"مقدام".. أول مبادرة لتنمية المهارات القيادية لدى الذكور في المدارس الحكومية

الرابط المختصر

في خطوة تهدف إلى تعزيز الإبداع وريادة الأعمال  بين طلبة المدارس الحكومية، أطلقت مؤسسة جود للتنمية المجتمعية مبادرة "مقدام" كأول برنامج وطني مخصص للطلبة الذكور في الفئة العمرية بين 14 و16 عاما من الصف الثامن حتى العاشر، بهدف تحفيز التفكير الريادي وترسيخ الثقة بالنفس، وتشجيع العمل الجماعي.

ونجحت المبادرة، التي تغطي 900 مدرسة في مختلف محافظات المملكة، في لفت الأنظار إلى قدرات الطلبة الذكور في المدارس الحكومية، الذين غالبا ما يواجهون تحديات مثل ارتفاع نسب التسرب وضعف التحصيل مقارنة بنظرائهم في المدارس الخاصة أو مدارس الإناث.

تظهر الإحصاءات الرسمية الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة عن أرقام لتسرب الطلبة من المدارس خلال العام الدراسي 2023/2024، حيث بلغ عدد المتسربين 11،720 طالبا وطالبة من الصف الأول حتى العاشر الأساسي. 

وتبرز الفجوة بين الجنسين بوضوح في هذه الأرقام، إذ بلغ عدد الذكور المتسربين 6،826 طالبا، مقابل 4،894 طالبة، وسط إشارات إلى أن الأزمات الاقتصادية تمثل أحد أبرز الأسباب وراء هذا التفاوت.

مدير المشاريع في مؤسسة جود عرفات عوض، يوضح لـ "عمان نت" أن مبادرة "مقدام" تعد من المبادرات اللافتة والمتميزة، إذ تستهدف بشكل مباشر مدارس الذكور في القطاع الحكومي.

ويشير عوض إلى أن "مقدام" هي إحدى مبادرات مؤسسة جود، وتهدف إلى غرس بذور ريادة الأعمال لدى طلبة الصفوف الثامن والتاسع والعاشر، عبر تجربة عملية يخوضونها بأنفسهم، يتنافسون من خلالها على مستوى المملكة، ويعبرون عن أفكارهم الإبداعية في مجالات متعددة.

 

مراحل لبناء الريادة

 

خمس مراحل رئيسية يشهدها البرنامج، تبدأ بالتدريب والتمكين، حيث تم تأهيل أكثر من ألف معلم عبر جلسات تدريبية مكثفة عبر الإنترنت، ويشمل التدريب كيفية توليد الأفكار، التمييز بين الأفكار الاجتماعية والرياضية والبيئية، وكيفية اختيار فريق العمل، وتحفيز الطلبة للمبادرة، إضافة إلى كتالوج أفكار عالمي يعرض نماذج شبابية ملهمة من مختلف الدول، ليكون مصدر إلهام للطلبة.

بعد انتهاء التدريب، يتشكل الطلبة في فرق مكونة من ثلاثة إلى أربعة أفراد، ويبدأ التنافس على مستوى المدرسة، ومن ثم تقوم لجنة تضم المعلمين ومدير المدرسة باختيار الفكرة الأبرز، التي تتأهل بدورها للمنافسة على مستوى المديرية، وصولا إلى التنافس على المستوى الوطني.

ويؤكد عوض ما نريده من هذا البرنامج ليس فقط أفكارا ريادية، بل بناء شخصية الطالب، من خلال تعزيز ثقته بنفسه، وتشجيعه على التفكير الإيجابي، وتمكينه من التعبير عن فكرته أمام الجمهور، سواء في الإذاعة المدرسية أو أمام لجنة التحكيم الوطنية.

ويشير إلى أن البرنامج شمل هذا العام نحو 900 مدرسة في مختلف محافظات المملكة، من الأغوار الشمالية حتى العقبة، بعد أن انطلقت التجربة الأولى في عام 2024 على نطاق ضيق في عشر مدارس فقط.

فيما يتعلق بالتحديات يقول عوض بأنه واجهنا تحديات، خاصة في مدارس الذكور، لكننا فوجئنا بمدى الحماس والرغبة لدى الطلبة في التعبير عن أفكارهم، كان واضحا أنهم بحاجة لمن يستمع إليهم ويمنحهم المساحة ليبدعوا.

ويعمل فريق المبادة على ربط الفرق الفائزة من المراكز الأربعة الأولى بمؤسسات داعمة في عمان، لمساعدتهم على تطوير مشاريعهم وتحويلها إلى نماذج حقيقية على أرض الواقع، كما سيوفر الدعم اللازم للمدارس التي لم تفز، بهدف تعزيز الاستدامة وتوسيع نطاق المبادرة في المستقبل.

 

مشروع ريادي من العقبة

 

من المشاركين  في مبادرة "مقدام"، مدرسة الملك عبدالله الثاني للتميز العقبة، حيث قدم الأستاذ رأفت البطران وطلابه مشروعا رياديا يحمل اسم  H2PPويهدف إلى استخراج الهيدروجين والكلور من مياه البحر الأحمر باستخدام تقنية التحليل الكهربائي المدعوم بالطاقة الشمسية، دون الاعتماد على أي مصدر من مصادر الطاقة الأحفورية.

ويشرح البطران أن المشروع يتكون من شقين، استخراج الهيدروجين والكلور من مياه البحر، واستغلال الهيدروجين لاحقا في تشغيل المركبات أو استخدامه كمصدر طاقة نظيف في تطبيقات متعددة.

وعن مشاركة طلابه في المبادرة، يقول البطران "منذ اليوم الأول لاحظنا تفاعلا وحماسا كبيرا من الطلبة، شعروا أن لديهم مساحة حقيقية لعرض أفكارهم ومناقشتها بحرية، وكثيرون منهم كانوا مترددين في البداية، لكنهم تطوروا سريعا وبدأوا يبدون شغفا حقيقيا في إيجاد حلول لمشكلات واقعية من حياتهم اليومية."

 

مهارات ترافق الطلبة مدى الحياة

 

ويضيف أن المبادرة لم تعلم الطلبة مفاهيم ريادة الأعمال فحسب، بل غرست فيهم روح العمل الجماعي، ومهارات البحث، والتفكير النقدي، والعرض أمام لجان التقييم، وهي مهارات سترافقهم طوال حياتهم، وستشكل فارقا في مستقبلهم الأكاديمي والمهني.

ويؤكد أن هذه القفزة النوعية في تفكير الطلبة كانت ثمرة الجلسات التعريفية التي قدمتها مبادرة "مقدام" عبر الإنترنت، والتي عرضت أمثلة واقعية لأفكار ريادية من مختلف أنحاء العالم، ما ألهم الطلبة وقدم لهم نماذج حية يمكن الاحتذاء بها.

وعن تجربته الشخصية كمشرف للمشروع، يقول البطران "تعلمت الكثير واكتشفت أن طلابنا يمتلكون قدرات هائلة، وإذا وفرنا لهم البيئة المناسبة والثقة، سيحققون نتائج مبهرة، مضيفا ان طلاب في سن الخامسة عشرة تمكنوا من تحويل فكرة علمية إلى مشروع قابل للتطبيق، حيث أن التجربة دفعتني لإعادة التفكير في دوري كمعلم  لم أعد أقتصر على نقل المعلومة، بل أصبحت شريكا في بناء شخصية مبدعة وواعية.

 

إنجاز على مستوى المملكة

 

يتابع بفخر حققنا المركز الثالث على مستوى المملكة، وهذا الإنجاز لم يكن ليتحقق لولا دعم مديرة المدرسة الفاضلة، منال رضوان، التي ذللت لنا العديد من العقبات، وساهمت بتوفير الإمكانات المطلوبة لإنجاح المشروع، ويقدم شكر للمعلمين، وبخاصة الأستاذ أحمد المراعية، الذي قدم كل الدعم والمعلومات الفنية التي ساعدت في تطوير الفكرة.

هذا ويمنح الفائزون في المبادرة أربع جوائز مالية تصل الأولى منها إلى 1000 دينار، يتم توزيعها بين الطالب والمعلم المشرف، كما تمنح الفرق المتميزة فرصة ربط مشاريعها بمؤسسات داعمة في عمان والمحافظات، لضمان الاستدامة وتحويل الأفكار إلى مشاريع فعلية.

من جهتها، تخطط مؤسسة جود لتوسيع نطاق المبادرة في الأعوام القادمة، لتصبح منصة مستدامة لإطلاق طاقات الشباب وتعزيز دورهم في التغيير المجتمعي من داخل البيئة المدرسية.