التشويش على تحديد المواقع الجغرافية (GPS): العودة للطرق التقليدية في قطاع التوصيل
في الوقت الذي يشهد فيه الاقليم توترات سياسية وأمنية متصاعدة، برزت مشكلة جديدة تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين في الاردن ، وهي تشويش نظام تحديد المواقع الجغرافية (GPS), مع تزايد القلق حيال هذا التشويش أصبح العاملون في مجالات متعددة، مثل خدمات التوصيل، يواجهون تحديات كبيرة نتيجة لهذا الوضع, وتعكس تجربة زيد شاب يعمل كمندوب توصيل لأحد التطبيقات المشهورة، معاناة العديد من العاملين في هذا المجال.
يقول زيد إن التحديات الرئيسية التي يواجهها أثناء العمل تعود إلى فقدان دقة التوجيه بسبب التشويش, "في بعض الأحيان، تزداد قوة التشويش لدرجة أن النظام لا يحدد موقعي بدقة,هذا يجبرني على الاعتماد على الطرق التقليدية أو المعلومات من الزبائن", هذه المعاناة تعكس مشكلة أوسع لا تقتصر على زيد وحده، بل تشمل جميع العاملين في مجال التوصيل الذين يعتمدون بشكل كبير على التكنولوجيا, ويظهر من تجربته أن التشويش ليس مجرد تحدٍ تكنولوجي، بل يؤثر بشكل مباشر على أداء العاملين في هذا المجال.
وفي سياق ذلك، يبرز تصريح المهندس بسام السرحان، رئيس مجلس مفوضي هيئة تنظيم قطاع الاتصالات الأردنية، الذي أكد أن "حالة التشويش التي رصدت مؤخرًا على ترددات نظام تحديد المواقع الجغرافية العالمي GPS في الأردن، مصدرها دولة حدودية مجاورة", ويعكس ذلك القلق المتزايد من تأثير الأزمات الإقليمية على الحياة اليومية للمواطنين، وقد أشار السرحان إلى أن التشويش قد ازداد بشكل ملحوظ منذ السابع من أكتوبر الماضي، لافتًا إلى أن "الوضع الذي تمر به المنطقة من حيث التشويش والمسيرّات حالة غير مسبوقة ونحن نتعامل مع وضع جديد بالكامل".
هذه الكلمات تعكس حجم الأزمة التي يتعامل معها الأردن، خصوصًا مع وجود دول مجاورة تشهد صراعات متزايدة. وأضاف السرحان أن هناك أنواعًا مختلفة من التشويش، بما في ذلك التشويش الذي يستهدف دول منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط , هذا وقد وأكد نضال سمارة، مدير مديرية إدارة الطيف الترددي في الهيئة، أن "التشويش الذي تتأثر به المملكة بشدة مؤخرًا مصدره دولة الاحتلال", وهو ما يظهر كيفية و حجم تأثير التوترات السياسية على الأنظمة التكنولوجية التي تعتمد عليها الدول في المنطقه و الاردن احد هذه الدول .
في ظل هذه الظروف، أصبح من الضروري للعاملين في مجال التوصيل مثل زيد أن يعتمدوا على استراتيجيات بديلة للتغلب على مشكلات التوجيه الناتجة عن التشويش، يقول زيد: "عندما أواجه مشاكل في GPS، أبدأ باستخدام الطرق التقليدية مثل ان أتواصل مع الزبائن للاستفسار عن معالم محلية أو طرق بديلة، كما أستفسر من السكان المحليين إذا كنت في منطقة غير مألوفة", وقد أظهرت هذه الاستراتيجيات فعاليّتها في بعض الاحيان، وهذا يمثل توصيات نضال سماره حيث اشار الى ان "الحلول المتاحة حاليا العودة للطرق التقليدية للوصول إلى الأماكن الجغرافية".
لكن الأمر لا يخلو من تحديات أخرى, يروي زيد أنه في إحدى المرات، تأخرت في توصيل طلب بسبب التشويش على GPS، وعندما تواصلت مع الزبون، كانت ردة فعله سلبية جدًا, "على الرغم من أنني اعتذرت وشرحت له الوضع، إلا أنه كان غير راضٍ". هذه التجربة تسلط الضوء على أهمية التواصل الفعّال مع الزبائن و اهميه فهم المشكله و اسبابها من قبل المواطنين حتى يتمكنوا من مراعاه العاملين في حال حدوث اي تأخيرات من قبلهم في اوقات و ضروف مماثله لهذه
من جهة أخرى، يعكس مجدي القبالين، رئيس لجنة الأمن السيبراني في نقابة المهندسين الأردنيين، تأثير التشويش على السوق بشكل أوسع, حيث قال: "أضرار التشويش انسحبت على سوق الإعلانات والدعايات التجارية عبر مواقع التواصل الاجتماعي في المملكة، التي أصبح بعضها يعرض إعلانات موجهة لأسواق دول مجاورة", هذا البيان يبرز كيف أن مشكلة GPS تتجاوز كونها مشكلة تقنية، بل تؤثر أيضًا على الاقتصاد الوطني وتوجهات السوق.
ويشدد القبالين على أن المستخدم هنا هو "الخداع أو الانتحال SPOOFING"، وهو ما يعتبره أكثر خطورة من مجرد التشويش, هذا الأمر يعكس التهديدات المتزايدة للأمن السيبراني في المنطقة، مما يستدعي استجابة فعّالة من الجهات المعنية لمواجهة هذه التحديات.
على الرغم من الأضرار المترتبة على تشويش نظام GPS، إلا أن الأنظمة البديلة لا تزال محدودة، يشير وصفي الصفدي، خبير الاتصالات وتقنية المعلومات، إلى أن "تُستخدم هنا أجهزة تشويش، قادرة على تعطيل أطياف التردد الخاصة بأنظمة الملاحة العالمية"، وهو ما يبرز ضرورة تكثيف الجهود من قبل الحكومة والجهات المختصة لوضع حلول فعّالة لمواجهة هذه التحديات.
في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة الأردنية اتخاذ خطوات للتصدي لهذه المشكلة، قال نضال سمارة إن الحلول الفنية لم تُعط النتائج المرجوة، وأن المشكلة مرتبطة بالأحداث الأمنية والعسكرية في المنطقة. وعلى الرغم من المخاطبات الرسمية مع الدول المعنية، إلا أن الوضع ما زال مستمرًا، مما يتطلب استجابة أسرع وأكثر فعالية.
في الختام، يتضح أن مشكلة تشويش GPS في الأردن ليست مجرد مسألة تقنية، بل هي تعبير عن تأثير الأزمات السياسية على الحياة اليومية للافراد , ومع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا في جميع مجالات الحياة، تبقى الحاجة ملحة للتوصل إلى حلول دائمة, يستمر زيد وزملاؤه في العمل وسط ظروف معقدة، متسلحين بالإبداع والصبر في مواجهة التحديات، مما يبرز قوة التحمل والمرونة لدى الشباب الأردني في مواجهة الأزمات.