متى نقطع إجازتنا ؟

متى نقطع إجازتنا ؟
الرابط المختصر

أكدت لي مصادر مقربة أن إحدى القنوات التلفزيونية الأردنية تدخل للمحلات والبقالات الصغيرة في الأحياء طالبين تصوير مقابلات معهم حول الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يمرون بها.

 

بطبيعة الحال الناس بحاجة لنقل معاناتهم المالية وضيق المعيش الذي تعاني منه شرائح المجتمع المنهكة بالقروض والشيكات المرتجعة و"الحركة الميتة" كما يصفون، وبعد تصوير المقابلة يقوم المخرج بإخراج دفتر الوصولات ويطلب "ببجاحة" بدلا ماليا تحت ذريعة دعم القناة بمبالغ تتفاوت ما بين 50 إلى 500 دينار.

 

ولا بد أنك صادفت عند مغادرة العمل وقت الذروة في العاصمة محاولا ركوب سيارة صفراء، أن يقوم سائقها بإنتقاء الركاب، أو مفاصلتك على الأجرة وتشغيل العداد، أو تحميل ركاب آخرين بالطريق، أو رفض نقلك من منطقة لأخرى بحجة الازدحام أو "معي طلب بعد ربع ساعة"، أو "أعطيني زيادة وبوخدك بخمسة".

 

أو أنك تعمل في مؤسسة ما، تعاني ضائقة مالية، فيبدع المسؤولون عنك بتحميلك واجبات وظيفية فوق طاقتك _ قد لا تعلم عن آلية تنفيذها شيئا _ دون زيادة على المرتب الشهري، من باب تخفيض النفقات وزيادة فاعلية الموظف وإكسابه مهارات جديدة.

 

هل تطوّر الاستغلال الاقتصادي إلى هذه الدرجة؟ حتى بات الواحد منّا مستعدا لترسيخ وتمكين عبوديته، مقابل عدم حرمانه مرتبه الشهري الذي قد لا يسد رمق عياله ولا يكفيه إلى آخر الشهر؟

 

يقول أدونيس "إعتقاد الإنسان بأنه يمتلك الحقيقة هو مصدر كل قمع، فهذا الاعتقاد يعتقل العقل: عقل الذات، وعقل الآخر، ذلك أن كلّ اعتقاد من هذا النوع هو بالضرورة إرادة سياسية، وممارسة القوة المرتبطة به، إنما هي الإرهاب والطغيان، بل ربما أصبح قتل الآخر بالنسبة إلى الذات التي تعتقد هذا الإعتقاد، جزءاً لا تكتمل إلا به، لأنه يمثل لها الانسجام ويمثل السلام والخلاص".

 

يقودني أدونيس لإنتقاد الصمت الرهيب الذي أتقنه الناس، فبمجرد حديثي على منصة فيسبوك عن الاستغلال والعمل غير الأخلاقي للفضائية ذاتها حتى بدأت التعليقات تنهال حول هذه الممارسة التي تعرض لها العديد من ذوي الأصدقاء ومنذ فترة زمنية.

 

هذا الخوف من الازدحامات وعدم استيفاء الأجرة المناسبة وعدم تركيب مواطنين آخرين، والرعب المتزامن مع القهر المتولد في صدر الموظف من فكرة جفاف مصدر دخله فيما لو اعترض على عبوديته لمديره، وتفضيل العيش بسلام وخلاص "وهمي" سبب رئيس في تراجع الأوضاع وتأخر التقدم العلمي والعملي لدى الكثيرين في المجتمع.

 

"باطلة تلك الاعتقادات والتعاليم التي تجعل الإنسان تعسا في حياته"، فالصمت شيء سلبي وقد يأثر على مستقبلك.

 

قل لي: يا عزيزي ما الذي جناه الحكام المتسلطون على شعوبهم؟ وما الذي جناه صديقك وقريبك من سكوته على ظلم مديره له؟ ما الذي جناه رافعوا الشعار الشعبي "فخار يطبش بعضه"، و"بهمش" و"مدخلناش".

 

إن هذا الصمت الفردي المنسوخ يقود لتخريب المجتمع, وتدمير الإنسان السليم, والقضاء على شخصيته, وآدميته, وجعله أقرب إلى مطالب جسده, وإشباع شهواته البهيمية ليتكرر مسلسل "أكل شرب عمل نام".

 

ولطالما أخبرنا المحللون عن ظاهرة "الأغلبية الصامتة"، بفهم السياسي، والذي أفهمه بصمت أصحاب الحقوق عن الظلم والتجاوزات والاعتداءات التي تقع عليهم مساهمين بشكل مبطن في وقوع الجرائم والاعتداءات واتساع رقعة انتشارها بيننا.

إنها "ثقافة الصمت الاجتماعي السلبي القاتل" التي تمكن مديرك من هضم حقوقك المصانة بالقانون، وتقول للمستغل استمر، فالناس نيام، وتقول لك "اليوم في مصاري بالنسبة لبكرا شو ؟".

 

متى نقطع إجازتنا ؟