ماذا وراء زيارة الملك المرتقبة إلى رام الله؟
أثار الإعلان عن توجه الملك عبدالله الثاني، إلى رام الله الأسبوع المقبل، تساؤلات حول دوافع الزيارة، ودلالات توقيتها، في ظل توقعات بتفجر الأوضاع في فلسطين المحتلة مع دخول شهر رمضان.
ونقلت قناة "المملكة" شبه الرسمية، عن مصدر مسؤول، قوله إن الملك سيلتقي رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في رام الله، في زيارة تأتي بعد نشاط أمريكي ملحوظ في المنطقة، قاده نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي هادي عمرو، الذي زار الأردن وفلسطين الأسبوع الفائت، كما التقى مسؤولين إسرائيليين.
وبحسب السفارة الأمريكية في إسرائيل، فإن "عمرو سلط الضوء في مباحثاته على الحاجة إلى تحسين جودة الحياة للفلسطينيين"، و"شدد في جميع لقاءاته على أهمية امتناع الإسرائيليين والفلسطينيين عن الخطوات التي تؤدي إلى تفاقم التوتر، وتقويض الجهود المبذولة للدفع نحو حل الدولتين المتفاوض عليه".
وقبل ذلك بنحو أسبوع، التقى ملك الأردن وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، وبحثا "تكثيف مساعي تحقيق السلام العادل، على أساس حل الدولتين".
وقالت وسائل إعلام إسرائيلية في حينه، إن اللقاء بحث أيضا "التهدئة، وتجنب التصعيد في فلسطين خلال شهر رمضان، وعدم المساس بالوضع التاريخي والقانوني في القدس".
إحياء عملية المفاوضات
ويرى وزير الإعلام الأردني الأسبق، سميح المعايطة، أن أسباب زيارة الملك لرام الله يمكن فهمها من زيارة وزير خارجية "إسرائيل" يائير لابيد لعمان مؤخرا، والتنسيق الدائم بين الأردن والسلطة، واللذان يتعلقان بشكل عام بفكرة بناء حالة تفاوض فلسطينية إسرائيلية، وهي التي توقفت منذ سنوات طويلة.
وأضاف لـ"عربي21": "لعل هذه الزيارة مرتبطة أيضا بزيارة الرئيس الإسرائيلي للقاهرة، واللقاء المصري - الإماراتي - الإسرائيلي"، الذي عقد الثلاثاء في مدينة شرم الشيخ المصرية.
وبالنسبة لدلالات التوقيت، أوضح المعايطة أن "الأمر مرتبط بتحرك في الإقليم؛ إسرائيل جزء منه"، مشيرا إلى أن "الأردن لديه أجندة واضحة في السعي لإعادة عملية التفاوض الفلسطينية الإسرائيلية، رغم أن هدفه لم يتحقق خلال السنوات الأخيرة؛ نتيجة مواقف الحكومات الإسرائيلية، لكن تبقى المحاولة قائمة".
وشكك الوزير الأسبق بما قالته قناة كان العبرية، الاثنين، من أن زيارة العاهل الأردني لرام الله الأسبوع المقبل، تأتي كـ"محاولة لمنع تصعيد أمني مع إسرائيل خلال شهر رمضان".
وقال المعايطة إن ذلك "ربما لا يكون دقيقا تماما؛ لأن التصعيد من الجانب الفلسطيني يكون ردا على إجراءات إسرائيلية في القدس، أو في أماكن أخرى".
"رمضان" ساخن
لكن المحلل السياسي عريب الرنتاوي، يرى أن زيارة الملك جزء من حراك إقليمي دولي واسع، أحد محاوره المشهد الفلسطيني، الذي يبدو أنه بانتظار رمضان ساخن في القدس وجوارها، خاصة بعد عملية بئر السبع أمس، والأجواء التي خلقتها في عموم المناطق الفلسطينية المحتلة.
وأشار إلى أن الحراك السياسي الأخير في المنطقة، إضافة إلى زيارة بلينكن المقررة لفلسطين بعد أيام للقاء مسؤولين إسرائيليين وفلسطينيين، يشي بأن ثمة تقديرات أمنية واستخبارية متطابقة؛ بأننا ربما نكون متجهين إلى ما يشبه -وربما يفوق- ما حدث العام الفائت في معركة "سيف القدس".
ولفت الرنتاوي إلى أن من دوافع هذا الحراك "الاحتقان الذي يعيشه المركز الفلسطيني، وعمليات الإعدام الميدانية التي ينفذها الاحتلال بحق الفلسطينيين، وعربدة المستوطنين، وتزامن شهر رمضان مع أعياد الفصح اليهودية، وما يخطط له المتطرفون اليهود من تنظيم انتهاكات واسعة بأعداد كبيرة للمسجد الأقصى في هذا الشهر، حيث يتواجد عشرات آلاف المصلين لأداء العبادة".
وأضاف أن "المشهد ساخن بسبب الانحباس السياسي، وعدم الوفاء بأي التزامات تجاه السلطة الفلسطينية من جهة، وتجاه غزة من جهة أخرى".
وقال الرنتاوي إن "ثمة خشية لدى دول عربية من أن تكون أي انتفاضة فلسطينية بمثابة شرارة تحرِّك الأوضاع المحتقنة داخل هذه الدول، التي ما لبثت أن خرجت من أزمة كورونا حتى دخلت في أزمة أوكرانيا بما ولدته من أزمة طاقة وخبز".
وأضاف أن "هناك قلقا إقليميا ودوليا؛ بأن الوضع قد ينفجر في أي لحظة، وبالتالي قد يصرف الأنظار عما يجري في أوكرانيا، ويشوش على الأجندة الأمريكية التي تبدو متركزة بشكل أساسي في إلحاق الهزيمة بروسيا، ومحاصرة الصين".
فرص النجاح
عريب الرنتاوي رأى أن زيارة الملك عبدالله الثاني لرام الله "يُنظر إليها على أنها نادرة؛ لأنها من المرات القليلة التي يزور فيها رام الله، لذلك فهي تعكس حجم الاهتمام والتقدير لخطورة الوضع".
وعن فرص نجاح هذه الزيارة في تحقيق أهدافها، أوضح الرنتاوي أن ذلك مرهون بالإسرائيليين أكثر من غيرهم، "فإنْ قامت الحكومة الإسرائيلية بالتزاماتها، وضبطت قطعان المستوطنين، ومكّنت الفلسطينيين من الوصول للمسجد الأقصى بسلاسة، وأوقفت إجراءاتها المتغطرسة والتوسعية في القدس وجوارها؛ فحينئذ بالإمكان احتواء الوضع".
واستدرك بالقول إنه لا يوجد في "إسرائيل" أي حكومة قادرة على ضبط هؤلاء المستوطنين المتطرفين؛ لأن الحكومة الحالية، ورئيسها نفتالي بينيت بشكل خاص، هي الممثل لهذه القطعان السائبة، والائتلاف الحكومي الإسرائيلي أضعف من أن يتصدى لعربدة مليشيات المستوطنين.
ورغم أن ثمة ضغوطا واسعة باتجاه إحداث حالة من التهدئة في القدس وغيرها من المناطق الفلسطينية، إلا أن احتمالات الانفجار تبقى قائمة، طالما واصلت السلطات الإسرائيلية انتهاكاتها اليومية، ومنحها المستوطنين غطاءً يتيح لهم ارتكاب المزيد من الجرائم بحق الشعب الفلسطيني.