مجلس شكاوى الجمهور على الإعلام: إنصاف للمتضرر وحماية للصحفي

مجلس شكاوى الجمهور على الإعلام: إنصاف للمتضرر وحماية للصحفي

مجلس الشكاوى المقترح في الاستراتيجية الوطنية للإعلام لن يكون للحكومة دور في تأسيسه، إدارته أو تمويله. “المطروح أن يقوم الجسم الصحفي نفسه بتنظيم نفسه من دون تدخل حكومي. هذه أول عبرة أخذناها من تجربة المجلس الأعلى للإعلام”، يقول أمين عام وزارة التنمية السياسية وعضو اللجنة الحكومية للاستراتيجية الوطنية للإعلام، مالك الطوال.

ومن الثغرات التي رافقت تجربة لجنة الشكاوى في المجلس الأعلى للإعلام الذي ألغي قبل ثلاث سنوات، وفقا للكاتب وعضو المجلس الأعلى للإعلام، د. باسم الطويسي، “آلية تشكيله واستقلاليته وتركيبة أعضاء المجلس الذي كان يوصف بأنه حكومي، وهذا صحيح لأن الحكومة كانت تختار أعضاءه، ولا يوجد فيه تمثيل حقيقي لكافة وسائل الإعلام”.

هيئة إدارية مستقلة

لن يكون للحكومة أي علاقة بهيكلية أو عمل المجلس، يؤكد الطوال، مبينا أنه “لا دور للحكومة في تشكيل الهيئة الإدارية المشرفة على المجلس واللجان الفرعية التي تشرف كل منها على الإعلام المرئي والمسموع أو المكتوب أو الالكتروني، وآليات عمله ومدونة السلوك الخاصة به”.

“المجلس سيكون بمبادرة من قطاع الإعلام نفسه، من يريد من الجسم الصحفي أن يكون جزءا من المجلس سيقوم بتشكيله بعد أن يوافق على مدونة السلوك الخاصة بالمجلس، وبذلك يحاسب نفسه وفقا للمدونة التي أقرها ووقع عليها”، يقول الطوال لعين على الإعلام.

ويشدد الطوال على وجوب “أن يكون لنقابة الصحفيين دور ريادي في تأسيس وإدارة المجلس مع مشاركة كافة مؤسسات المجتمع المدني المتخصصة في مجال الإعلام والهيئات الإعلامية الأخرى”.

ويلفت الطويسي إلى ضرورة منح المجلس نوعا من الاستقلالية من خلال قانون يوفر ضمانات لذلك. ويقترح أن “تقوم لجنة ملكية بتشكيله وأن تكون مرجعيته البرلمان وليس الحكومات، إذا تفاءلنا أن المرحلة القادمة ستشهد ازدهارا في الحياة البرلمانية بعد تطوير التشريعات، وأن يكون المجلس ممثلا لوسائل الإعلام بتنوعها: مرئي ومسموع ومكتوب وإلكتروني، مجتمعي وخاص وحكومي، نقابة الصحفيين وغيرها، إضافة إلى خبراء يتمتعون باستقلالية ومصداقية”.

هذا بالإضافة إلى ضرورة أن “تشمل تركيبة المجلس لجنة للشكاوى وأخرى للطعن في نتائج التحكيم، وهذه آلية لفض النزاعات بالطرق الطوعية بين الإعلام وجمهوره أو داخل المجتمع الإعلامي نفسه”، يقول الطويسي لعين على الإعلام.

تمويل يضمن الاستقلالية

المساهمة الحكومية في تمويل مجلس الشكاوى ستكون “في حدها الأدنى لضمان استقلالية المجلس عن الحكومة”. خلافا لتمويل مركز التدريب الذي جرى مناقشة تمويله من الميزانية العامة، وفقا للطوال. أما مراجعة التشريعات فلا تحتاج إلى تمويل.

وعن مصادر تمويل بديلة يستشهد الطوال بتجارب دول أخرى تم فيها تمويل المجلس من اقتطاع جزء بسيط من عائدات الإعلانات في وسائل الإعلام، إضافة إلى تبرعات من جهات محلية أو من الأمم المتحدة “بوصفها منظمة محايدة ولا تؤثر على عمل المجلس”.

لكن يمكن أيضا ضمان استقلالية المجلس حتى لو بقي تمويله من خزينة الدولة، كما يرى الطويسي، “فالخزينة العامة تتضمن أموال دافعي الضرائب وتخضع لرقابة البرلمان، والدولة ليست الحكومة وبالتالي فإن الأموال العامة ليست ملكا للحكومة وحدها”.

وتبقى الحاجة إلى جدية الحكومة في نيتها عدم التدخل في مجلس الشكاوى. فقد واجه المجلس الأعلى للإعلام محاولات تدخل حكومية غير مباشرة. يقول الطويسي أن المجلس الملغى عانى من “أجواء غير صحية نتيجة الموقف السلبي من المجتمع الإعلامي نفسه تجاه المجلس، وذلك بسبب التدخلات الحكومية ومحاولات الحكومة للتأثير على الإعلاميين لاتخاذ مواقف سلبية منه”.

ويضيف: “نحتاج إلى جسم إعلامي جديد يطور تجربة المجلس الأعلى للإعلام ويستفيد من الأخطاء التي شابته لكنها لم تصل إلى تبرير إلغائه. كان هناك لجنة شكاوى في المجلس الأعلى للإعلام نشطة ومستقلة في مراحل معينة، وكانت تضم مجموعة من الخبراء والقضاة وقانونيين يتمتعون بمصداقية وسمعة جيدة. وإلغاء المجلس الاعلى للإعلام كان أحد الأخطاء التي ارتكبت، كان يجب معالجة الأخطاء وإجراء تعديلات على قانون المجلس وهو ما كان مطروحا”.

إشكالية قانونية

يتيح مجلس شكاوى الجمهور على الإعلام فرصة الوساطة بين الصحفيين والجمهور المتضرر من التغطية الإعلامية، تفاديا للتقاضي في المحاكم.

يرى المحامي المتخصص في قضايا الإعلام، محمد قطيشات، أن مجلس الشكاوى كشكل من أشكال التنظيم الذاتي للجسم الإعلامي أفضل للصحفيين من التنظيم القانوني باللجوء للقضاء والمحاكمة وفقا للتشريعات الناظمة للإعلام وما يترتب عليها من عقوبات.

لكن يوجد تشريعات قد تعيق إنشاء مجلس الشكاوى، يوضحها قطيشات: “أولا، تعريف من هو الصحفي، هل سيتم اعتماد التعريف الوارد في قانون المطبوعات والنشر بأنه فقط العضو في نقابة الصحفيين؟ وبالتالي يكون الصحفيون غير المسجلين في النقابة خارج عمل مجلس الشكاوى. ثانيا، إشكالية عدم وجود تعريف قانوني جامع مانع للمواقع الالكترونية الإخبارية وإن ورد تعريف في قانون المطبوعات والنشر ولكنه ربط بالتسجيل في سجل خاص بدائرة المطبوعات والنشر، فما حال المواقع التي لا ترغب بالتسجيل؟ وهناك أيضا اشكالية التقاطع بين عمل مجالس التأديب في نقابة الصحفيين وبين عمل مجلس الشكاوى، إضافة إلى طبيعة المهام التي ستعطى لمجلس الشكاوى ما بعد إصدار القرار، هل سيكتفي بطلب تصحيح الخطأ أو نشر اعتذار أو فقط توجيه انتقاد ولوم لما نشر أو بث، هل قرارات المجلس ملزمة؟

أزمة ثقة

من التحديات التي قد يواجهها مجلس الشكاوى كسب ثقة جمهور الإعلام وضمان تفاعله وإقبال المتضررين منه على تقديم شكاوى، وبخاصة عامة المواطنين، لكي لا تقتصر الشكاوى على المسؤولين الرسميين ممن اعتادوا اللجوء لمقاضاة وسائل إعلام أو صحفيين تعرضوا لهم بالنقد، سواء فيما يتعلق بأدائهم الوظيفي العام أو بحياتهم الشخصية.

آية الموسى، ناشطة على شبكات التواصل الاجتماعي ومراقبة للتغطية الإعلامية، تقول لعين على الإعلام: “لا يتم التعامل مع المواطنين كشخصيات يمكن اغتيالها، المسؤولون هم فقط الشخصيات التي تتم مراعاتهم وأخذهم بالاعتبار. لذلك يضيع حق المواطن”.

وتصف نفسها بأنها “متضررة، كمواطنة، من تغطيات وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء غير المستقلة والموجهة، ابتداء من مذيعين يحقرون المواطن مثل الوكيل والحويان، انتهاء بالصحف الحكومية التي تستغبي المواطن”.

وتجد آية أن فكرة مجلس الشكاوى جيدة، “على الأقل قد توصل ما يريده المواطن من وسائل الإعلام وتشعر الإعلاميين بأن هناك متضريين من تغطيتهم وأن هناك من يراقبهم وقد يحاسبهم”.

لكن الجمهور لا يلجأ إلى الشكوى للجهات المختصة. وهو ما تعزوه آية إلى “غياب الثقة بجدوى الشكوى وفاعلية هذه الجهات، ولا يوجد ثقة بأن المواطن يسمع صوته. كما أن الجمهور يعتقد أن الإعلاميين الذي يسيئون للمواطنين مدعومين ولا يمكن محاسبتهم”.

لن يكون موعد تأسيس مجلس الشكاوى قريبا، فهو مرتبط بالجدول الزمني لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للإعلام المقرر في خمس سنوات، وفقا لعضو لجنة الاستراتيجية، الطوال. والبداية ستكون بالمحور الأول وهو مراجعة التشريعات الناظمة للإعلام وحرية التعبير، والثاني مركز للتدريب الإعلام تتشارك فيه الهيئات الحكومية والخاصة ذات العلاقة، والثالث مجلس الشكاوى وفيه الدور الرئيس للقطاع الإعلامي الخاص.

للاستماع للحلقة والاطلاع على المواضيع الإعلامية: عين على الإعلام

أضف تعليقك