ويكيليكس في الإعلام: عندما يمارس الصحفيون رقابة على المعلومات

ويكيليكس في الإعلام: عندما يمارس الصحفيون رقابة على المعلومات

تغطية الإعلام لبرقيات ويكيليكس تفتح النقاش حول حرية تداول المعلومات والآراء، رقابة الإعلام على نفسه ومحاولاته توجيه الرأي العام، وصعوبة الوصول للمعلومة مقابل انفتاح السياسيين الأردنيين على الدبلوماسية والإعلام الأجنبي.

الكاتب الصحفي محمد أبورمان لا يستغرب اهتمام السفارة الأمريكية بالقضايا المهمة الواردة في برقيات ويكيليكس. لكن “من غير الطبيعي أن تكون ويكيليكس أكثر صراحة وقوة وجرأة في طرح قضايا نخجل نحن من طرحها بصورة عقلانية، واقعية ومحترمة في أروقتنا السياسية ومراكز الدراسات ووسائل الإعلام.

وحتى الأخبار المهمة لا نتحدث بها إلا إلى وسائل الإعلام الغربية، عندما يأتي باحث غربي أو صحفي من الدرجة العاشرة يسهل عليه لقاء المسؤول الأردني ويحصل على فيض من المعلومات والأسرار التي لا يحظى بها باحث أو صحفي أردني”، قال أبورمان لعين على الإعلام.

ويرى فيها الكاتب “مشكلة تختزل الاستخفاف والاستهتار بالإعلام الأردني الذي يقتل به المسؤول الأردني الإبداع لدى الصحفي الأردني. المفارقة أن المسؤول الذي يتبرع بالمعلومات أمام الدبلوماسي الغربي هو نفسه الذي يقمع الصحفي الأردني وينافق لدى دوائر القرار”.

ويعزوها إلى “غياب الديمقراطية والمناخ السياسي والإعلام الصحي لمناقشة قضايانا وأزماتنا، وما زلنا نمارس حالة من الإنكار لهذه الأزمات، وربما هناك جهات رسمية مستفيدة من هذه الأزمات ولا تريد لها أن تحل وبالتالي تضعها ضمن قائمة الخطوط الحمراء المتداولة”.

ما تناولته ويكيليكس لا يرى فيه الكاتب الصحفي جهاد المحيسن، جديدا، “فهي قضايا ومعلومات كانت متوفرة بين فئة معينة من الناس، الجديد أنها أصبحت قضايا عامة يتداولها الجميع”.

ويمكن الاستفادة من هذه البرقيات، وفقا للمحيسن. “فرب ضارة نافعة، طرح قضايا هامة مثل العلاقة الأردنية الفلسطينية وأن نكون واضحين بأن هذا الوطن للجميع، وأعني هنا المواطنة الكاملة أي أن المواطنين سواسية أمام القانون”.

وينتقد الكاتب المؤسسة الرسمية لعدم إبدائها أي موقف تجاه ما يثار. “الأجدى أن تثار قضية العلاقة الفلسطينية الأردنية وفلسطين كمكون أساسي في السياق الاجتماعي الأردني، داخليا بين النخب والناس العاديين، لا أن نعمل بكائيات على أبواب السفارات”، قال المحيسن لعين على الإعلام.

لكن المشكلة، وفقا للكاتب ومدير عام موقع عمان نت وراديو البلد، داود كتاب، تكمن في نشر المعلومات. “فالسياسيون الأردنيون يلجأون للسفارة الأمريكية لأنهم لا يوجد وسائل إعلام تنشر ما يقولونه، فنحن مثلا لم تكن لدينا القدرة على نشر ما نستطيع نشره اليوم”.

تفاوت في التغطية

تعامل الصحافة التقليدية مع برقيات ويكيليكس كان غير مهنيا، وفقا لأبورمان. “كان هناك تجاهل للبرقيات في المواد الخبرية والتحقيقات وخشية من الاقتراب منها، ولا أعرف سبب هذه الخشية لأنها ليست ضمن الخطوط الحمراء”.

ولفت إلى وجود قصور وانتقائية في تعامل الإعلام الالكتروني مع البرقيات، “بعضها ترجم بعضها وفقا لما توافر لديه من امكانيات وبعضها الآخر ترجم ما توافق منها مع أجنداته السياسية والأيديولوجية وللتراشق السياسي”.

وبين أنه كان يجب على الإعلاميين والسياسيين أن يتعاملوا معها من زاويتين، طبيعة البرقيات نفسها والنقاش حولها فنيا ومهنيا والتمييز بين ما تضمنته من مواقف للسفارة الأمريكية التي أرى فيها مواقف متحيزة للأجندات الأمريكية وهذا طبيعي، وبين مواقف السياسيين الأردنيين التي ربما تخالف مواقفهم العلنية.

“نحن في المشهد الإعلام اختزلنا هذه القضايا وقفزنا إلى معارك داخلية سياسية وإلى تبادل الاتهامات. لا أعتقد أن السفارة الأمريكية اخترعت هذه المواقف فهي موجودة”، قال أبورمان.

وحذر الكاتب من تعامل الإعلام مع موضوع الهوية الأردنية الفلسطينية كخط أحمر. “للأسف الإعلام ما زال الإعلام يتعامل مع القضية كمجال للتراشق السياسي. المنطقة الوسط خالية تماما، هناك نخب على هذا الجانب ونخب على ذلك الجانب وتتراشق، لكن المنطقة الوسط التي تتعامل بمهنية وعقلانية وانفتاح هي التي تغيب في حين يفترض أن تحتضنها وسائل الإعلام”.

ويتفق المحيسن مع أبورمان في أن التناول الإعلامي لبرقيات ويكيليكس لم يكن بالمستوى المطلوب. “هناك تقصير إعلامي في معالجة الموضوعات التي طرحتها ويكيليكس وهي مهمة وحساسة تمس بنية النظام السياسي والاجتماعي”.

ويعزو الانتقائية التي مارستها المواقع الالكترونية في نشر ما جاء في ويكيليكس إلى توجهات من يدير. “في مناقشة القضايا الكبيرة ما زلنا انتقائيين وغير مهنيين وبالتالي لا نسعى حقيقة إلى إصلاح جذري، وهذه الانتقائية دللت على بنيتنا الفكرية والانقسام الحاصل يدلل على انقسام في المجتمع حين نتهم جهات ونبرئ أخرى”.

“ليست الخطورة في الحديث عن المحظورات وإنما في ممارسة الانتقائية في تداول المعلومة وفي الحديث عن أنظمة ومحاصصة”، قال المحيسن.

لكن داود كتاب يرى أن من حق وسائل الإعلام أن تنتقي الأخبار والمعلومات التي تهمها. “فهناك آلاف المعلومات التي ترد يوميا ويختار الصحفي منها معلومة أو اثنتين يعتقد أنها جديدة أو تهم قرائه، لكن تزييف أو تحريف المعلومات هو الخطأ، فما دامت الترجمة دقيقة حتى لو كانت مجتزأة وخارجة قليلا عن سياقها ليست جريمة نشر أجزاء منها”.

“نحن ففضلنا نشر البرقية كاملة، ضمن إمكانياتنا، كمرجعية ويمكن للآخرين إعادة نشر ما يشاؤون منها أو التعليق عليها. وخلافا لما كان عليه الوضع سابقا، اليوم لا يوجد أي جهة أمنية أو غيرها تتدخل فيما ننشر”، يضيف كتاب.

ويقوم موقعا عمان نت وحبر.كوم بترجمة برقيات ويكيليكس المتعلقة بالأردن، من الانجليزية إلى العربية، ونشرها في صفحة خاصة. والهدف، وفقا لكتاب، توفير المعلومات والوثائق التي تعد “كنزا للمهتمين بالقضايا العامة، في ظل صعوبة الوصول إلى المعلومات”. وقال: “قررنا في عمان نت وحبر.كوم أن نترجم وننشر كل برقية عن الأردن من اللغة الانجليزية إلى العربية كما هي، لتوفير المعلومات للمتصفح العربي على الانترنت ومن ثم يمكن لقسم الأخبار في عمان نت وراديو البلد أن يغطيها إخباريا”.

“قبل أسبوعين نشرت ويكيليكس قرابة 5000 برقية متعلقة بالأردن حاولنا ترجمة ما نستطيع منها وبدأنا بالبرقيات الأكثر سرية وترجمناها كاملة رغم طولها لأن القارئ يحتاج إلى قراءتها كاملة لمعرفة السياق كاملا”، أضاف كتاب.

للاستماع للحلقة والاطلاع على مواضيع: عين على الإعلام

أضف تعليقك