نساء في الجيش..تعرف على قوة الأردن الناعمة

"ما تفسده السياسة يصلحه الجيش"، جملة تصف المزاج الأردني بالعموم، فبالتوازي مع الأزمات المتكررة يفتخر الأردنيون بجيشهم ويحرصون على الحفاظ على مؤسسة الجيش متماسكة وداعمة للدولة والمجتمع والقيادة،  هذه العبارة قد تصلح أيضا لتأكيد " أن ما تفسده مظاهر عدم المساواة والفرص العميقة بين الجنسين في الأردن تصلحه المؤسسة العسكرية الأردنية التي تنظر لمنتسبيها بعين واحدة بغض النظر عن جنسهم أو انتماءاتهم الدينية أو العرقية.

في البداية لم يكن انضمام النساء للجيش في الأردن بهذه الرومانسية ، فالمجتمع نفسه لم يكن كما هو الآن في خمسينيات القرن الماضي، وقت انضمام النساء للجيش الأردني في سلك التعليم حصرا، اليوم نجدهن في مختلف القطاعات العسكرية على الإطلاق. 

لا تغيب عن بال  الأردنيين صور نساء سلاح الجو الأردني قبل سنوات قليلة وهن يكتبن رسائل وعيد "لداعش" على الصواريخ في رسالة  مزدوجة للعدو من جهة وفخر المؤسسة العسكرية وثقتها بنسائها .

 اليوم  يتسابق الأردنيون من مختلف منابتهم على أن تحظى بناتهن بفرصة للإنضمام للقوات المسلحة  وهو أمر لم يكن متعارف عليه قبل عقود يعود ذلك لعدة أسباب أهمها: الثقة المطلقة  بالمؤسسة العسكرية، ارتفاع نسب التعليم بين الفتيات وبذات الوقت قلة الفرص وارتفاع البطالة بينهن، واخيرا زيادة الوعي المجتمعي بأهمية عمل النساء حتى في القطاعات التي عرف عنها في السابق أنها حكرا على الذكور بدعم حكومي وملكي أكثر.

حيث اعتاد الأردنيون على رؤية سيدات العائلة المالكة الأردنية يرتدين الأزياء العسكرية المختلفة في مناسبات وطنية ورسمية عديدة ، بل إن منهن من اردينها فعلا بحكم انضمامهن فعلا لتلك المؤسسة بقطاعاتها المختلفة، فالأميرة عائشة شقيقة الملك عبدالله الثاني تشغل منصب مديرة لمديرية شؤون المرأة العسكرية،  التي تأسست 1995   لإبراز دور المرأة في القوات المسلحة الاردنية والدلالة على أهميته وإتاحة الفرص لهن للعمل في مواقع عمل جديدة كانت حكرا على الرجال وذلك خارج نطاق المهن الادارية والطبية التقليدية.

أردنيا تحظى نساء العائلة المالكة باحترام وتقدير بالغ ،  وتعكس  مشاركتهن في الجيش  توجها ملكيا داعما للنساء في هذا القطاع  آخرها وأكثرها إثارة الإطلالة الشابة الإحترافية للأميرة سلمى  ابنة الملك عبدالله الثاني.

ارتدت الأميرة سلمى زيها الرسمي كضابط في سلاح الجو الأردني أثناء افتتاحها لمركز  مركز تدريب المرأة العسكرية، في منطقة الغباوي بمحافظة الزرقاء شمال شرق العاصمة عمان، والذي أنشأ بالتعاون ما بين القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي وحلف شمال الأطلسي “الناتو” حزيران 2021.

افتتاح هذا المركز يدلل على أهمية دعم  مشاركة المرأة في  الجيش والعمل المستمر على تطوير هذه المشاركة وصولا إلى درجات أعلى من الاحترافية.

في تصريح  إعلامي للمقدم عمر البقور آمر مركز تدريب المرأة العسكرية   قال  إن "المركز يضم  ميادين و قاعات تدريبية ومختبر الحاسوب قاعات للتدريب الافتراضي  تعقد فيه جميع الدورات التي تهم المرأة في القوات المسلحة وقد تم بالفعل على مدار سنوات  عقد دورات تحتاجها النساء في الجيش بالتنسيق مع مديرية المرأة  منها مراعاة النوع الاجتماعي، وبهذا المركز سيساعد على زيادة عدد الدورات وتحسين نوعيتها ، و أصبح بالإمكان استيعاب أعدادا أكبر من النساء الى الجيش بالإضافة إلى إعداد مدربات سيدات أكثر،ويضم  المركز حضانة للأطفال، لخدمة مرتبات المركز من الإناث من خلال تأمين الرعاية اللازمة لأطفالهن.

 

وأكدت مديرة إدارة شؤون المرأة العسكرية العقيد مها الناصر، في كلمة أثناء افتتاح  مركز تدريب المرأة العسكرية  أهمية المركز في تطوير وتمكين المرأة العسكرية وتدريبها لمواكبة التطورات والوصول إلى درجة عالية من الاحترافية، مضيفة "استطاعت المرأة العسكرية أن تثبت وجودها لتصل إلى ما تسعى إليه من طموح من خلال عملها في القوات المسلحة" .

تعمل المرأة في مختلف الأقسام و القطاعات العسكرية  باستثناء بعض المهام الميدانية والعملياتية ووفقا للموقع الرسمي للقوات المسلحة الأردنية فإن :مجالات عمل المرأة في القوات المسلحة : القيادة العامة وسلاح الجو،  مديرية التعليم والثقافة العسكرية، الوحدات الميدانية ،  كقائد سرية وفصيل ومدربة وتعمل حالياً في الشرطة العسكرية، الحرس الملكي الخاص، الأمن العسكري، قيادة القوة البحرية، مديرية الاستخبارات العسكرية، السيطرة الجوية والشرطة الجوية .

الظروف لم تكن مهيأة بهذه السهولة للنساء الأردنيات في الجيش منذ أن شاركن لأول مرة العام 1950 كمعلمات  في مدارس التربية والتعليم والثقافة العسكرية ، حيث كن 8 معلمات في  أول مدرسة للإناث مطلع الخمسينات، وبقي عدد الإناث في المجال العسكري متواضعاً حتى تأسيس كلية الاميرة منى للتمريض (والدة الملك عبدالله الثاني  وزوجة الملك حسين الراحل ) 1962 و تخرج الفوج الاول من المرشحات عام 1965 وكان عددهن آنذاك ثماني مجندات أيضا.

تقول الدكتورة سوسن المجالي في إحدى محاضراتها  عن أهمية  الدعم المجتمعي لتمكين النساء في مختلف القطاعات  أن والدها عبد السلام المجالي كان طبيبا  و زعيما عشائريا شغل لاحقا مناصب عليا أهمها رئيسا للوزراء  أصر على تدريسها في كلية الأميرة منى للتمريض لتشجيع المجتمع الحافظ في الكرك وباقي المحافظات آنذاك بأهمية هذه المهنة، وكان له ما كان .

 اللواء المتقاعد فلك الجمعاني من العسكريات الأوائل التي استمرت بالترقي حتى وصلت لأعلى رتبة عسكرية قبل أن تحال للتقاعد ،  كانت أول سيدة تدير مستشفى عسكري"ماركا" ، إذ لم يكن من المتعارف عليه في السابق أن تصل السيدة العسكرية أعلى من رتبة عميد إذ يتم تحويلها إلى مستخدم مدني أو تحال للتقاعد، اليوم بات الوضع مختلفا فالترفيع حق للجنسين.

تشير الجمعاني إلى تحديات عديدة واجهتها هي وزميلاتها أثناء مسيرتها العسكرية  التي بدأت منتصف السبعينيات واستمرت لبداية التسعينيات، أهمها أن المجتمع لم يتقبل في البداية أن يرى امرأة بزي عسكري، وتلتحق بالجيش  بل ان رغم كل الإنجازات لا تستطيع نسيان حادثة استبعادها من بورصة الأسماء المؤهلة  لشغل موقع متقدم في المجال العسكري الطبي "مدير الخدمات لطب الأسنان الملكية" حيث قال  لها أحد زملاءها العسكريين انها لا تصلح كونها "إمرأة".

أخطأ الزميل بالتوقعات وحصلت الجمعاني على المنصب وتوالت السيدات العسكريات شغل مناصب متقدمة في مختلف القطاعات العسكرية بكل كفاءة واضحة، دعمها انفتاح مجتمعي لاحق،وتطور مؤسسي ومهني ورعاية ملكية حثيثة،  إذ تحرص  القوات المسلحة الاردنية منذ البدايات على تحقيق مبدأ المساواة بين الذكور والإناث بين منتسبيها وهو ما يؤكده غالبية منتسبي الجيش "فهي مؤسسة بالمحصلة قائمة على احترام الرتب بغض النظر عن الجنس".

 

اللواء المتقاعد محمد البدارين  يقول:  يعتبر إدماج النساء في القطاع العسكري ممارسة إعتيادية في إدارة  الدولة الأردنية التي تعد مقارنة مع دول المنطقة اكثر انفتاحا امام اشراك النساء في مختلف المجالات، وربما يعود ذلك إلى الطابع المجتمعي المنفتح للاردنيين بعكس الظاهر في الإعلام،   الانفتاح والاعتدال والنزعة التقدمية كانت سمة واضحة من سمات الدولة والمجتمع وانعدام التزمت  في إدارة الدولة  وراء تشجيع ادماج النساء في القطاع العسكري بل اصبح اليوم يحظى بإقبال واضح من مكونات عشائرية عريقة .

 

لم يختلف الحال في الأمن العام الذي تم 1972   تدريب  أول   فوج شرطة نسائية في الأردن وكان مكونا من  ( 6 ) فتيات هن النواة للشرطة النسائية،  اليوم تتنوع الواجبات التي تقدمها الشرطة النسائية ومنها  الأمنية الاعتيادية، والمهمات الاستشارية حيث يتم الاعتماد على خبراتهن في الإصلاح والتأهيل  والسير وفي مجال الشرطة المجتمعية، وتطورت لواجبات فريدة ونوعية  كالمداهمة والاعتقالات والقبض على المجرمين بل يشاركن  في قوات حفظ السلام .

يقول مدير إدارة عمليات حفظ السلام العقيد مجدي العبادي "بدأت مشاركة  الشرطة النسائية في قوات حفظ السلام 2007   اليوم مجموع المشاركات 146 مشاركة  في دول الكونغو، قبرص، جنوب السودان دارفور وابييه، تتنوع مهامهن: التعامل مع اللاجئين، بناء قدرات الشرطة المحلية الشرطة الإشراف والتدريب في مجال الإصلاح والتأهيل،

في برنامج (ساعة للمرأة والسلام) الذي يبث على راديو البلد  قالت النقيب المهندس نجوى النجداوي أحد المشاركات في قوات حفظ السلام في قبرص، إن مشاركتها ناجحة وزادت ثقتها بنفسها  واكتسبت خبرات جديدة نتيجة التعامل مع ضباط دوليين، إضافة إلى تحدي السفر والابتعاد عن الأهل، التي واجهتها للانضمام لقوات حفظ السلام  زادت من صعوبتها  جائحة كورونا التي غيرت وعقدت  طبيعة العمل في المهمة، اإلا أنها  استطاعت  تجاوزها بفضل الدعم النفسي والفني من مؤسستها، مشيرة إلى أنها تجربة إيجابية بالعموم تمكنت فيها من  اصطحاب ابنها 8 سنوات الذي يتابع دروسه عن بعد.

 

أضف تعليقك