موسم العنب يوفر فرصاً لتشغيل آلاف العمال

يشكل موسم العنب مصدر دخل جيّد لآلاف العاملين في الزراعة خلال الموسم الذي يبدأ في نيسان بقطف أوراق العنب، وينتهي في تشرين الثاني بقطف آخر ثمار العنب. وهو أحد أهم المواسم الزراعية التي ينتظرها عمّال الزراعة لتحسين أوضاعهم الاقتصادية.

 

ويصنف عمّال الزراعة بما فيهم العاملون بموسم العنب، ضمن العمالة "غير المنظمة"؛ إذ لا يحصلون على الحمايات الاجتماعية مثل التأمين الصحي والضمان الاجتماعي، ويعملون بنظام المياومة وبعضهم يحصل على أجور قليلة. وفق ما يؤكده خبراء في مجال الزراعة لـ"المرصد العمّالي".

 

ورغم صدور نظام عمّال الزراعة في أيار عام 2021 لتنظيم عملهم وشمولهم تحت مظلة وزارة العمل، إلا أن النظام لم يجر تفعيله حتى هذه اللحظة، وعلى ضوء ذلك يقول الناطق باسم وزارة العمل، جميل القاضي، لـ"المرصد العمّالي"، إن عمّال موسم العنب لا يوجد لهم تصنيف أو حتى أعداد محددة حول فرص العمل المقدر توفيرها بالموسم، وهم ليسوا من اختصاص وزارة العمل وحدها.

 

وتتنوع مجالات العمل خلال الموسم، فبعضهم يعمل في تقليم أشجار الدوالي ورشّها والاعتناء بها وبيع أوراقها، وبعضهم الآخر يقطف الثمار ويسوقها ويبيعها، وآخرون يحولون الثمار إلى أصناف غذائية أخرى مثل "حلوى الملبن والزبيب"، وفق ما يقوله الخبراء الزراعيون.

 

فاطمة القضاة "أم يوسف" تعمل في موسم العنب منذ 18 عاماً، وفي حديثها إلى "المرصد العمّالي"، تقول: "بعدما توفي زوجي عام 2004 اتخذت من العنب مصدر دخل لي وأسرتي المكونة من 12 فرداً، فعملت بتقليم الأشجار في المزارع المجاورة لمنزلي بمنطقة أم الينابيع في عجلون، بمبالغ زهيدة". 

 

واستطاعت أم يوسف خلال عملها في موسم العنب تأمين كلفة دراسة سبعة من أبنائها في الجامعات وبتخصصات الطب والهندسة، وأنشأت مزرعة للعنب في المساحة التي تحيط منزلها، "راتب زوجي التقاعدي يبلغ 170 دينار، ولم يكن يكفي لتوفير المتطلبات المعيشية لأسرة مكونة من 12 فردا". 

 

وكانت تحصل على أجر يقارب 20 دينار يومياً، "في اليوم الواحد أقوم بتقليم وتركيب ما بين 10 إلى 15 شجيرة، أو أجمع 20 إلى 25 كيلوغراما من أوراق العنب".

 

بينما تحصّل من المزرعة التي أنشأتها، دخلا يصل إلى ثلاثة آلاف دينار في الموسم، "في الوقت الحالي قلّ هذا الدخل بسبب البيوت التي بناها أبنائي في المساحة الزراعية وانخفض الدخل إلى ألفي دينار".

 

وتقسّم أم يوسف عملها في اليوم إلى جزأين، "الأول من السادسة صباحاً وحتى العاشرة، والآخر من الثالثة إلى الثامنة مساءاً".

 

وتوضح أن من أبرز التحديات التي تواجهها خلال عملها: قلة الإمكانات المادية وعدم وجود جهة لتسويق المنتجات، إلى جانب غياب النقل العام وعدم توافر المياه الكافية لريّ شجرات الدوالي، "لمواجهة هذه التحديات اضطررت إلى إنشاء بئر ماء رغم ارتفاع كلف إنشائه، وكنت استخدم النقل الخاص للتنقل إلى مكان العمل".

 

وتستدرك بالقول: "أحياناً كنت أخسر الموسم بسبب بعض الأمراض الفطرية التي تصيب العنب مثل البياض الزغبي والدقيقي، وللأسف الجهات المعنية لم تكن تساعدني أو ترشدني إلى الطرق الزراعية الصحيحة".

 

أما الشاب يزن (24 عاماً) فمنذ سنوات يعمل في إحدى مزارع إنتاج العنب بمحافظة المفرق، ومهمته هي تسميد شجرات الدوالي وقطف ثمار العنب وتعبئتها في صناديق.

 

يقول يزن لـ"المرصد العمّالي" إن عمله يتأثر بسعر العنب في الأسواق، "إذا كان السعر جيّدا أحصل على أجر 12 دينارا يومياً، غير أن الأجر الذي أحصل عليه لا يكفيني وأسرتي المكونة من سبعة أفراد". 

 

ويؤشر إلى أن صاحب العمل في بعض الأحيان "لا يعطيني والعاملين الأجر المستحق ويبرر ذلك بأن سعر البيع لم يغط حتى كلف الإنتاج ولا يملك ما يعطيه لنا". 

 

ويؤكد أنه ليس لديه أي نوع من أنواع الحمايات الاجتماعية مثل التأمين الصحي والضمان الاجتماعي، "عملي ليس ثابتا وفي بعض الأيام لا أعمل".

 

من جانبه، يقول عمر المحاسنة، الباحث بمديرية بحوث الوقاية النباتية في المركز الوطني للبحوث الزراعية، لـ"المرصد العمّالي" إن العمل بزراعة العنب يوفر آلاف فرص العمل المتنوعة، وبخاصة في محافظة عجلون إذ لا تقل الفرص التي يوفرها عن ألفي فرصة عمل دائمة وموسمية.

وتتركز زراعة العنب في محافظات عجلون وجرش والبلقاء والمفرق

ويوضّح المحاسنة أن "فرص العمل في الموسم تتنوع بين جني الأوراق والثمار ونقلها وتسويقها، وعمليات الخدمة الزراعية مثل الحراثة والتقليم الشتوي والصيفي، والتطعيم ومكافحة الآفات الزراعية، إلى جانب العمل بتصنيع المنتجات مثل الخل والمربيات، والمنتجات المجففة مثل الزبيب والخبيصة".

 

ويشير إلى أن "كمية الإنتاج تختلف من موسم لآخر، إلا أن محافظتي عجلون والمفرق هما الأكثر إنتاجاً بين المحافظات، غير أن عدد العاملين بالموسم في عجلون أكثر منه في المفرق، بسبب صغر عدد الحيازات في المفرق فيما عدد العائلات العاملة أكبر في عجلون".

 

وصلت كمية إنتاج الأردن من العنب 54 ألف طن في عام 2019، إذ أنتجت حينها المفرق أكثر من 27 ألف طن بمساحة تقارب 11 ألف دونم، بينما أنتجت عجلون أكثر من ألفي طن بمساحة تجاوز ثلاثة آلاف دونم، وأنتجت جرش أكثر من 300 طن بمساحة ألف وسبعمائة دونم، وفق أرقام دائرة الإحصاءات العامة لعام 2019.

 

غير أن الأرقام الخاصة بإنتاج عجلون تتضارب بصورة كبيرة بين وزارة الزراعة ودائرة الإحصاءات العامة؛ إذ يقول مدير مديرية زراعة محافظة عجلون حسين الخالدي إن المساحة المستغلة في محافظة عجلون بشجيرات العنب تُقدر بنحو 38 ألف دونم وكمية الإنتاج 35 ألف طن سنوياً، "يستفيد أهل المنطقة من هذا القطاع بزيادة دخلهم، ومعظم العاملين فيها من الأسر المالكة للأرضي".

 

ويعزو المحاسنة هذا التضارب بين أرقام دائرة الإحصاءات العامة مع أرقام مديريات الزراعة إلى وجود صعوبة في جمع المعلومات، كما أن العمالة في موسم العنب هي في الغالب أسرية يصعب الوصول إليها، "المساحة المزروعة من العنب هي أفضل دليل عملي، إذ ينتج كل دونم مزروع بأشجار العنب من طن إلى طن ونصف الطن، وعلى هذا يجري تقدير كمية الإنتاج".

 

ويشير الخالدي إلى أن أبرز التحديات التي تواجه العاملين بموسم العنب هو: شح المياه بعجلون، ما يجعل بعضهم يشتري المياه بكلف مرتفعة، وبالتالي ترتفع كلف الإنتاج ما يؤثر على سعر العنب في الأسواق.

 

ويرى أن عجلون بحاجة إلى إقامة مصانع لتصنيع المنتجات الغذائية من العنب لتوفير فرص عمل جديدة واستغلال المنتج بشكل أفضل، وعمل خطط تسويقية جيّدة للمنتجات، إلى جانب تقديم الدعم بمختلف أنواعه للقائمين على مشاريع إنتاج العنب والعاملين فيه. 

 

ومن ناحية أخرى، يمكن أن يتعرض العمّال خلال موسم العنب إلى إصابات أثناء عملهم، وتتنوع الإصابات وفق طبيعة العمل، بعضهم قد يتعرض لضربة شمس أو لدغة أفعى، أو يتأثر بسبب استخدام المبيدات الحشرية، أو الاستخدام الخاطئ للأدوات الزراعية مثل المقص، ما يستدعي الحذر واستخدام أدوات السلامة العامة.

 

وعلى ضوء ذلك، تقول أم يوسف إنها طوال سنوات عملها كانت تراعي إجراءات الصحة والسلامة العامة، وترتدي القفازات والكمامة وحذاءً مخصصا كي لا تتعرض لأي نوع من الأخطار.

 

بينما يقول الشاب يزن إنه تعرض منذ عامين إلى إصابة في رجله اليمنى أثناء عمله، "حينها طلب مني صاحب العمل تصوير صناديق العنب لتسويقها، وكنت على ظهر شاحنة نقل العنب فوقعت على الأرض وأصيبت رجلي".

 

الإصابة التي تعرض لها يزن اضطرته إلى أن يُجري عملية جراحية كلفته 1900 دينار ويتوقف عن العمل لمدة عام ونصف العام، "لم يعترف صاحب العمل بالإصابة وتكبدت كلف إجراء العملية على حسابي الخاص".

 

ويؤشر المحاسنة إلى أن العمل تحت أشعة الشمس المباشرة، وعدم التقيد بإجراءات السلامة العامة للوقاية من خطر المبيدات، إلى جانب عدم شمول العمّال بالضمان الاجتماعي وانخفاض أجور بعضهم، من أبرز الصعوبات التي تواجه العمّال خلال الموسم.

 

ويبين أن المركز الوطني أعد دراسات وأبحاثا تطبيقية متعلقة بالأمراض والآفات التي تصيب منتج العنب وإدخال الأصناف الجديدة وتطويرها، وزيادة خبرة العاملين في مجال إدارة مشاريع العنب، وتدريب عدد من النساء والشباب على تصنيع المنتجات المختلفة وطرق تسويقها، وإشراكهم في المعارض والبازارات المحلية والخارجية.

 

أضف تعليقك