مجلس الأمن العاجز عن تنفيذ القرار رقم 2712 بشأن غزة

بعد طول انتظار، اعتمد مجلس الأمن في تاريخ 15 تشرين الثاني القرار 2712 لسنة 2023 الذي يهدف إلى إقامة هُدن وممرّات إنسانية عاجلة ممتدة في جميع أنحاء قطاع غزة والإفراج الفوري ومن دون شروط عن كل الرهائن. حصل القرار على تأييد 12 عضوا وامتناع الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والمملكة المتحدة عن التصويت. وعليه، نجح المجلس في استصدار قرار حول التصعيد في غزة وإسرائيل منذ 7 تشرين الأول 2023، بعد 4 محاولات تمّ إجهاضها سابقا إما بفعل استخدام الفيتو أو عدم الحصول على العدد الكافي من الأصوات.

وفي 29 تشرين الثاني 2023، اجتمع مجلس الأمن للمرة الأولى للنظر في مدى الالتزام بالقرار وسط حضور وزراء من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وغيرها من الدول. وبعد الانتهاء من المداخلات، بات الاجتماع أقرب إلى توجيه نداءات إلى “وقف إنساني لإطلاق النار” بسبب الوضع الكارثي في غزة كما جاء في كلمة أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس. في حين أشار رئيس وزراء ووزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن الثاني أن الهدنة (التي انتهت أمس) وتبادل الرهائن كانت نتيجة الجهود الدبلوماسية لدولته بالاشتراك مع مصر والولايات المتّحدة الأمريكية. وأدان بعض ممثّلي الدول بشدّة الأزمة الإنسانية التي تتكشف، وأثنوا على وقف القتال المستمر، ودعا البعض إلى التنفيذ الكامل للقرار 2712. بالمقابل أشار مندوب إسرائيل إلى أن اليوم يصادف مرور 76 عاما على قرار الجمعية العامة بتقسيم فلسطين إلى دولتين، واحدة عربية والأخرى يهودية وإنه من المفارقة الدعوة إلى وقف إطلاق النار والسلام لأن “كل دعوة لوقف إطلاق النار تعني أن حماس تحصل على فرصة للبقاء. ومن الممكن أن تنتهي الحرب اليوم إذا أعادت حماس جميع الرهائن وسلّمت جميع الإرهابيين الذين شاركوا في المذبحة”. وأضاف أن قادة حماس، وكذلك الحوثيون في اليمن وآيات الله في إيران، جميعهم مدفوعون بنفس الهدف – إبادة إسرائيل والقتل الجماعي لليهود. بعد يومين، تجاهلت إسرائيل جميع الدعوات لإطالة الهدن ووقف إطلاق النار لتستكمل عدوانها على غزة. 

إلا أنه بمعزل عن المواقف المتخذة وتشديد الأمين العام للأمم المتحدة على ضرورة التوصل إلى وقف دائم للعدوان على ضوء العدد المتزايد من المدنيين وبخاصة الأطفال، يبقى أنّ مجلس الأمن ما يزال عاجزا عن فرض الالتزام بقراره رقم 2712. وهذا ما يفتح مرة أخرى النقاش حول طبيعة القرار والإصلاحات الواجبة على آلية عمل مجلس الأمن.

طبيعة القرار رقم 2712

من المعلوم أن مجلس الأمن يملك صلاحية إصدار أشكال مختلفة من القرارات بموجب الفصلين السادس والسابع من ميثاق الأمم المتحدة. والفارق الجوهري بين القرارات، أنها عندما تصدر بموجب الفصل السادس فهي تكون مجردة عن أيّ آلية للتنفيذ جبرا، وإن تبقى من حيث المبدأ ملزمة عملا بالمادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة Not legally enforceable, but legally binding ما لم يستخدم مجلس الأمن عبارات يستشف منها أنه في معرض إصدار توصية أكثر مما هو في معرض إصدار قرار. الأمر يختلف في حال صدرت هذه القرارات بموجب الفصل السابع، إذ يجوز استخدام تدابير عسكريّة أو غير عسكريّة مثل الحصار والعقوبات الاقتصادية لغايات تنفيذها.

والسؤال المطروح كيف يمكن لنا أن نحدّد فيما إذا صدر قرار مجلس الأمن بموجب الفصل السادس أو الفصل السابع؟

التفرقة سهلة في كثير من الأحيان؛ إذ أن اللغة المستخدمة في العديد من القرارات تشير بشكل واضح إلى الفصل السابع أو إلى مادة ضمن الفصل السابع. وهناك أمثلة عديدة على ذلك منها  القرارات المتعلقة بالعراق مثل القرار 712 لسنة 1991؛ إذ جاء في متن ” … إذ يتصرف بموجب الفصل السابع”، وكذلك القرارات السابقة ذوات الأرقام 660، 661، 664، 665، 666، 667، 669، 770، 674، 677 الصادرة في العام 1990. والقرارات المتعلقة بروندا، خاصة تلك الصادرة في العامين 1994 و1995 وأبرزها القرار رقم 955 لسنة 1994 الذي يهدف إلى إنشاء محكمة دولية لمحاكمة مجرمي الحرب؛ إذ تم التأكيد على أنه تمّ أخذ القرار بموجب صلاحيات مجلس الأمن بموجب الفصل السابع وكذلك الأمر بالنسبة للقرارات المتعلقة بيوغسلافيا السابقة، والعبارة ذاتها تم استخدامها في القرار رقم 1757 لسنة 2007 بشأن إنشاء محكمة خاصة في لبنان. 

حتى في مجال المساعدة الإنسانية وتلبية الاحتياجات الإنسانية الملحّة، نجد أن مجلس الأمن لم يتردد في استخدام عبارة “أنه يتصرف بموجب الفصل السابع” كما هي الحال بالقرار رقم 2615 لسنة 2021 الخاص بأفغانستان.

لكن ما هي قوة القرار إذا لم تتم الإشارة إلى الفصل السابع؟

في هذه الحالة، لا بدّ من دراسة اللغة المستخدمة في القرار والغرض أو الهدف منه، فضلا عن القرارات السابقة المتعلقة بنفس الموضوع. لكن التجارب السابقة تثبت أن عدم إشارة القرار إلى الفصل السابع يعني أنه صدر وفق الفصل السادس.

وبالعودة إلى قرار مجلس الأمن رقم 2712 لسنة 2023، نجد أنه خلا تماما من الإشارة إلى الفصل السابع، وبالتالي هذا مؤشر مهم أنه صدر بموجب الفصل السادس. كما يُلاحظ أنه عندما خاطب القرار أطراف النزاع، استخدم عبارة “يدعو إلى” ثلاث مرات لغايات إقامة هدن وممرّات إنسانية آمنة والافراج الفوري غير المشروط عن جميع الرهائن والامتناع عن حرمان السكان المدنيين في قطاع غزة من الخدمات الأساسية والمساعدة الإنسانية. في حين استخدم “يطالب” عندما خاطب أمين عام الأمم المتحدة بتقديم تقرير شفوي حول تنفيذ هذا القرار والتأكيد على امتثال جميع الأطراف لالتزاماتها بموجب أحكام القانون الدولي بما في ذلك القانون الدولي الإنساني.

هناك العديد من الآراء المعتبرة تقول بأنه عندما يستخدم مجلس الأمن عبارات مثل “الدعوة” أو “التأييد”، فإن ذلك يجعل المحتوى غامضا فيما يتعلق بالإلزاميّة القانونيّة[1]

وقد تمّ اتباع هذا الأسلوب في قرارات مشابهة، مثل القرار 1322 لسنة 2000 الذي صدر بسبب ما بات يعرف باسم الانتفاضة الثانية ودخول آرييل شارون الحرم الشريف، حيث “دعا” القرار إلى الوقف الفوري لأعمال العنف وإلى استئناف المفاوضات في إطار عملية السلام بالشرق الأوسط، علما بأنه لم يتم احترام بنود هذا القرار من قبل إسرائيل لاحقا.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن جميع قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالقضية الفلسطينية قد خلتْ من الإشارة إلى الفصل السابع، مما يرجح شمولها بموجب الفصل السادس، بالإضافة إلى تعمّد استخدام لغة غير واضحة تحتمل أكثر من تفسير كما هي الحال بالنسبة لقرار 242 لسنة 1967 الذي صدر بالإجماع، دون الإشارة إلى الفصل السابع. ويلحظ أنّ إسرائيل استفادت من بعض الإبهام في القرار لتعتمد قراءة خاصّة يصعب فهمها من ناحية المنطق القانوني، قوامها أنه نصّ على وجوب الانسحاب من بعض الأراضي المحتلة وليس من كلها، عملا بالقاعدة الدولية يِعدم جواز الاعتراف بضمّ أراضٍ محتلّة. وكذلك استخدام عبارة “تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين” التي تحتمل العديد من التفسيرات.

حتى القرارات التي تشكل إدانة لإسرائيل أو الطلب منها القيام بعمل محدد أيضا، فلم تتم الإشارة فيها إلى أنها صدرت بموجب الفصل السابع، مثل القرار 2334 لسنة 2016 الذي يدين بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة الفلسطينية وهدم المنازل وتشريد الفلسطينيين.

جهود لإصلاح مجلس الأمن

وفي إطار متصل، أنهت الجمعية العامة بالأمم المتحدة نقاشها حول الإمكانيات المتاحة لإصلاح آلية عمل مجلس الأمن في 17 تشرين ثاني 2023. من خلال النقاش، أكدت عدة دول أعضاء بالجمعية العامة ضرورة التحول من الآليات القديمة وغير العادلة من القرن المنصرم إلى آليات أكثر تطوراً وشفافية لتمكين مجلس الأمن من اتخاذ إجراءات فعّالة. وأشارت دول أخرى إلى أن استخدام حق النقض (الفيتو) بشكل متزايد من قبل بعض الأعضاء الدائمين قد شلّ مجلس الأمن في السنوات الأخيرة، مما أضعف مصداقيته ومصداقية المنظمة ككل. وأشارت أوكرانيا إلى أنه من غير الملائم بمكان أن يكون لدولة دائمة العضوية بمجلس الأمن الحق بممارسة حق النقض أثناء النظر في حالات تكون فيها ذات الدولة طرفًا مباشرًا في النزاع، مع التأكيد على أن حق النقض لا ينبغي أن يكون “سلاحاً للكراهية والحرب”. وأكدت دولة السلفادور على ضرورة تقييد استخدام حق النقض في حالات الجرائم الجسيمة ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.

من جهتها، شدّدت روسيا على أهمية حق النقض كوسيلة لإنقاذ الأمم المتحدة من “مغامرات مشكوك فيها”، مشيرة إلى أن استخدامه أنقذ العالم من مشهد مخجل تمثل في محاولة الولايات المتحدة وحلفائها الدفع بقرار لصالح العمليات الإسرائيلية في غزة. وأعربت روسيا عن رفضها لفكرة إلغاء حق النقض، مؤكدة أنه إذا لم يكن مدرجًا في ميثاق الأمم المتحدة، فإن المجلس سيصبح أداة تخدم مجموعة محدودة من الدول.

المطالبات الأخرى بالإصلاح شملت أن يكون تمثيل أكبر للقارة الأفريقية بمجلس الأمن مع زيادة عدد عدد الأعضاء فيه من 15 إلى ما بين 21 و27 دولة، مع تحقيق توازن بين فئات العضوية. وشددت الكثير من الدول على أهمية تحقيق تمثيل جغرافي عادل وتعزيز التنوع في المجلس، وأهمية تحقيق توازن جيد بين الدول الصغيرة والمتوسطة والكبيرة في تمثيل المجلس.

بالرغم من أهمية هذه الجهود، إلا أن احتمالية تعديل ميثاق الأمم المتحدة للحدّ من استخدام الفيتو تكاد تكون منعدمة،  لأن هذا التعديل بحاجة إلى أغلبيّة ثلثيْ الأعضاء في الجمعية العامة البالغ عددهم 193 دولة وبموافقة تسعة من أعضاء مجلس الأمن، وعدم استخدام الفيتو من قبل الدول الخمسة دائمة العضوية.

أضف تعليقك