شهدت السنوات الأخيرة توجهًا متزايدًا نحو استخدام مخلفات الزيتون، أو ما يعرف بالجفت، كوسيلة للتدفئة، وذلك نتيجة لارتفاع أسعار المشتقات النفطية، مما جعل الجفت خيارًا اقتصاديًا مناسبًا لكثير من المواطنين.
سلامة شاب يستغل موسم الزيتون في الشتاء لبيع الجفت، فيعتبره وسيلة فعّالة لزيادة دخله، خاصة مع تزايد الطلب من المواطنين الذين أصبحوا يعتمدون عليه كخيار اقتصادي للتدفئة, يصف سلامة تجربته في بيع الجفت، مشيرًا إلى أن توفره بكثرة خلال موسم عصر الزيتون يجعله بديلًا مثاليًا، حيث يتيح للعائلات الحصول على التدفئة اللازمة بأسعار مناسبة, يقول سلامة إن شعوره بالرضا يكمن في أنه يسهم، من خلال هذا العمل، في تقديم حل يوفر للناس التدفئة بتكلفة معقولة ويساعدهم على مواجهة برودة الشتاء دون التكاليف الباهظة.
يؤكد محمود العمري، الناطق الإعلامي باسم نقابة أصحاب المعاصر، أن الجفت تحول إلى مورد مهم يعتمد عليه العديد من أصحاب الدخل المحدود لتدفئة منازلهم في فصل الشتاء، خاصة في المناطق الشمالية التي تشتهر بكثرة معاصر الزيتون, يشير العمري إلى أن هذا التحول ليس فقط اقتصاديًا، بل إنه خيار آمن ويعزز الاستخدام المستدام لموارد الطبيعة, فالجفت يأتي من عملية هرس الزيتون، ويُعتبر نوعًا من التدوير الذي يساعد في تقليل المخلفات الضارة للبيئة. ورغم أن الجفت قد يصدر رائحة غير مرغوبة عند تقليبه، إلا أن العمري يوضح أن فوائده تفوق هذه السلبية الصغيرة، فهو يُستخدم أيضًا في صناعة الأعلاف والأسمدة العضوية، مما يعزز فائدة هذه المخلفات الزراعية ويحولها إلى منتجات جديدة ذات قيمة مضافة.
وفي هذا السياق، يضيف العمري أن بعض المعاصر بدأت بالفعل بتصنيع الجفت في شكل قوالب، يتم تجفيفها تحت أشعة الشمس، لتكون جاهزة للاستخدام في التدفئة, هذه العملية لا تسهم فقط في توفير بديل اقتصادي للمواطنين، بل تؤدي إلى تقليل التعديات على الأشجار الحرجية، حيث لم يعد هناك حاجة كبيرة لقطع الأشجار من أجل التدفئة، ما ينعكس إيجابيًا على البيئة, وينبه العمري إلى ضرورة إصدار تشريعات جديدة تسمح بترخيص معامل خاصة لتصنيع الجفت، مشيرًا إلى أن ذلك لن يسهم فقط في توفير فرص عمل للشباب، بل سيساعد أيضًا في حل بعض المشكلات البيئية، حيث أن التخلص من الجفت دون معالجة يمكن أن يؤدي إلى أضرار بيئية كبيرة.
ويشير العمري إلى أن حوالي 73% من الأشجار المثمرة في المملكة هي من أشجار الزيتون، التي تخدمها نحو 140 معصرة, هذه المعاصر تتحمل تكاليف كبيرة في عملية إنتاج وتدوير الجفت، لذا يطالب بالسماح لهذه المعاصر بالاستمرار في كبس الجفت، وعدم اعتباره نفايات يجب التخلص منها، مما يعفيهم من تكاليف إضافية لنقل هذه المخلفات إلى أماكن أخرى, وبما أن الجفت أصبح عنصرًا أساسيًا في الحياة اليومية لكثير من العائلات، فإن إبقاء عملية الكبس في المعاصر يساعد على خفض تكاليف الإنتاج ويوفر للمواطنين هذا المورد بأسعار معقولة.
من جانبها، تؤكد المهندسة الزراعية دعاء أن الإقبال على الجفت شهد ارتفاعًا ملحوظًا خلال الثلاث سنوات الأخيرة، حيث اكتشف المواطنون فائدته في التدفئة, وتضيف أن للجفت قدرة على الاشتعال السريع وتوليد حرارة تدوم لفترات طويلة، ما يجعله خيارًا اقتصاديًا يُعتمد عليه لتدفئة المنازل في فصل الشتاء, وتشير إلى أن الجفت، الذي كان يُعتبر سابقًا مخلفات لا قيمة لها، أصبح الآن جزءًا مهمًا من منتجات المعاصر، إذ بات يعد مصدر دخل إضافيًا، خاصةً بعد أن يتم كبسه في قوالب تسهل تداوله وتخزينه.
توضح دعاء كذلك أن استخدامات الجفت لا تقتصر على التدفئة فقط؛ فهو يدخل في العديد من الصناعات الأخرى مثل السماد العضوي، مما يحسن من خواص التربة عند استخدامه في الزراعة، ويعمل كمصدر للأعلاف، ويدخل في صناعة الصابون والفحم، بل وحتى في المبيدات الحيوية, إن هذه الاستخدامات المتعددة تعزز من قيمة الجفت، وتجعله جزءًا من دورة اقتصادية مستدامة يمكن أن تعود بالنفع على مختلف القطاعات.
المواطنة خلود علي، وهي إحدى المستفيدات من هذا البديل الاقتصادي، تروي تجربتها مع الجفت، حيث بدأت بالاعتماد عليه كبديل للحطب ليس فقط للتدفئة، بل أيضًا لأغراض أخرى كالتسخين والطبخ, تجد خلود في الجفت خيارًا مناسبًا لاحتياجاتها المنزلية، حيث ساعدها على توفير المال والتمتع بتدفئة مستمرة طيلة فصل الشتاء دون أن تتحمل التكاليف العالية للوقود التقليدي.
أما المواطن جعفر الحمود فيرى أن الجفت يمثل الحل الأمثل والأكثر جدوى في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع أسعار الوقود، مؤكّدًا أن كمية بسيطة من الجفت كافية لتدفئة المنزل بالكامل, يشير جعفر إلى أن هذا الخيار ليس فقط فعالاً بل أيضًا يناسب ميزانية العائلات ذات الدخل المحدود، حيث يمكن الاعتماد على الجفت كمصدر رئيسي للتدفئة بتكلفة أقل ودون الحاجة إلى تحمل أعباء مالية إضافية.
في الختام , يظهر بوضوح أن التحول نحو استخدام الجفت للتدفئة لم يكن مجرد خيار بديل بل أصبح ضرورة ملحة لدى الكثيرين، ومع ازدياد الطلب عليه، يبدو أن هذا التوجه سيبقى قائمًا في السنوات القادمة، مما يستدعي تنظيم هذه السوق وتوفير التشريعات اللازمة لدعم هذا القطاع البيئي والاقتصادي الذي يساهم في تقديم حلول فعّالة واقتصادية للمواطنين.
يأتي هذا التقرير في إطار الشراكة شبكة الإعلام المجتمعي/راديو البلد وبرنامج النساء في الأخبار ضمن مبادرة الأثر الاجتماعي SIRI.