موسم الهجرة إلى المدارس الحكومية .. ما تبعاتها على العاملين في القطاع الخاص؟
رغم بيان وزارة التربية والتعليم، يوم الثلاثاء الماضي، تفاصيل العملية التعليمية، والإجراءات الوقائية المرافقة لعودة الطلبة إلى مدارسهم مطلع أيلول القادم، إلا أن مشاعر الحيرة والقلق ما زالت ترافق الأهالي في قرارهم ما بين تسجيل أبنائهم في المدارس الخاصّة، أو نقلهم إلى المدارس الحكومية، خاصّة مع تفاقم الوضع الوبائي في المملكة مؤخرًا، وإمكانية عودة التعليم عن بعد.
لم تلقَ تجربة التعليم عن بعد رضى الأهالي والطلبة، فبحسب الإحصاءات التي أوردتها حملة "زودتوها"، المدافعة عن حقوق طلبة القطاع الخاص وذويهم، بينت أن ما يقارب 80 بالمئة من الأهالي غير راضين عن التعليم عن بعد، مما يزيد من قابلية الانتقال إلى المدارس الحكومية في ظل تشابه شكل التعليم في القطاعين، ونُشرت أرقام عديدة في الصحف اليومية تُشير إلى عدد المنتقلين من المدارس الخاصّة إلى المدارس الحكومية كان آخرها 47 ألف طالب وطالبة من مختلف المراحل التعليمية، الأمر الذي دعا "المرصد العُمّالي" إلى البحث عن تبعات هذه "الهجرة" الواسعة على المعلمين في القطاع الخاص.
تخوّف (محمد)، معلّم في مدرسة خاصّة، في محافظة الزرقاء، من تبعات هجرة الطلبة من المدارس الخاصّة إلى المدارس الحكوميّة، وانعكاسها على وضعه إن لجأت المدرسة بتخفيض أجور المعلمين، أو إنهاء خدماته وفقدان وظيفته.
"زملاء كُثر من المعلمين والمعلمات في المدارس الخاصة خسروا وظائفهم في الأشهر الماضية، نتيجة الأوضاع الصعبة التي تبعت فيروس "كورونا المستجد"، أو انخفضت أجورهم، ونجوت أنا من ذلك، لكن هذا الانتقال من المدارس الخاصّة إلى الحكوميّة يعني أن الخاصّة ستكتفي بأقل كادر تعليمي، والاستغناء عن الفائض من المعلمين، وبالتالي جولة أخرى من قلق خسارة الوظيفة والبطالة"، يقول (محمد).
(نور)، معلمة في مدرسة خاصة، في عمّان، توّقعت أن تتحول تخوفات محمد إلى واقع معاش مع بداية العام الدراسي في أيلول القادم، مؤكدةً أن بعض المدارس الخاصّة استغلت، بشكلٍ كبير، كلّ الإجراءات الحكومية خلال جائحة فيروس "كورونا المستجد"، والتفت على النصوص القانونية لصالحها.
وأضافت (نور) قائلة: "مع عودة المدارس، وارتفاع عدد الإصابات، وأوامر الدفاع، ستعود بعض المدارس لسياستها الاستغلالية نفسها، من تخفيض أجور، توقيع كمبيالات، إنهاء عقود وخدمات، وتأخير في صرف الرواتب، كل هذه المعاناة سوف تجدد مرّة أخرى".
أما (منال)، التي فقدت عملها كمعلمة في إحدى المدارس الخاصة في إربد، خلال جائحة "فيروس كورونا"، تحاول منذ أسابيع، البحث عن فرصة عمل جديدة في مدارس القطاع الخاص، لكنها تُقابل إما بالرفض أو تأجيل الموافقة، بسبب ضبابية الحالة الوبائيّة في المملكة، وانعكاسها على العملية التعليمية.
المدارس الخاصّة التي لا تُغلق أبوابها لتعثر أوضاعها، لا تتعاقد مع معلّم جديد، كما حدث مع منال، بل على العكس، قد تلجأ هذه المدارس إلى إنهاء خدمات الأعداد الفائضة عن الحاجة من المعلمين، بسبب انخفاض أعداد الطلبة، وبالتالي انخفاض نسبة الأقساط، مما سيؤدي بدوره إلى عجز المدرسة عن الوفاء بالتزاماتها، ودفع رواتب معلميها كاملة.
يُبين (إبراهيم)، مدير مدرسة خاصّة في عمّان، إن تعثر المدارس الخاصة أو الاضطرار إلى إغلاقها، سيُلقي بظلاله على حال العاملين والمعلمين في المدرسة، الذين سَيفقدون وظائفهم، وسَينعكس أيضًا على المجتمع ككل، بزيادة نسبة البطالة، متسائلًا إن كانت الحكومة قادرة على تأمين فرص عمل لهم، أو على توفير قوة اقتصادية لتستوعب ذلك!
طريق المعلمين/ات والعاملين/ات في القطاع الخاص يؤول إلى البطالة وفقدان الوظيفة أو انخفاض أجورهم تماشيًا مع الظروف المالية الصعبة للمدرسة، كما بيّن (عامر القصص)، مؤسس تجمّع المدارس الخاصّة، الأمر الذي لم ينكره ولم يؤيده نقيب أصحاب المدارس الخاصة، (منذر الصوراني)، حيث أجاب أن كل هذه الاحتمالات "ممكنة"، مضيفًا أن النقابة لا تملك فعل شيء إزاء الوضع الحرج.
أما مصير الطلبة فأكد مدير إدارة التعليم في وزارة التربية والتعليم، (سامي المحاسيس)، أن المدارس الحكومية قادرة على استيعاب جميع الطلبة القادمين لها، عن طريق تحوّيل نظام الدوام إلى فترتين في بعض المدارس، إضافة إلى استئجار مبانٍ أخرى وتحويلها إلى مدارس.
وتابع قائلًا: "لدينا خطط جديّة تستوعب كافّة المنقولين، لكننا نؤكد على ضرورة مراعاة الطاقة الاستيعابية لكل مدرسة، بعض المدارس سجلت القوائم الاحتياطية للطلاب 450 طالب، بينما تستوعب المدرسة 300 طالب فقط".
وردًا على سؤال لـ"المرصد العُمّالي" فيما إذا كان عدد المعلمين في المدارس الحكوميّة يتلائم مع عدد الطلبة الكبير لهذا العام، أجاب (المحاسيس) أن هناك 40 ألف معلم ومعلمة على قوائم التعليم الإضافي لتلبية أي احتياجات للتعليم في المدارس.
وعن نسبة الطلبة المنقولين هذا العام، مقارنة مع الأعوام السابقة، علّق (المحاسيس) قائلًا أن الأعداد "طبيعية جدًا وتوافق الأعوام السابقة"، وأن خسائر المدارس الخاصة "محدودة جدًا"، بينما يعارضه في ذلك (عامر القصص)، معقبًا أن الأعداد "ليست عاديّة، وفيها زيادة واضحة عن الأعوام السابقة".
واتفق (الصوراني)، مع ما ذهب إليه (القصص)، مشيرًا أن حالات النقل من الخاصّة إلى الحكوميّة في السنوات الماضية تجاوزت الـ30، ويُتوقع أن يرتفع العدد إلى 50 ألف هذا العام في ظل الوضع الحرج الذي تمرّ به المدارس الخاصة، إضافة إلى انخفاض نسبة التسجيل فيها.
وبحسب الإحصاءات الرسمية الأخيرة لعام 2019، يبلغ عدد المعلمين في المملكة 146 ألف معلم ومعلمة، منهم 106 آلاف بالمدارس الحكومية، والباقي بالمدارس الخاصة، فيما يبلغ إجمالي عدد الطلبة بمدارس المملكة حوالي 2 مليون طالب وطالبة، وعدد المدارس الحكومية حوالي 4000 مدرسة، و3600 مدرسة خاصّة.