
هل الغاز الطبيعي المضغوط هو مستقبل المركبات في الأردن؟

مع توجه الأردن نحو اعتماد الغاز الطبيعي المضغوط كوقود بديل لتشغيل المركبات، يرى خبراء في مجال التكنولوجيا أن هذه الخطوة ضرورية لمواجهة التحديات الاقتصادية والبيئية، وتساهم في تخفيف الأعباء المالية على المواطنين، وخلق فرص عمل جديدة.
يأتي هذا التوجه في ظل تصنيف المملكة كثاني أغلى دولة عربية من بين 5 دول في أسعار البنزين، إذ تعتمد بشكل كبير على استيراد الوقود، حيث يتم تأمين نحو 90% من احتياجاتها النفطية من الخارج، وتفرض ضرائب مرتفعة على المحروقات لتمويل عجز الميزانية، وفقا لتقرير صادر عن منصة الطاقة المتخصصة (مقرها واشنطن) نهاية العام الماضي.
تعد أسعار البنزين في الأردن من بين الأعلى عربيا نتيجة سياسة تحرير الأسعار، التي تربطها بتقلبات أسعار النفط العالمية، وتعلن لجنة تسعير المشتقات النفطية أسعار المحروقات شهريا.
في ظل هذا الارتفاع لاسعار الوقود يرى الخبراء أن الغاز الطبيعي المضغوط يعد خيارا مستداما ومنطقيا، ولكن يتطلب تحضيرات متعددة، مثل تعزيز البنية التحتية، تدريب الكوادر المتخصصة في تحويل المركبات للعمل بالغاز الطبيعي، وتجهيز محطات الوقود لاستقبال المركبات الجديدة التي ستعمل بهذه التقنية.
المحاضر والباحث في تكنولوجيا السيارات محمد بن طريف، في حديثه لـ "عمان نت"، يوضح أن توجه الأردن نحو استخدام الغاز الطبيعي كبديل للوقود في السيارات، جاء نتيجة لميزاته البيئية والاقتصادية، فهو يساهم بشكل كبير في تقليل الانبعاثات الضارة بالبيئة، بالإضافة إلى خفض تكاليف استهلاك الوقود.
ويشير بن طريف إلى أن هذا النوع من السيارات موجود في العديد من الدول منذ ثمانينات القرن الماضي، إلا أن الأردن تأخر في تبنيه لعدة أسباب، يعود لاسباب عدة منها الموقع الجغرافي والظروف المحيطة، إضافة إلى الاعتماد الكبير على سيارات البنزين والديزل، حيث إن إنتاج سيارات الغاز الطبيعي الخالصة (Pure CNG) أقل مقارنة بسيارات البنزين، لذلك، كان التركيز في الأردن على التحويل التدريجي إلى الغاز الطبيعي كخطوة نحو بيئة أنظف.
فوائد التحول إلى الغاز الطبيعي
من فوائد التحول إلى استخدام الغاز الطبيعي المضغوط، يشير بن طريف إلى أهمية خفض الانبعاثات الضارة، حيث يعد الغاز الطبيعي وقودا نظيفا يساهم في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين بنسب كبيرة مقارنة بالبنزين أو الديزل، ويعتبر ذلك حلا مثاليا لتحسين جودة الهواء، مما يساعد في تقليل تأثير التلوث على الصحة العامة.
كما يساهم الغاز الطبيعي في خفض تكاليف الوقود، إذ يبلغ سعره في الدول التي تعتمد عليه نحو نصف تكلفة البنزين، ومع الارتفاع المستمر في أسعار البنزين والديزل عالميا، يمكن للغاز الطبيعي أن يوفر ما يعادل 3-5 دنانير لكل 100 كيلومتر تقطعها المركبة، وفقا لتوضيحات بن طريف
وفيما يتعلق بالكفاءة الاقتصادية، يوضح بن طريف أن تركيب أنظمة الغاز الطبيعي يتطلب تكلفة مبدئية تتراوح بين 600 و850 دينارا، إلا أن هذه التكلفة يمكن استردادها خلال عامين أو أقل، اعتمادا على معدل استهلاك الوقود.
جاهزية الأردن
لنجاح هذا التوجه، يتطلب الـمر إعداد الأنظمة والقوانين والتعليمات المتعلقة بعملية الاستيراد، إضافة إلى تدريب المختصين لبدء العمل في هذا المجال.
في شهر أيار 2024، افتتحت أول محطة للغاز الطبيعي المضغوط في الأردن، بهدف نقل الغاز الطبيعي من حقل الريشة إلى المستهلك النهائي، بطاقة استيعابية تصل إلى 20 مليون قدم مكعبة يوميا.
كما أعلنت وزارة الطاقة والثروة المعدنية مؤخرًا عن طرح عطاء لدراسة إنشاء محطات تزويد المركبات بالغاز الطبيعي المضغوط أو المسال، وتحديد العمولة العادلة للشركات المهتمة بهذا النشاط.
ويرى المدرب في مجال المركبات المهندس معتز المصري في حديث لـ "عمان نت"، أن هذا التوجه يعكس جدية الحكومة في الانتقال إلى الغاز الطبيعي كبديل للبنزين، ومع ذلك، يؤكد أن هذه الخطوة تتطلب تهيئة البنية التحتية اللازمة، بما في ذلك استيراد قطع تحويل المركبات للعمل بالغاز، موضحا أن هذه القطع متوفرة في دول مجاورة مثل مصر والعراق والجزائر، حيث يتم استخدامها على نطاق واسع، ومن السهل استيرادها وتركيبها شريطة الالتزام بالشروط والمعايير المطلوبة.
ويشير المصري إلى أن تحويل المركبات من البنزين إلى الغاز يتطلب خبراء متخصصين لضمان الأمان وتحديد نسبة البنزين المناسبة لدخول المحرك، موضحا أن هذا الخيار بات محط اهتمام كثير من الأفراد، نظرا لارتفاع أسعار السيارات الكهربائية والهجينة، مما يجعل خيار تحويل السيارات للعمل بالغاز أكثر اقتصادية.
أنواع أنظمة التحويل
فيما يتعلق بأنواع أنظمة التحويل المتوفرة في السوق، يذكر المصري وجود ثلاثة أنواع رئيسية، الصينية، والتركية، والألمانية، وتتراوح أسعارها بين 650 و800 دينار، حسب نوع التحويل وحجم الأسطوانة المطلوبة، مضيفا إلى أن حجم الأسطوانة يؤثر على كمية الغاز المخزنة، وبالتالي على المسافة التي يمكن قطعها بالمركبة.
كما يؤكد أن معظم المركبات العاملة بالبنزين، سواء كانت ذات محركات بسعة 1500 أو 2000 أو حتى 3000 سي سي، يمكن تحويلها للعمل بالغاز، ومع ذلك، تختلف معدلات استهلاك الغاز بين مركبة وأخرى.
ومن الإجراءات اللازمة لتحويل المركبات يوضح المصري، التحقق من ملاءمة السيارة، ليس كل المركبات صالحة للتحويل، ينبغي التأكد من أن السيارة مدرجة ضمن قائمة المركبات المسموح بتحويلها وفقا للجهات المختصة، والحصول على التراخيص اللازمة يجب تقديم طلب للجهات الحكومية للحصول على إذن بتركيب نظام الغاز الطبيعي، ويشمل ذلك تحديث شهادة تسجيل المركبة (RC) لتشمل نوع الوقود الجديد بالاضافة الى الصيانة الدورية على الرغم من أن الغاز الطبيعي يقلل من تكاليف التشغيل، إلا أن أنظمة الغاز تتطلب صيانة دورية أكثر مقارنة بالمركبات التي تعمل بالبنزين.
إيجابيات هذا التوجه
تعمل مؤسسة التدريب المهني على تأهيل الطلبة في مجالات الهندسة والميكانيك والمركبات الكهربائية، مما يتيح لهم اكتساب مهارات تقنية متقدمة تمكنهم من تحويل السيارات من العمل بالبنزين إلى الغاز، ويساهم هذا التوجه في خلق فرص عمل جديدة، تشمل إنشاء محطات تزويد وصيانة لأنظمة الغاز الطبيعي، مما يفتح آفاقًا واسعة أمام الشباب الأردني.
إلى جانب ذلك، يسهم هذا التحول في تحسين جودة الهواء وتقليل التلوث الضوضائي الناتج عن عوادم المركبات التقليدية، ورغم أن المركبات العاملة بالغاز الطبيعي تتطلب صيانة دقيقة قد تؤدي إلى زيادة طفيفة في أقساط التأمين تصل إلى نحو 10%، إلا أن التوفير في تكاليف الوقود يعوض هذه الزيادة بشكل كبير.