من يرفع سقف حرية الإعلام في الأردن؟
"الصحافة هي أفضل لقاح ضد التضليل الإعلامي"، عبارة قالها الأمين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود، كريستوف ديلوار. عربيا، لا بد أن نضيف عبارة "الصحافة الحرّة والإرادة المستقلة"، لكي نعي، نحن الصحافيين العرب، جوهر عملنا وأهمية دورنا في ظل الضغوط السياسية والتحدّيات التقنية التي تقيد عملنا، إضافة إلى الكم الهائل من الأخبار المضلّلة ومصادرها السلطات، بأنواعها ومرجعياتها. والإعلام في الأردن ليس أفضل حالا، فهو جزء من منظومة عربية وإقليمية، رأينا فيها العجب الذي أضاع معنى الحرية من الأساس، فكيف بحرية الصحافة، بل الأدهى أنه بات يُشكَك أصلا بمهنية ومصداقية مؤسسات وإعلاميين اختاروا أن يكونوا فعلا مستقلين.
بحسب بياناتٍ دولية، تراجع الأردن درجةً واحدةً على مؤشّر حرية الصحافة للعام الحالي من ضمن 180 دولة، واحتل المرتبة السابعة عربيا في تراجع حرية الصحافة، والوقائع التي جرت أخيرا، مثل "الفتنة" (قضية الأمير حمزة) و"باندورا" (أملاك الملك عبدالله الثاني العقارية في أميركا) على سبيل المثال لا تحتاج لمنظمة صحافيين بلا حدود، لتخبرنا عربيا ومحليا عن مستوى التراجع الذي طرأ على المؤسسات والأفراد بكل أطيافها.
يقول المنطق إنه لا بد من تحسين واقع الإعلام حتى نرى إعلاما حرّا يمثل الناس، وينطق بلسان حالهم، وليس بلسان السلطة أو المال أو المصالح، مهما اختلف لونها، ولا بد للصحافيين أن يتحرّروا من كل تلك المرجعيات، ويعتنقوا مذهبا واحدا: الاستقلال والمهنية والمصداقية. والتنظيم النقابي المؤمن بهذه المرجعية هو الكفيل بالنهوض بالمهنة ورفع سقفها، وليست المطالبة هنا أن يكون السماء، كما قال الملك عبدالله الثاني قبل سنوات، يكفينا فقط أن يرتفع السقف الإعلامي إلى الحاجة والمصلحة العامة بمعايير مهنية، وهي الوصفة المثالية للتخلص من "دخلاء المهنة"، كما يحلو لسياسيين ولصحافيين تسميتهم.
لا يمكن إغفال دور نقابة الصحافيين الأردنيين في هذا المجال، بل هو دورها الأساسي، على الرغم من طابعها السياسي الذي يطغى على دورها الفني والمهني. على مدار تعدّد المجالس والنقباء والأعضاء منذ تأسيس النقابة، عندما صدر قانونها عام 1953 وما تلاها من تعديلات، كان واضحا، بلا لبس، أهمية شكل نقابة الصحافيين والمفاتيح الذي تتحكّم بمجلسها وتتأثر وتؤثر به، ومدى الإمكانات المهنية والشخصية للرئيس وأعضاء المجلس، ليسهل معرفة التوّجهات العامة، وأين سيتم توجيه الضغط والضغط المضادّ لمعرفة أين يتجه المشهد العام، وكيف يمكن التحكّم به بقدر الإمكان.
وحتى تقوم نقابة الصحافيين بأهم مهامها "رعاية مصالح الهيئة العامة ورفع سوية أعضائها المهنية بالتدريب وتحسين الخبرة، وفتح آفاق لفرص عمل أفضل"، لا بد للنقابة أن تتصدّى لدورها ومهمتها بالشكل اللازم، من دون تدخل أو تأثير، ولا بد من توسعة الهيئة العامة المفترض أن تضم جميع العاملين والعاملات في قطاع الإعلام وخرّيجيه بشروط ميسّرة ومشّجعة، يبلغ عدد أعضاء الهيئة العامة 1142 تقريبا ممن سدّدوا اشتراكاتهم السنوية، وشارك منهم 90% في الانتخابات أخيرا، ومعروفٌ أن إعلاميين كبارا ومؤسّسات عديدة هي خارج سقف النقابة بالمطلق. وقانون العضوية يتشدد في اشتراطاته، وبالتأكيد الإرادة السياسية هي من يتحكّم بالقانون والتطبيق، وهو أمرٌ لا يخدم المهنة بقدر ما يخدم مصالح سياسية أخرى، فنقابة الصحافيين تلعب دورا في صياغة الرأي العام وتوجيهه، اختلفنا أو اتفقنا بشأن حجم ذلك التأثير وعمقه. وهذا ليس التحدّي الوحيد أمام نقابة الصحافيين في الأردن، فهناك تحدّياتٌ مهنيةٌ ومالية، وهناك التدريب ومستوى الحريات، وإشكالات أخرى ما زالت قائمة بدرجات متفاوتة واجهت ما يقارب 28 مجلسا للنقابة منذ تأسيسها. أقل تلك التحدّيات غياب الإعلاميات الأردنيات اللواتي يشكلن 30% من الهيئة العامة عن تشكيلة المجلس الجديد، والذي لم يضم أيا من المرشحات الخمس، إذ لم تخرج النتيجة عن سياقين، أحدهما خاص بالنقابة التي يسيطر عليها الطابع الذكوري، والآخر بمشاركة المرأة في الحياة السياسية في الأردن بالعموم. ولم تنجح الإعلاميات في انتخابات النقابة إلا في ثلاثة مجالس، بواقع إعلامية عضو كل مرة، باستثناء المجلس السابق الذي ضم عضوتين.
ولكي نضمن تأثيرا أكبر وتمثيلا أوسع ومظلة جامعة لنقابة الصحافيين، يجب أن يفسح المجال لتوسعة الهيئة العامة وتنوعها وشمول تمثيلها لكل الألوان والأطياف، ومن ضمنها الإعلاميات، ما يضيء الطريق نحو تحسين المهنة وأوضاع منتسبيها.
*العربي الجديد