وسائل إعلام تعرض دراما فقيرة المحتوى ولا تعلم أنَّ الجمهور أذكى مما تظن!
بثَّت عدَّة وسائل إعلام محلية منذ بدء شهر رمضان مسلسلات درامية وبرامج كوميدية ساخرة، ومسابقات، وتتبع مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) عيّنةً منها على مدار 14 يومًا، وقرَّر أن يُخضع هذا المحتوى للتقييم بناء على المعايير التي جاءت ضابطة لعمل وسائل الإعلام وما تنشره لجمهور المتلقين. وقرَّر المرصد أن يقدِّم نصيحته في هذا المحتوى خصوصًا أنَّ ضبط المحتوى يُسهم بحماية المتلقين من المحتوى الذي يفتقد للقيمة المعرفية ولا يحترم ذائقتهم.
ويرغب (أكيد) بتذكير العاملين بوسائل الإعلام بمشهد تمثيلي من الفيلم المصري الشهير "الكيف"، حيث قال التاجر الذي جسّد شخصيته في ذلك الدور الفنان جميل راتب، إنه في بداية تجارته بالشاي، كان يَخلطهُ بنشارةِ الخشب، وحينما ارتفع سعر النشارة، اضطر لجعل الشاي صافٍ وحقيقي، والمفاجأة كانت أنَّ الناس لم تتقبل ذلك الشاي، بعد أن اعتادوا على شربه مخلوطًا بنشارة الخشب، ما أدى به إلى خسارة نقوده، ليرد عليه شخص آخر كان يعمل كيميائيًا وجسّد شخصيته الفنان يحيى الفخراني: "عودتوا الناس على الوِحِش لحدِّ ما نسيوا طعم الحلو"، فكانت النتيجة بوجهة نظره أنَّ الذوق العام تمَّ إفساده من المفسدين.
نظرة عميقة على المشهد العام في الأعمال الدرامية المرصودة التي اختارها مرصد (أكيد) ضمن عينته، تبين أنَّ هناك وجهًا آخر للنتيجة، فالذوق العام ليس فاسدًا في أصله، إنما هناك من أفسده، وبالتالي فالعودة ممكنة إذا ما توفرت الأدوات والظروف والأشخاص المناسبين.
رصد (أكيد) 150 عملًا دراميًا تشهدها الساحة الإعلامية الأردنية والعربية في شهر رمضان هذا العام، وهذا الرَّقم يؤشِّر إلى منافسة مستعرة بين من يخاطبون الجمهور، سعيًا منهم للاستيلاء على وقتهم، ما يجلب لهم أكبر عدد ممكن من المشاهدات، وبالتالي مزيدًا من المعلنين وارتفاع في حجم الإيرادات المالية.
تلك الحالة شدّت انتباه (أكيد) لرصد ردود أفعال جمهور المتلقين خاصَّة في التَّعليقات والمنشورات على منصَّات التَّواصل الاجتماعي، ومنهم من سجل مقاطع مصورة، وكانت النتيجة ظهور عدد من الأعمال الدرامية نالت اهتمامهم وإعجابهم معتمدين على العديد من الجوانب، من قصة وبناء درامي وبناء الشخصيات، بالإضافة إلى المهارة في الإخراج وزوايا التصوير، فراحت بعض الأعمال تسمو على غيرها في حجم المشاهدات، ما أبرز أنَّ ذائقة الجمهور عمومًا وإن وُجِدَ ما يُفسدها، إلا أنها ما تزال تحتفظ بحسّها النقدي، وأنَّها قادرة على أن تُخرج أيَّ عمل من السِّباق إذا لم يتوفر فيه ما يروي عطشها للمحتوى المميز.
وفي مقارنة بين هذه الحالة، وما يقوم به مرصد (أكيد) إزاء الحالة الإعلامية، فقد وجد أنَّ المحتوى الإعلامي بمختلف أنواعه، إذا لم يُراعِ المهنية في الطرح، فإنَّ حالة الانتشار التي قد يحصل عليها خبر بمحتوى مُخالف، أو إشاعة أو تضليل، أو حتى عنوان مجتزأ يسعى لجذب المشاهدات بأيِّ طريقة، ما هي إلا حالة انتشار لحظية، تنتهي عند ظهور أول محتوى هادف مميز.
وعليه، يُشدد (أكيد) على مراعاة توفر المعايير المهنية والإنسانية والأخلاقية في كل مُنتج إعلامي، حتى يبقى أثر هذا العمل مغروسًا في ذاكرة وأنفس الجمهور، فالكثير من الدلالات تُشير إلى أنَّ الجمهور وإن ذهب كثيرًا مع ما يُسمى "الترند"، إلا أنه قادرٌ على نسيانه بسهولة، تماما مثل النكتة السَّاخرة التي تحصل على نصيبها من الضَّحك عند إلقائها، لكنها إذا ما تكررت، فإنها ستكون خالية من بريقها الأول، وهذه نصيحة (أكيد) لوسائل الإعلام المحلية بأن تكون عامل ارتقاء في ذائقة الجمهور، وأن تدفع باتّجاه الأعمال التي تمكث طويلًا في ذاكرة المتلقين وتترك أثرها على الإنسان في هذا البلد.