هوس نور .. السر في مجتمعاتنا الكئيبة

الرابط المختصر

من يقرأ بعض المقالات والتعليقات على مسلسل نور التركي المدبلج سوريا يعتقد وكأن كاتب هذا المسلسل هو شخص يهودي يعتمر القلنسوة ويتميز بضحكة شريرة وهو يكتب في الظلام في العام 2003 عملا لتخريب أخلاق المجتمعات العربية بدعم وتمويل صهيوني إمبريالي.

 

بالطبع هذا الكاتب يعرف وبحكم العبقرية التي عادة ما تتجلى في نظريات المؤامرة أن المسلسل سوف يحقق فشلا في تركيا عندما يعرض في العام 2005 ولكن في العام 2007 سوف تقوم شركة سورية للإنتاج بدبلجة المسلسل وتقوم قناة إم بي سي ببثه في العام 2008 لتتحقق المؤامرة على الأمة بعد خمس سنوات من كتابة المسلسل، في زيارته التاريخية للإمارات قال الممثل الذي يقوم بدور مهند جملة ربما هي أهم من كل ما قاله في المسلسل وذلك في تصريح لقناة العربية عندما ذكر أن المسلسل "تم إنتاجه للمشاهدين الأتراك ولكن نجاحه الكبير في العالم العربي يظهر أن هناك عناصر مشتركة في الثقافة"،مهند على حق هذه المرة ، لأن المسلسل هو في نهاية الأمر إنتاج تركي ولكن السر الحقيقي هو في حالة الجذب الإستثنائية التي حققها في المجتمع العربي ، وفي إعتقادي الخاص فإن الجواب على هذا السؤال ليس في ثنايا مؤامرة خبيثة كما يقول البعض بل في محاولة معرفة الثغرات في تركيبة المجتمع العربي والتي جعلت الكثير من الفئات تقبل على المسلسل.رأيي الشخصي في العمل لا يختلف عن رأي الغالبية من "المثقفين" والصحافيين الذين كتبوا عنه.

 أنه عمل سطحي القصة ضعيف الحبكة ولكنه يتميز بعنصر يستحق التنويه وهو البساطة الشديدة والتي أحيانا تصبح خفة دم قادرة على جذب المشاهد العادي. لا يوجد صراخ وزعيق وافتعال مشاعر مبالغ فيه كما في بعض الأعمال العربية. ولكن السطحية في مسلسل نور لا تقل ابدا عن السطحية في معظم الأعمال العربية ربما باستثناء النادر منها والذي يعرض أحيانا في شهر رمضان. نفس القصص عن الحب والخداع والغش والغضب ونفس الملل الذي يكون عندما يكون المشاهد مدركا لتفاصيل العلاقة بين الشخصيات والاسرار بينهم ولكنه ينتظر حتى تدرك الشخصيات نفسها ذلك وكذلك هي الحال في المواقف الدرامية ومعظمها مبني على سوء الفهم وعدم وصول المعلومة وهذا اضعف أنواع الحبكات الدرامية. أما عن الإدعاء بوجود "فساد أخلاقي" في المسلسل فإن مستوى هذا الفساد لا يمكن مقارنته بالمستوى الموجود في الأفلام المصرية المعروضة حاليا في شاشات السينما في الأردن والتي تصل منازل الناس عبر أقراص الأفلام الممغنطة ، والواحد منها بدينار.

المسلسل لا يعدو كونه تغييرا عن نمط المسلسلات الأردنية المغرقة في التراث ، والسورية المغرقة في التاريخ والخليجية المغرقة في الكآبة والمصرية المغرقة في المبالغة والإفتعال ومن الطبيعي جدا أن يجد مكانا في اذهان المشاهدين.ولكن السر الحقيقي ربما يكمن في طبيعة مجتمعاتنا والتي تعاني من الكآبة والغم في كل شئ. نحن قوم لا نعرف كيف نعيش حياتنا ولا كيف نطور علاقاتنا الشخصية على الصعيد الأسري والشخصي والعصبية وسوف الفهم المسبق والرغبة الدائمة في الإنعزال خلف المواقف والمشاحنات مع الآخرين ظاهرة واضحة ربما مفادها الضائقة الاقتصادية وربما العصبية الموروثة وربما التقاليد وربما الظروف السياسية السيئة وما نشاهده يوميا من قهر واحتلال. هذا المسلسل وباللهجة السورية وبنص بسيط ومشاهد طبيعية خلابة وشخصيات مفعمة بالحيوية ومختلفة عما تعودنا عليه قدم الجديد. ولو كنا قادرين على عيش حياتنا بقدر أكبر من السعادة والهدوء ، والانفتاح مع الآخرين ربما ما كان للمسلسل مثل هذا التأثير على الناس.

*الدستور