مجازر غزة، كلاكيت سابع مرة

 

قارب العدوان الإسرائيلي على غزة أن يكمل شهره الأول راسماً صورةً ومخلفاً واقعاً بشعين جماعهما وخلاصتهما الدم الطاهر المسفوك بآلة قتل تحركها غريزة الانتقام من أطفال ونساء ورجال لم يكن لهم يد في شنّ هجوم السابع من أكتوبر ولم يسألهم أحد عن رأيهم مع أنهم أول من يدفع الثمن دما وبكاءً على شهيد يشيعه شهيد كما قال الشاعر الراحل محمود درويش.

في نظرة تحليلية مقارنة لشعارات وهتافات ومطالب الحراكات الشعبية المناصرة لغزة أو على الأقل المناهضة للحرب فيها في الدول العربية وأمريكا والدول الأروبية، يمكن ملاحظة البون الشاسع في مركز اهتمام الجموع المؤيدة وما يعتبرونه قضيةً مصيريةً يدافعون عنها ويناصرونها.

ففي حين يرفع المتظاهرون في أمريكا وأروبا شعارات جميعها تصب في ضرورة وقف إطلاق النار والتنديد بقتل الأطفال والنساء والتذكير بأرقام من سقط منهم بلا ذنب جناه بقذائف جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث يتصدر شعارات هؤلاء المتظاهرين مثلا "أوقفو إطلاق النار فورا.. أوقوفو قتل الأطفال فورا.. حياة سكان غزة مهمة.."، تجد أن شعارات متظاهري الدول العربية التي يمكن لبعض شعوبها التظاهر تنصب على قيم: "الانتقام.الانتقام، يا كتائب القسّام.. يا قسّام يا حبيب، اقصف اقصف تل أبيب.. لا إلاه إلا الله الشهيد حبيب الله.. جهاد جهاد نصر أو استشهاد.."، دون أن تسمع شعارات غالبة حول قيمة حياة من يسقطون مثل أوراق الشجر في غزة من الأبرياء وضرورة حقن دمائهم والمحافظة على حياتهم في مشهد يؤكد استهانة شعوبنا بقيمة الحياة وعدم الشعور بالخجل من التحدث من فوق منصات استعراض المهارات الخطابية في وقفات ومهرجانات التأييد من تخدير الضمير والقبول بسفك الدماء تحت عبارات من قبيل: "الحرية لها ثمن ولا بد من دفعه بالدم.. أهل غزة قدرهم الدفاع عن الأمة ونصرتها.. مع كل شهيد يرتقي يولد ألف جديد.."، وما إلى ذلك من الشعارات التي تعكس استهانة ربمة بقيمة الحياة والمستقبل.

إن قتل الأطفال والنساء والشباب في غزة جرم مشين لا يقل عنه شيناً اعتياد مشاهدته وإيجاد أسباب ومبررات للتعاطي معه برضى واستهانة، فعلى كل من يعتبر أن الموت شيء طبيعي في غزة أن يحمل طفله بين يديه ويذهب إلى هناك راضياً أنه ربما تأتي عليه لحظة يحمل فيها صغيره أو صغيرته بين يديه في كيس أشلاءً ممزقةً مواسياً نفسه بما يقوله هو عن أهل غزة: "لا بأس.. فهذا متوقع.. وغداً ننجب بدل الولد عشرة".

حياة أطفال غزة ونسائها وشبابها وشيوخها أغلى من كل شيء وأبدى من كل شيء وأولى من كل شيء، فهي أغلى من الأرض والعرض، فما قيمة الوطن دون مواطنين وما قيمة الأرض دون من يعمرها وهي على عروشها خاوية، فعار على كل من يتعامل مع دماء أهل غزة الطاهرة وكأنه في مزاد وليته طرفاً فيه بل متفرج تَنبَل يبحث عمّا يرفع الأدرنلين لديه بهتافات تحط من قيمة حياة غيره وتمجّد موتهم. المجد لحياة أهل غزة وعلى كل حرّ أن ينادي فقط بحقن دمائهم وحق أطفالهم أن يلعبوا ويحلموا ويتعلموا ويختاروا ويقرروا مصيرهم بأنفسهم لا بأماني من يتفرج عليهم ولا بأجندات من تسلّط على رقابهم وتحكم بمقاديرهم، أما إجرام إسرائيل، فهو العامل غير المتغيّر في هذه المعادلة الذي يجب أن يتعامل معه أهل الضفة والقطاع، فالقاتل السيكوباتي الذي يقتل ليروي الظمأ المقدّس لألاهه المتعطش لدماء الإغيار؛ لا مجال للتحدث عنه ولا معه.

كما في كل مرة، سوف تنتهي الحرب وتشيح العيون عن غزة ومناظر الدمار والأشلاء فيها وسوف تنصرف الآذان لسماع أشياء أخرى غير بكاء الأمهات والأباء والأطفال المفجوعين المكلومين، ليُترَك أهل القطاع ليواجهوا وحدهم ووحدهم فقط آثار المجازر الإسرائيلية المستمرة وليلملموا جراحهم الغائرة ويستجمعوا عقولهم الحائرة ويقفوا على أقدامهم الخائرة حتى يحين موعد اللقطة التالية ويصيح المخرج: "مجازر غزة! كلاكيت سابع مرة".

 

أضف تعليقك