تباينت الآراء على منصات التواصل الاجتماعي حول مبادرة وزير الداخلية مازن الفراية، التي حملت عنوان "تنظيم الظواهر الاجتماعية" والتي تهدف إلى التخفيف من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية عن المواطنين بين مؤيد يرى فيها خطوة نحو ضبط المغالاة التي باتت تثقل كاهل الأسر، ومعارض يعتبرها مساسا بالعادات والتقاليد الراسخة في المجتمع الأردني.
المبادرة تضمنت جملة من الإجراءات أبرزها اقتصار بيوت العزاء على يوم واحد فقط، وعدم دعوة أصحاب المناصب السياسية لترؤس الجاهات، إضافة إلى الدعوة لتقليل المهور والحد من المبالغة في حفلات الأعراس والمواكب.
وزارة الداخلية بدورها طلبت من الحكام الإداريين عرض المبادرة على المجالس التنفيذية والأمنية ومؤسسات المجتمع المدني والوجهاء والمواطنين لتبنيها والتوقيع عليها، في خطوة تُظهر رغبة رسمية في إعادة ترسيخ قيم الاعتدال والتكافل الاجتماعي والعودة إلى البساطة التي تميز المجتمع الأردني.
تأتي المبادرة في وقت يواجه فيه المواطن الأردني ضغوطا معيشية متزايدة، إذ تشير تقارير أطلس أهداف التنمية المستدامة لعام 2023 إلى أن عدد الفقراء في الأردن بلغ نحو 3.98 مليون شخص، أي ما يعادل 35% من إجمالي السكان، مع تحديد خط الفقر الوطني للفرد عند 7.9 دولارات يوميا.
وفي تقرير سابق، أعلن أن 15.7% من السكان يعيشون تحت خط الفقر وفقا لنتائج مسح دخل ونفقات الأسرة لعام 2017، في حين بلغ متوسط دخل الفرد الشهري نحو 198 دينارا، أي ما يعادل 2,377 دينارا سنويا.
وتظهر هذه الأرقام مدى الضغوط التي تواجه الأسر في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، وغلاء السكن، وزيادة معدلات البطالة، خصوصا بين الشباب الذين يجدون صعوبة في الإقبال على الزواج أو إقامة مناسبات اجتماعية مكلفة.
تفاعل مجتمعي بين التأييد والتحفظ
عدد من النشطاء والمواطنين عبروا عن تفهمهم لنية المبادرة في محاربة المظاهر المبالغ فيها، لكنهم رأوا أن المشكلة أعمق من تحديد عدد الضيوف في الأعراس أو تقليص أيام العزاء، معتبرين أن الأزمة الحقيقية تكمن في الظروف المعيشية الصعبة وارتفاع تكاليف الحياة.
المحامية رنا سعد التل كتبت تقول "نحن نعلم أن الهدف من هذه القرارات هو التخفيف عن الناس، لكن الشاب اليوم يواجه تحديات أكبر من مجرد تنظيم حفلة خطوبة أو عرس، الراتب لا يكفي، والإيجارات مرتفعة، والقروض تثقل كاهله، الفرح حق طبيعي، لكن الحل ليس بتحديد أعداد المدعوين، بل بتحسين أوضاع الشباب وتوفير فرص عمل كريمة."
وفي السياق نفسه، علق المواطن عمر الدردور بقوله "بدلا من إطلاق مبادرات تتعلق بالمظاهر الاجتماعية، كان الأجدر بالحكومة العمل على رفع الرواتب وتحسين البنية التحتية والصحة، فالعزوف عن الزواج سببه قلة العمل وضعف الدخل، وليس فقط غلاء المهر أو تكاليف الأعراس."
كما وجه الشيخ زايد السميران المساعيد رسالة انتقاد للمبادرة، معتبرا أنها تمس الموروث الاجتماعي والعشائري، ويقول إن "العادات والتقاليد جزء من هوية الأردنيين، والعزاء والجاهات والمناسبات الاجتماعية تعبير عن التكافل والكرم، لا يمكن اختصارها أو تقنينها بقرارات رسمية."
في المقابل، رأى آخرون أن المبادرة تحمل بعدا إيجابيا وتستحق الدعم، إذ كتب المواطن محمد البرغوثي "مبادرة طيبة جدا، لكنها تحتاج لأن تبدأ من قناعة الناس أنفسهم، فالبساطة لا تفرض بقانون، بل تنبع من الوازع الديني والوعي المجتمعي، المبادرة تذكير مهم بضرورة محاربة الإسراف والعودة إلى جوهر القيم الاجتماعية."
وبين مؤيد يرى في المبادرة خطوة توعوية تهدف لتخفيف الأعباء عن المواطنين، ومعارض يخشى من تقييد الموروث الاجتماعي، تبقى التساؤلات مطروحة حول كيفية تحقيق التوازن بين الحفاظ على التقاليد الأردنية الأصيلة ومواكبة الظروف الاقتصادية التي تفرض مزيدا من التبسيط والاعتدال في المناسبات الاجتماعية.
التغيير يجب أن يكون نابعا من المجتمع
يؤكد مدير مركز الثورية للدراسات وأستاذ علم الاجتماع الدكتور محمد الجرابيع أن وزارة الداخلية تعد جهة سيادية مسؤولة عن تنظيم شؤون الناس وحياتهم اليومية وحماية النظام العام، إلا أن المبادرة في جوهرها تتعلق بالعادات والتقاليد الاجتماعية أكثر مما تتعلق بالقوانين.
ويشير الجرابيع إلى أن المجتمع بطبيعته قادر على التكيف الذاتي مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية دون الحاجة إلى قرارات رسمية تفرض عليه، مستشهدا بأن بيوت العزاء كانت تمتد في الماضي لأسبوع أو أكثر، ثم تقلصت إلى ثلاثة أيام، واليوم تكتفي بعض الأسر بتقديم العزاء في المقبرة مباشرة بعد الدفن.
ويرى أن هذه التحولات دليل على ديناميكية المجتمع الأردني وقدرته على إعادة تنظيم ذاته تدريجيا، مضيفا أنه كما اختفت مظاهر إطلاق العيارات النارية التي كانت جزءا من الأفراح في السابق، يمكن للمجتمع أن يحد من المظاهر المبالغ فيها تدريجيا دون تدخل حكومي مباشر.
ويؤكد الجرابيع أن المبادرات ذات الطابع الاجتماعي ينبغي أن تنطلق من داخل المجتمع نفسه عبر الوجهاء ومؤسسات المجتمع المدني والمخاتير، لأن إصدارها من جهة رسمية قد يفهم على أنه تقييد للحريات الاجتماعية أو تدخل في الموروث الشعبي.
ويبين أن بعض المظاهر الاجتماعية رغم مبالغتها، إلا أنها تحرك قطاعات اقتصادية محلية مثل المطاعم ومحال الحلويات والزهور والملابس، مشيرا إلى أن تقنينها المفرط قد ينعكس اقتصاديا على فئات واسعة من العاملين في هذه الأنشطة.
كما يضيف إلى أن تحديد عدد أفراد الجاهة بـ30 شخصا مثلا لا يراعي طبيعة التركيبة العائلية الأردنية، إذ إن بعض الأسر الصغيرة تتجاوز هذا العدد من الإخوة والأبناء والأحفاد.
ويرى أن تحديد المهور أو الحد من الأعراس الكبيرة لا يمكن فرضه إداريا، لأن عقد الزواج وثيقة دينية وقانونية تمنح فيها العروس حق وضع الشروط المناسبة لها، مشددا على أن معالجة المغالاة في المهور تحتاج إلى توعية مجتمعية وتثقيف ديني وليس إلى قرارات رسمية.
بين التقاليد والواقع المعيشي
في بلد تبلغ فيه نسبة الفقراء نحو 35% من السكان، ومتوسط الدخل لا يتجاوز 200 دينار شهريا للفرد، يبدو أن محاربة المغالاة في المناسبات الاجتماعية لن تكون كافية وحدها، ما لم ترافقها خطط اقتصادية عادلة وإصلاحات معيشية حقيقية تعيد التوازن إلى حياة المواطن الأردني بين التمسك بالتقاليد والقدرة على مجاراتها اقتصاديا، بحسب الخبير الاقتصادي حسام عايش.
ويشير عايش إلى أن المبالغة في الإنفاق على المناسبات الاجتماعية تعد ظاهرة تعمق الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، وتعتبر وسيلة لاستعراض المكانة الاجتماعية بدلا من كونها إنفاقا منتجا.
ويضيف أن هذه المظاهر تثقل كاهل العائلات بمصاريف تفوق قدراتها، وقد تصل تكاليف حفلة واحدة إلى ما يتجاوز الدخل السنوي للأسرة، مشيرا إلى أن العلاقات الاجتماعية أصبحت محكومة بشكل متزايد بالعامل الاقتصادي، حيث غدت المناسبات ساحة لإبراز القدرة المالية والمكانة الاجتماعية، وهو ما يتناقض مع روح المشاركة والتكافل.
هذا تسعى مبادرة "تنظيم الظواهر الاجتماعية" إلى معالجة مظاهر الإسراف والمغالاة في المجتمع الأردني، في ظل ضغوط اقتصادية ومعيشية متزايدة تطال شريحة واسعة من المواطنين.












































