مع بداية الحرب على قطاع غزة خرج مقطع قصير لطفلة تبكي بحرقة وتقول "ألعابي راحت بالقصف، بدي ألعاب"، لم يكن المشهد مجرد لحظة عابرة في زحمة الحرب، بل كان الشرارة التي أيقظت إنسانية مجموعة من الأصدقاء والعائلات في الأردن، ليقرروا أن يفعلوا شيئا، مهما كان بسيطا من أجل أطفال غزة.
حيث قررت هذه المجموعة الصغيرة التواصل مع ناشر الفيديو ، والذي لاحقا أصبح المدير الإعلامي للحملة داخل غزة، وأرسلوا له مبلغا لشراء الألعاب، مصحوبا بفيديو يوثق لحظة الفرح الأولى التي رسموها على وجوه الأطفال.
من تلك المبادرة البسيطة، ولدت "الحملة الأردنية" في عام 2023 كمبادرة أهلية بحتة، تحمل شعارها في اسمها من الشعب الأردني إلى أهل غزة.
المنسق العام للحملة الأردنية عبد الرحمن العواد، في حديثه لـ "عمان نت"، يقول أنه خلال أول هدنة قصيرة، قررنا تنفيذ أول نشاط ميداني لنا في خزاعة، كانت البداية بسيطة، لكننا أردنا أن تكون رسالة صادقة من الأردن لأهلنا في غزة، دون أسماء أو شعارات، فقط الإنسانية.
من هناك، امتدت الجهود لتشمل مناطق أخرى من القطاع، وتحولت الحملة إلى شبكة دعم متكاملة تغطي جوانب الحياة الأساسية، من الغذاء والمأوى إلى الدعم الطبي والتعليم.
ويوضح العواد أن منطقة "خزاعة" كانت من أولى المناطق التي تعرضت لتدمير واسع، ومن هناك انطلقت الحملة لتغطي مناطق أخرى داخل القطاع.
مخيمات أردنية في قلب غزة
مع تفاقم النزوح من شمال القطاع إلى الوسط وخان يونس، أنشأت الحملة أول مخيم لها في شهر كانون الثاني 2023، واكتمل بناؤه في شهر نيسان 2024.
يضم اليوم خمسة مخيمات تؤوي أكثر من 260 أسرة نحو 4000 شخص، مزودة بألواح طاقة شمسية للإنارة وشحن الهواتف، إضافة إلى مرافق للاستحمام ودورات مياه وأفران طين صغيرة للطبخ.
ويضيف العواد أنه عند توزيع الوجبات أو الطرود داخل المخيمات، كنا نتواصل أول مع مدير المخيم للحصول على معلومات دقيقة عن عدد الخيام والأفراد في كل خيمة، لتحديد كمية المساعدات بدقة، مشيرا إلى أن النزوح الكبير من شمال غزة إلى المناطق الوسطى وخان يونس أجبر الحملة على إنشاء مخيمات خاصة حملت اسم مخيمات الحملة الأردنية.
ويقول العواد كنا نرى في تلك المخيمات مساحة أمان صغيرة وسط الفوضى، لم نميز بين أحد، فالجميع كان أهلا لنا، ومع حلول الشتاء، وزعت الحملة كسوة شتوية وبطانيات وفرشات لمئات الأسر، لتخفيف وطأة البرد عن الأطفال والعجائز.
من أبرز الصعوبات التي واجهتها الحملة في إيصال المساعدات، يوضح العواد إن أكبر التحديات كانت قلة ما يمكن تقديمه مقارنة بحجم الحاجة الهائل داخل القطاع، موضحا أنه مهما قدمنا كنا نشعر أن ما نفعله قليل جدا أمام المعاناة.
ولم تقتصر الجهود على النازحين، بل امتدت إلى الكوادر الطبية والمستشفيات التي تواجه ضغطا هائلا، فقد كانت الحملة من أوائل الجهات التي تواصلت مع مستشفيات القطاع لتقديم وجبات غذائية خاصة للأطباء والممرضين، إلى جانب دعم مرضى غسيل الكلى الذين يحتاجون تغذية خاصة، بحسب العواد.
كما تعاونت الحملة مع الدفاع المدني وعمال النظافة الذين وصفهم العواد بأنهم أبطال صامتون يعملون في أحلك الظروف.
700 ألف مستفيد... والرحلة مستمرة
حتى اليوم، تجاوز عدد المستفيدين من مشاريع "الحملة الأردنية" 700 ألف شخص، وكانت تكايا الطعام من أبرز مشاريعها، إذ أدارت مطابخ عاملة في شمال غزة ، وجباليا، وبيت لاهيا، وبيت حانون، قبل احتلال المنطقة، وكانت من الجهات القليلة التي واصلت تقديم الوجبات في فترات التجويع الممنهج، بحسب العواد
وفي رمضان الماضي، نظمت الحملة أكبر إفطار جماعي في جباليا بين القرى المدمرة والركام، حضره مئات الأهالي، تلاه أكبر سحور جماعي في خان يونس، حيث امتزجت رائحة الطعام بالأمل.
ومع توسع العمل، دخلت "الحملة الأردنية" في تعاون وثيق مع الهيئة الخيرية الهاشمية، لتصبح المظلة الرسمية التي تمكنها من الاستمرار والتوسع.
ويقول العواد افتتحنا أكثر من مخبز داخل القطاع بدعم مباشر من الهيئة الخيرية الهاشمية، في جباليا وخان يونس، ولاحقا في مدينة غزة أيضا، ونسعى لأن نعلن قريبا عن مشروع جديد مشترك ضمن إطار الهيئة.
بيانات الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية تشير إلى أن حجم مساعداتها إلى غزة منذ بدء الحرب تجاوز 73 ألف طن من المواد الإغاثية، بقيمة تزيد على 212 مليون دولار، استفاد منها نحو 1.4 مليون شخص داخل القطاع.
فيما بلغ إجمالي ما قدمته الهيئة لفلسطين وغزة، والضفة، والقدس منذ تأسيسها أكثر من 556 مليون دولار.
رغم كل العوائق من المعابر المغلقة، إلى نقص الوقود، والهجمات التي طالت بعض الشاحنات تواصل "الحملة الأردنية" وشركاؤها مد الجسور بين عمان وغزة، بإصرار لا يعرف المستحيل.












































