مساع لإلغاء الجلوة العشائرية.. هل تنجح الحكومة في ذلك ؟
بعد مرور ثلاثة أعوام على تطبيق وثيقة الجولة العشائرية التي خفضت ترحيل أهل الجاني والذي كان يصل أحيانا إلى الجد الخامس لتقتصر على القاتل وأفراد أسرته الذكور فقط، تسعى الحكومة إلى الغائها بشكل كامل نظرا لمخالفتها القوانين المعمول بها والدستور، وما تشكله من انتهاكات لحقوق الإنسان.
في تصريحات أخيرة، يصف وزير الداخلية مازن الفراية الجلوة بأنها غير قانونية من الأساس، وتعتبر معاناة كبيرة ودمارًا للعائلة.
وعلى الرغم من تمسك البعض بأهمية الجلوة وشرعيتها، إلا أن هناك دعوات متزايدة للحد من آثارها أو إلغائها نهائيا، للتخفيف من التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها الأسر المتضررة جراء انتقالهم القسري من مكان إلى آخر.
شروط الجلوة
في عام 2021، تم الإعلان عن وثيقة ضبط الجلوة العشائرية، التي تنص على اقتصار تطبيق الجلوة على قضايا العشائرية لقتل فقط، نصت الوثيقة على أن "المشمولين بالجلوة هم، القاتل، ووالده، وأبناؤه من الذكور فقط "، وقد اعتبرها البعض خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح.
لتطبيق الجلوة، يتوجه الحاكم الإداري المعني إلى أهل الجاني لأخذ ما يسمى بالعطوة الأمنية، وهي فترة مدتها ثلاثة أيام وثلث، يسمح لأهل الجاني وأقاربه بمغادرة مكان إقامتهم دون أن يتعرض إليهم أهل المجني عليه، ويوقع على صك العطوة ممثلون عن أهل المجني عليه وممثلون عن الأمن العام ووزارة الداخلية، عملية الإجلاء تتم بمعرفة الحاكم الإداري وإشرافه.
وقبل تعديل الوثيقة، كانت تصل عقوبة الجلوة العشائرية بترحيل أهل الجاني وكل من له صلة قربى به تصل أحيانا إلى الجد الخامس من المنطقة التي يتواجد فيها أهل المجني عليه وبأعداد تتراوح بين 50 الى 1500 شخص لمدة قد تمتد من أشهر إلى سنوات.
العادات والتقاليد تتطور
من خلال تعامل الشيخ طلال صيتان مع العطوات العشائرية وفقا لوثيقة ضبط الجلوة العشائرية بعد سنوات من تطبيقها، يرى أن هناك تقبلا متزايدا من العائلات لها، خاصة أنها تتعلق بجرائم القتل، معتبرا أن الوثيقة تمثل خطوة أولى نحو إلغاء الجلوة نهائيا.
ويؤكد صيتان في حديثه لـ "عمان نت"، أن الجلوة العشائرية تشكل تحديا كبيرا للعديد من العشائر فيما يتعلق بإلغائها، ولكن في ذات الوقت هناك مطالبات مستمرة بضرورة التخفيف من تأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية والنفسية.
ويرى صيتان أن العادات والتقاليد يجب أن تتطور بناء على التغيرات المجتمعية، حيث أصبح التنقل بين المناطق أكثر صعوبة نظرا لارتباط الأفراد بوظائفهم وأملاكهم وتعليمهم، مما يستدعي تحديث هذه العادات ومعالجة سلبياتها وتعزيز إيجابياتها.
ويشير إلى أن الأجهزة الأمنية هي المسؤولة عن تطبيق الجلوة، بهدف حقن دماء الأسر والتخفيف من عمليات التخريب والانتقام، مؤكدا أن هذه الأجهزة قادرة على التعامل مع تداعيات إلغاء الجلوة من خلال القوانين والتشريعات السارية.
تنص المادة 7/2 من الدستور على أن "كل اعتداء على الحقوق والحريات العامة أو حرمة الحياة الخاصة للأردنيين جريمة يعاقب عليها القانون"، كما أن مهام وزارة الداخلية حماية الحريات العامة في حدود الدستور والتشريعات المعمول بها وذلك سندا لأحكام المادة 3 من نظام التنظيم الإداري لوزارة الداخلية رقم 22 لسنة 1996.
ومن ضمن مهام الحاكم الإداري، صون الحريات العامة وحقوق المواطنين وتحقيق العدالة بين الجميع في حدود استقلال القضاء وضمن سيادة القانون وذلك سنداً لأحكام المادة 9 من نظام التشكيلات الإدارية رقم 37 لسنة 1995.
تباعات الجلوة
تضطر العائلات التي تفرض عليهم الجلوة العشائرية على الانتقال من محافظة إلى أخرى، مما يؤدي إلى فقدان بعض أفرادها لوظائفهم، و صعوبات في نقل أبنائهم إلى مدارس جديدة، وإغلاق محالهم التجارية مما يسبب لهم ضائقة اقتصادية ، إلى جانب ذلك ترحيل النساء وتضطر هذه العائلات إلى ترك منازلها واستئجار اخرى في مكان سكنهم الجديد.
مختص في قضايا الجنايات المحامي صلاح جبر يعتبر أن الجلوة العشائرية تتعارض مع أبسط حقوق المواطن المكفولة في الدستور، والتشريعات المعمول بها والمواثيق الدولية المصادق عليها، من أبرزها الأمن الشخصي و التنقل واختيار مكان الإقامة، إتلاف الممتلكات ، العمل، التعليم، الرعاية الصحية وممارسة حق الانتخاب.
ويشير جبر إلى أن وجود محكمة مختصة بقضايا القتل، تنظر في هذه القضايا وتعمل في ظل سيادة القانون ووجود مؤسسات وأجهزة أمنية تحمي جميع الأطراف وتمنع وقوع الجرائم، بما في ذلك ما يعرف بـ"فورة الدم"، وفي حال وقوع جريمة قتل، تقوم قوات الأمن بتطويق منازل الجاني لمنع ارتكاب جريمة انتقامية من قبل أهل الضحية.
وأكد جبر أن إلغاء الجلوة العشائرية لا يعتبر ضربة للتقاليد والعشائر، حيث وقع معظم الشيوخ والعشائر على وثيقة ضبط الجلوة العشائرية، معترفين بأن الترحيل يعد ظلما لأهل الجاني.
إعلان من مركز الحياة حول الجلوة
في إعلان سابق أصدره مركز الحياة لتنمية المجتمع المدني يختص بـ الجلوة العشائرية يؤكد فيه أن الاستمرار بفرضها يقوض سيادة القانون وينتهك مبدأ شخصية العقوبة التي لا يجوز ايقاعها إلا على الجاني وحده وعدم جواز امتدادها إلى عائلته أو أقاربه.
ودعا الإعلان إلى تعزيز منظومة القيم المجتمعية الحميدة لنبذ العنف بجميع أشكاله من خلال إحلال السلم المجتمعي والعمل على تبني البرامج والخطط لهذه الغاية، منتقدا المركز في اعلانه استمرار تطبيق الجلوة بالرغم من إلغاء القوانين العشائرية بموجب القانون رقم 34 لسنة 1976، وهي قانون محاكم العشائر لسنة 1936 وقانون تأسيس محكمة استئناف عشائرية لسنة 1936 وقانون الإشراف على البدو لسنة 1936.
وأبدى المركز قلقه من فرض الجلوة في بعض الاحيان، من قبل الحكام الاداريين بالاستناد إلى قانون منع الجرائم رقم 7 لسنة 1954 الذي يعتريه شبهة دستورية والمنتقد وطنيا بالرغم أنه لم ينص على استخدامه في حالة الجلوة إذ حصر هذا القانون الفئات التي يطبق بحقها على سبيل الحصر وليس من ضمنها عائلة و أقارب الجاني وذلك سندا لأحكام المادة 3 من هذا القانون.
ودعا المركز المؤسسات الرسمية وغير الرسمية إلى الإسهام في تعزيز وترسيخ مبدأ سيادة القانون من أجل تحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين على صعيدي الفكر والممارسة ومناهضة جميع أشكال الانتقام الفردي أو الجماعي باعتباره تعديا على هيبة الدولة ومؤسساتها قبل أن يشكل تعديا على حقوق وحريات المواطنين.