مواطنون صحفيون يخاطرون بحياتهم من أجل "الحقيقة والكرامة" في سورية
يسير محمد الشامي وسط تظاهرة في دمشق، وهو يلتقط صورا بهاتفه النقال لبضع دقائق، ثم يهرب بها إلى مكان آمن قبل أن يطبق رجال الأمن على المتظاهرين.
قبل سنة من اليوم، لم يكن هذا العامل الحرفي البسيط يعلم أنه سيصبح مصدرا مهما لأخبار انتفاضة شعبية تقمع بالدم وتشغل العالم.
والشامي، باسمه المستعار، هو واحد من مئات لا بل آلاف المواطنين- الصحفيين السوريين المنتشرين في كل أنحاء سورية، خصوصا في المناطق التي تشهد اضطرابات منذ منتصف آذار (مارس)، يصورون، ويحمّلون أشرطة الفيديو والصور على مواقع يوتيوب وفيسبوك والمدونات، ويطلون عبر القنوات التلفزيونية الفضائية العربية والعالمية لتزويد العالم بآخر التطورات في بلدهم.
ويقول محمد البالغ من العمر 32 عاما في اتصال هاتفي مع وكالة فرانس برس من دمشق "بدأ كل شيء عندما شاركنا في التظاهرات الأولى في العاصمة التي أنكر النظام حصولها. أردنا أن نثبت كذب النظام".
ويضيف "أردنا أن يصدق العالم أننا ننتفض. فبدأنا بالتصوير".
في إحدى التظاهرات، اعتقلت القوى الأمنية محمد الشامي وكشفت على هاتفه مقاطع مصورة من إحدى التظاهرات. "دفعت ثمن هذه اللقطات غاليا. وتعرضت على مدى 15 يوما لضرب مبرح وشتى أنواع التعذيب قبل أن يتم الإفراج عني".
هذه الحادثة زادت محمد ورفاقه تصميما. "منذ ذلك الحين، طورنا أساليبنا. يبدأ شخص بتصوير التظاهرة، ثم يهرب بعد بضع دقائق، يختبئ في مكان آمن، ويرسل صوره إلى القنوات الفضائية، بينما يكمل آخر التصوير".
وعندما بدأ الإعلام الرسمي يقول إن الصور تعود لتظاهرات قديمة، بدأ الناشطون يكتبون تاريخ التظاهرة ومكانها على لوحة صغيرة يرفعونها أمام عدسة التصوير خلال التظاهرة.
"عمر السوري"، واسمه الحقيقي مظهر طيارة، كان مواطنا-صحفيا قتل مؤخرا تحت القصف في حي الإنشاءات في حمص أثناء توجهه إلى حي الخالدية. كان يحاول إسعاف جرحى أصيبوا بسقوط قذيفة مصدرها قوات النظام، عندما أصيب بدوره بشظايا قذيفة أخرى في رأسه وبطنه وساقه، حسبما أفاد صديق له رفض الإفصاح عن اسمه. وتوفي بعد ذلك بثلاث ساعات.
"عمر السوري" (24 عاما) عمل لصالح وسائل إعلام عدة بينها مجلة "ذي غارديان" البريطانية وصحيفة "داي فيلت" الألمانية. كما قام بمداخلات عدة على قناتي "الجزيرة" القطرية و"سي أن أن" الأميركية.
مظهر طيارة، الابن البكر من عائلة مؤلفة من ثلاثة شبان، كان طالبا في السنة الرابعة هندسة يتكلم الفرنسية والإنجليزية ويطمح إلى تحصيل الدكتوراة. يوم التقى صحفيين ألمانيين دخلا حمص لتغطية التطورات، "قرر أن يصبح صحفيا ينقل للعالم حقيقة ما يجري في بلاده"، حسبما يقول صديقه.
ويضيف الشاب الذي تعود صداقته بمظهر إلى 14 عاما "بدأ بإرسال مقالات إلى صحف هنا وهناك. ثم اشترى بمدخراته آلة تصوير وبدأ يصور".
قبل مظهر، سقط برصاص القوى الأمنية الصحفي- المواطن باسيل السيد (24 عاما) في 29 كانون الأول (ديسمبر) 2011. كان يصور في بابا عمرو في حمص. وفي 20 تشرين الثاني (نوفمبر)، قتل المواطن-الصحفي فرزات جربان في حمص أيضا. وغيرهم كثر، على ما يؤكد أشخاص عاملون في هذا المجال.
ويروي كنان علي الناشط على الإنترنت الموجود في لبنان أن "عمل الأشخاص الذين أخذوا على عاتقهم كسر الحصار الإعلامي كان شاقا للغاية في البداية".
ويقول "كان الشخص نفسه ينظم التظاهرة عبر نشر الدعوة على موقع فيسبوك وتحديد الساعة والمكان. يتفقد المكان قبل التظاهرة للتأكد من أن الخبر لم يتسرب إلى الأمن. ثم يعطي إشارة الانطلاق للتظاهرة، ويشارك فيها".
ويضيف "الشخص نفسه كان يصور بهاتفه الجوال، ويكون آخر من يغادر المكان لكي يراقب إذا حصلت اعتقالات فيوصل الخبر. ويجب أن يساعد الجرحى إذا وقعت إصابات".
وتحسنت مع الوقت نوعية المادة المصورة التي أصبحت أكثر نقاء واحترافا. وباتت اليد التي تصور أكثر ثباتا.
ويؤكد أبو عبدالله التلي (مهندس اتصالات، 26 عاما) الناشط الإعلامي في ريف دمشق، أن ما يقومون به يستحق أن يعرضوا حياتهم للخطر من أجله. ويقول "نحن نقوم بذلك من أجل الحقيقة والحرية والكرامة. ألا يستحق الوطن منا ذلك؟".