاحمة حول شبهات فساد، صراع بين تيارات سياسية والتقاء مصالح، في مشروع أمضت أمانة عمان سنتين في دراسته وبدأت بتنفيذه منذ سنة إلى أن جاء قرار الحكومة “بتعليق تنفيذ المشروع”.

أنباء تشكيل اللجان وقراراتها تناقلتها وسائل الإعلام في تقارير إخبارية اقتصرت على التصريحات الرسمية ولم تستطلع آراء المواطنين من مستخدمي النقل العام في عمان. كما لم تقدم توضيحا لتفاصيل مشروع الباص السريع المتوفرة على موقع خاص به أنشأته الأمانة، ولا أي معلومات واردة في دراسات الأمانة التي أتاحتها للمهتمين خلال يوم مفتوح نظمته للمواطنين في الشهر الماضي لمناقشة والإجابة على أي تساؤلات متعلقة بالمشروع، وقدمت عرضا به.

وعبر مواطنون عن انتقادهم لتغطية الإعلام “للباص السريع” على مواقع شبكات التواصل الاجتماعي على الانترنت. يقول جهاد الدهيني على “الفيس بوك”: “في بداية المشروع كان الجميع يحرص على تغطية التجربة كونها حدث إيجابي وبعد فترة بدأ الموضوع يغيب عن التغطية الإعلامية، وعندما بدأ طرح ملفات الفساد ظهرت بشكل ملحوظ المشكلة التي نقولها دائما: لا نريد إعلام لحظي بل نريد إعلام يخدم المجتمع بشكل صحيح، كثير من الملفات يتم عرض خبر عنها في بدايتها ولا نعرف نتائج نهايتها”.

التغطية الإعلامية كانت أيضا محل انتقاد المدير التنفيذي للنقل والمرور في الأمانة. د. أيمن الصمادي. “يجب أن يكون لدى وسائل الإعلام مسؤولية عند تناول هذا الموضوع. لا نمانع الحديث عن السلبيات لأنها طريقة للتحسين، لكن يجب كذلك الحديث عن الإيجابيات. يمكن لمن يهاجم المشروع أن يقترح بديلا مثلا تغيير مسارات المشروع أو إنشاء سكة معلقة، لا أن يتهمنا بأننا نعمل دون دراسة وتفكير، وهذا غير صحيح. نشجع الإعلام على فتح الحوار حول الموضوع على أساس أن مصلحة البلد العامة هي الأهم وتقديم الصورة كاملة”، يقول الصمادي لعين على الإعلام.

صحيفة الغد كانت الأكثر اهتماما بتناول قضية “الباص السريع” ولكن بطريقتها الخاصة، حيث اعتمدت تقاريرها الإخبارية بشكل رئيسي على تصريحات المسؤولين المنتقدة للمشروع وعلى “مصدر مجهول” يعارض المشروع ويؤيد وقفه التام ويلمح بشكل غير واضح إلى وجود فساد وخبايا في مشروع عال الكلفة، من دون تقديم أي معلومة محددة تؤشر إلى ذلك. واجتزأت الصحيفة تقارير اللجان الحكومية والنيابية واكتفت بنشر ما يفيد بالمعارضة التامة للمشروع تحت عناوين تميل إلى الجزم بالوقف الكامل والنهائي للمشروع. كما عبرت الصحيفة عن موقفها المعارض للمشروع بوضوح في افتتاحيتها “تحت المجهر”.

ويؤكد رئيس تحرير الصحيفة، فؤاد أبوحجلة، أنه “لم يكن لدى الصحيفة موقف مسبق إطلاقا لكن قبل أن نكون صحفيين نحن مواطنون نعيش في العاصمة ونمر من منطقة تنفيذ المشروع ونعاني مثل غيرنا من المشكلات التي سببها هذا المشروع وقد عجز الطرف الذي أخذ قرار البدء بهذا المشروع عن تبريره أو تقديمه لنا أو لأي مواطن بطريقة مقنعة. وموقفنا لا نعبر عنه خبريا بل في افتتاحية الصحيفة وهو أن في المشروع هدرا للجهد والمال العام وإضرار وإعاقة لحركة المواصلات في شريان رئيسي للعاصمة يربطها بالشمال كاملا”.

ويضيف أن “الموضوعية والمهنية في الإعلام لا تحول دون وجود موقف واضح ومعلن للمنبر الإعلامي تجاه قضية مهمة. هناك انحيازات لدى صحف كبرى في العالم. ونحن صحيفة تزعم أنها ليبرالية، مع احترامي لوجهات نظر البعض لهذا التوصيف، ونزعم أننا قريبون من الناس ومن مشاكلهم وحياتهم اليومية، ولذلك نتناول قضية مثل الباص السريع بشكل يكاد يكون يوميا”.

“في هذا المشروع ما زلنا في إطار الحديث عن شبهة فساد، وكما في العديد من شبهات الفساد نتناولها كشبهات وفي حال توفر لدينا أي وثيقة تؤكد هذه الشبهات فلا نتوانى عن نشرها. وإذا ثبت عدم وجود فساد في المشروع سنكون شجعان لقول ذلك”، يقول أبوحجلة لعين على الإعلام.

لكن أيا من تقارير اللجنة النيابية، الحكومية وديوان المحاسبة لم تشر إلى وجود شبهة فساد، كما جاءت تصريحات وزير الأشغال ورئيس اللجنة الكسبي، لتؤكد أن المشروع تعلق لاستكمال الدراسات وأن لجنته لم تحمل الأمانة أو غيرها أية مسؤولية.

وعن مصادر المعلومات يقول رئيس التحرير أنه توفر لديهم العديد من الآراء المعارضة للمشروع، لكنهم عانوا من “عدم رغبة المسؤول بالإدلاء بتصريح، ليس فقط في الأمانة وإنما في كثير من المؤسسات الحكومية. وأعزو ذلك إلى عدم القدرة وعدم الإلمام بالتفاصيل وليس عدم الرغبة بالتصريح”. ويشير إلى صعوبات واجهتها الصحيفة في الحصول على دراسات الأمانة في بدايات طرح الملف. “ذلك قبل أن تقدم الأمانة خرائط نشرناها وقد كانت ناقصة. كان هناك العديد من الأسئلة التي لم تجب عليها الخرائط والشروحات. واجب مؤسسات الدولة أن تقدم تفاصيل وافية وواضحة عن مشاريعها ونشرها وتعميمها على الجمهور. لكن ذلك لم يحدث للأسف”.

ويبين أبوحجلة، أسباب لجوء الصحيفة إلى نسبة المعلومات لمصادر مجهولة. “نضطر لذلك كثيرا لحماية مصادرنا من الضرر أو من إجراءات انتقامية وظيفية تتخذ في معظم الدوائر الرسمية عندما يدلي شخص متخصص ما بتصريحات لا تعجب مدرائه. وفي حالة أخرى إذا طلب المصدر عدم ذكر اسمه ونحن نحترم ذلك وهذه قاعدة في العمل الإعلامي. وبالنسبة للباص السريع لدينا أكثر من مصدر ولا نحصر معلوماتنا في مصدر واحد”.

وعن غياب استطلاعات لرأي المواطنين في مشروع الباص السريع، يوضح أبوحجلة أن هناك فرق كبير بين استطلاع الرأي والوقوف على رأي الناس. “نحن مؤسسة غير قادرة على إجراء استطلاعات للرأي وهناك مؤسسات متخصصة في ذلك. لكن أخذنا آراء أشخاص ولم يكن هناك الكثيرون ممن يؤيدون هذا المشروع ومن سيواجه مشكلة في الوصول إلى عمله سيتخذ موقفا من هذا المشروع”.

ويضيف: “نحن الصحيفة الوحيدة التي تمتلك القدرة البشرية لإجراء الاستطلاعات غير العلمية، لدينا 16 زميل وزميلة متفرغين للاتصال بالناس. لكن الاستطلاعات غير العلمية خطرة وقد تؤدي إلى توجيه الرأي العام بطريقة غير صحيحة، ونحاول الابتعاد عنها في هذه المرحلة. يجب أن يكون هناك مصادر متخصصة، لا يجوز أن يتحدث عن هندسة الطريق شخص غير مهندس أو متخصص، لن يتحدث عن الباص السريع من لا يستخدم الطريق ليدلي برأيه إن كان مفيدا أو مزعجا”.

مسؤول المشروع في الأمانة، الصمادي ينتقد الإعلام على عدم استطلاعه للآراء المواطنين من مستخدمي النقل العام. ويقول: “للأسف الشديد لم تستطلع أي من وسائل الإعلام لغاية الآن آراء المواطنين المستخدمين للنقل العام، بل اكتفت بشريحة محددة ممن يستخدمون سياراتهم الخاصة ويشتكون من المساحة التي أخذت من الشوارع المخصصة لسياراتهم”.

من نشطاء الشبكات الاجتماعية على الانترنت ومن المشرفين على المشروع في الأمانة من رأى أن اهتمام صحيفة الغد الملفت بالمشروع وانحيازها ضده مرتبط بمصالح اقتصادية-تجارية لمالك الصحيفة قد تتضرر من تنفيذ مشروع النقل العام.

لكن رئيس تحرير الصحيفة ينفي وجود صلة بين تغطية الصحيفة وبين المصالح التجارية لمالكها. ويقول: “لو كان موقف الصحيفة منطلقا من ذلك لما تفاعلت الصحيفة بالطريقة التي تفاعلت فيها عندما أضربت الشركة المتكاملة عن العمل وأعاقت تنقل المواطنين لأيام. والأهم أن الصحيفة تقاد بكادر صحفي وليس بمدير شركة سيارات، لسنا من المؤسسات الصغيرة التي تعمل بطريقة الدكاكين لكي تحمي مصالح شخص واحد، من مصلحة مالك الصحيفة بغض النظر عن مشاريعه الأخرى أن تكون صحيفته قوية وواسعة الانتشار وجريئة في التعبير عن رأيها، وأزعم أنه يحدث الآن بقناعة ورضى المالك، على الأقل هذا ما يعبر عنه في لقاءاته مع كادر التحرير”.

المتابع لتغطية الإعلام، من مواقع الكترونية وصحف يومية، لمشروع الباص السريع قد يخلص  إلى تقصير وسائل الإعلام في توضيح تفاصيل ودراسات المشروع ثم في الاجراءات الحكومية وتقاريرها ومبررات تعليقها للمشروع. تداولت عدد من المواقع والصحف اتهامات فشل المشروع وعدم جدواه من دون استطلاع رأي المواطنين من مستخدمي النقل العام، كما تداولت شبهات فساد دون إجراء أي تحقيقات حول القضية.

.للاستماع للحلقة والطلاع على مختلف المواضيع الإعلامية على موقع: عين على الإعلام