والله مسكينة أنت يا قدس

والله مسكينة أنت يا قدس
الرابط المختصر

إن من يسير في شوراع القدس العتيقة وغير العتيقة، يجدها هادئة جميلة تحمل في نسمات الهواء ذرات عبق التاريخ، وتكمن في جنبات أزقتها قصص وحكايات زمن جميل، زمن كانت فيه قلوب الناس على بعضها كما يقولون بالعامية، وفيه كان الإنسان لا ينام قبل أن يطمئن على جاره بأنه مرتاح وشبعان وغير مريض، زمان كان في بعض يعمل من أجل الكل، والكل يعمل من أجل البعض، وكان الكل يعمل من اجل القدس، كانت القدس حلم العرب والمسلمين والمسيحين لجمالها ولتعاضد أهلها بعضهم ببعض، فهي كما قال الأقدمون قطعة من جنة السماء على الأرض!

ما علينا
المهم، إن هذا كان في الزمان الغابر، وهذا هو الشعور الذي يتناب كل إنسان يجول في شوارعها وبين حاراتها التي تغيرت وانكمشت واصحبت عبارة عن بيوت منفصل بعضها عن بعض بعد أن دخلها الغريب واستقر بين جنبات أهلها، بمساعدة بعض أهلها ...

وإن ما يجرى خلف الكواليس، في الكثير من الأحيان أمام العلن، هو أخطر مما يعرفه البعض، ويثبت أن القدس العظيمة الوادعة هي مسكينة بحق، فهناك من يستغل اسمها من أجل التسول بأسمها في أنحاء العالم ويعرف أن العرب مستعدون لتقديم الغالي والنفيس من أجلها، كما حدث مع بعضهم هذه الأيام حيث تمكن من إحضار مبلغ كبير من أجل القدس وبالتأكيد لن يذهب إلى القدس ّ!

القدس مسكينة لأن ملفها ضائع تائهة بين مكاتب المؤسسة الرسمية لا يعرف أين يستقر ويتم التعامل معه كما يتعاملون مع ملف قرية صغيرة أو خربة ما في جبال فلسطين الواسعة ..! مسكينة هي القدس عندما يتفاجئ مسوؤل أجنبي بأن القدس غير موجودة في إطار خطة التنمية الشاملة ..!

مسكينة هي القدس لأن بعض أهلها يظلم البعض الآخر، فلا يجد هذا المظلوم من يسانده لا من أهلها ولا من المؤسسات التي تصرخ صباح مساء ...القدس لنا..! القدس مسؤوليتنا..!

مسكينة يا قدس لأن قانون الغاب بين أهلها هو السائد فالضعيف فيها مغلوب على أمره بأمر الأغلبية الظالمة..! مسكينة يا قدس عندما تقرر جهات تدعى حماية القدس بالتوجه إلى الآخر لحل قضاياها العالقة ! مسكينة يا قدس عندما لا يجد فيك الفقير والضعيف من أهل البلد مخرجا إلا التوجه للآخر طلبا للحماية والإنصاف من أبناء مديتنه ..!!

مسكينة أنت يا قدس لأن بيوتك وحاراتك وتاريخيك يتسرب كل يوم إلى الآخر بهدوء وبمساعدة أهلك إما طمعا بالمال أو انتقاما لظلم وقع، أو كراهية بين بعض أهلها، السبب الظلم الكثير الذي يمارسه صاحب السلطة وصاحب الغلبة على الضعيف والفقير ومن لا يجد من يسانده ومن لا عشيرة له، إضافة إلى انعدام الانتماء لبعض من يأخذ القدس مسكنا له !!

مسكينة يا قدس لأن الثقافة هربت من أبوابك الواسعة بعد أن دخل من شبابيك الجهل والجشع بالمال، وقله الخلاق .. وأصبح الشعار السائد "الغاية تبرر الوسيلة" ..!هذه الثقافة التي هربت من الأبواب عادت إلى المدينة من الشباك عبر مشاريع ثقافية هزيلة تهدف إلى تدمير ما بقى من أسس جميلة للمجتمع، فنجد هذه المؤسسة الكبيرة تروج لأفكار خارجية لا تمت إلى المجتمع المقدسي بشئ!! بينما نجد مؤسسة أخرى لا تقدم شيئا أصيلا وتكتفى بتقديم الأجنبي حسب الطلب ووفق الأجندة الخارجية ..! أما ما تبقى من ثقافة فهو مهلهل مترهل سخيف لا يمت إلى الواقع بصلة . ويدرو حول نفسه مصدقا أن هذه هي الثقافة. وبعد ذلك يصرخون نحن ثقافة القدس، والقدس بحل منهم إلى يوم الدين ..!

والله إنك مسكينة يا قدس، رغم أنك أكبر من الجميع، إلا أنك تتألمين لما وصلت إليه حاله الأهل ...ولسان حالك يقول لهم : إما أن تصحوا حتى لو كان ذلك متأخرا، أو أن ترحلوا !!، فأنا قادرة على مواجهة مصيري كما فعلت خلال آلاف السنين الماضية وبقيت صامدة ورحل الجميع ..!! فأنا القدس.