ماذا عن اليوم التالي لوقف العمل بحبس المدين؟

الرابط المختصر

يقطن الأربعيني ماجد في أحد النُزل الرخيصة في إسطنبول بعد أن هرب من بلاده الأردن عقب ما تسببت جائحة كورونا في خسارته لوظيفته وتراكم الديون عليه.

كان ماجد يعمل سابقا مديرا لإحدى صالات الأفراح في مدينة إربد (100 كم شمالي العاصمة عمان) إلا أن قرار السلطات الذي قيد فتح صالات الأفراح تسببت في إغلاق العشرات منها مخلفة عددا من العاطلين عن العمل.

وارتفعت أصوات تطالب الحكومة بعدم تمديد قرار منع حبس المدين، بعد أنباء راجت، مؤخرا، عن أنه لا نية لدى الحكومة بتمديد أمر الدفاع رقم (28) لسنة 2021 الذي ينتهي في اليوم الأخير من الشهر الحالي.

وكان رئيس الوزراء، بشر الخصاونة، قرر تمديد العمل بأحكام أمر الدِّفاع رقم (28) لسنة 2021م، الصَّادر بمقتضى أحكام قانون الدفاع رقم 13 لسنة 1992م، والمتعلِّق بحبس المدين، حتَّى تاريخ 30/9/2022م.

ويأتي القرار مراعاةً للظّروف الماليَّة والاقتصاديَّة الناجمة عن تداعيات جائحة كورونا.

يخشى ماجد أن تقوم السلطات الأردنية بسجنه بعد عجزه عن سداد قرض مالي كان قد استلفه من أحد البنوك بقيمة 25 ألف دولار.

ويطرح كُتاب واقتصاديون ونواب، السؤال نفسه: ماذا ستفعل الحكومة في اليوم التالي لانتهاء المهلة؟ إذ ستجد الأخيرة نفسها أمام ما يقارب المليون متعثر ومتعثرة ماليا، بحسب تقديرات غير رسمية، يضافون إلى آلاف الأردنيين المطلوبين للتنفيذ القضائي.

 

آلاف المطلوبين على قضايا مالية

وتشير دراسة صدرت عن المجلس القضائي الأردني عام 2021 إلى وجود 143 ألف قضية قضائية مالية مسجلة في 2019 في مختلف أنحاء البلاد، بينما بينت دراسة أصدرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأردني أن عدد الأفراد المطلوبين بسبب عدم تسديد ديونهم زاد عشرة أضعاف في أربع سنين فقط، من 4352 في 2015 إلى 43624 في 2019.

 

ودفعت تداعيات جائحة كورونا وما خلقته من أوضاع اقتصادية بسبب إغلاق القطاعات، نوابا إلى توقيع مذكرة اقترحوا من خلالها إصدار قانون عفو عام بغية "حفظ الأمن المجتمعي والتخفيف عن كاهل المواطن".

 

وكان آخر عفو عام أقرته الحكومة في 2018 استثنى منه جرائم التجسس والخيانة، والإرهاب، والقتل العمد، أو تجارة المخدرات، وهتك العرض.

 

وبحسب الدستور الأردني فإن العفو العام يمر بمراحل حيث تضع الحكومة مشروع قانون وتحيله إلى مجلس النواب ليوافق عليه، ثم يحتاج إلى موافقة مجلس الأعيان قبل أن يصادق عليه الملك.

 

النائب خليل عطية، متبني المذكرة يشير إلى وجود "مبررات قانونية واجتماعية ونفسية لإصدار العفو العام"، قائلا إن "ما تقدمنا به هو مذكرة لسن مشروع قانون، وإذا وافق عليها مجلس النواب فإنها تصبح ملزمة للحكومة في نفس الدورة، أو الدورة التي تليها، وعلى الحكومة أن ترسل مشروع القانون إلى المجلس تماشيا مع أحكام المادة (95) فقرة (أ) من الدستور الأردني وأحكام المادة (70) من النظام الداخلي لمجلس النواب".

 

بعد حقوقي 

 وعدلت السلطات الأردنية قانون التنفيذ ونص التعديل على عدم حبس المدين وخاصة بين الأصول والفروع، وفي الديون التي تقل عن 5 آلاف دينار، بحسب ما قالت وزيرة الدولة للشؤون القانونية وفاء بني مصطفى.

 

ويرى المستشار القانوني في منظمة "محامون بلا حدود"، معاذ المومني أنه "لا يمكن الاستمرار في حبس المدين حسب المواثيق الدولية كون ما قام به هو التزام تعاقدي ولا يمكن اعتبار عدم الالتزام بأنه جريمة، إذ يخالف حبس المتعثر المالي المادة 11 من العهد المدني الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي اشترطت منع سجن الإنسان بعد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي".

 

ويتابع: "أمر الدفاع 28 تم تمديده في وقت أقر فيه قانون التنفيذ، بحيث لا يحبس من هو مدين بمبلغ أقل من 5 آلاف دينار"، مضيفا: "مع ذلك فإن الدولة مجتمعة بما فيها الحكومة والبرلمان ومؤسسات المجتمع المدني مطالبة بإيجاد مقاربة حقوقية معقولة في ما يتعلق بحبس المدين وحلول أخرى مستدامة تعزز الأمن والسلم المجتمعي". مضيفا "الحبس ليس حلا للمدين المعسر".

 

ووفقا لقانون التنفيذ: لا يُحبس المدين، إذا قلّ المبلغ المحكوم به عن 5 آلاف دينار، أوالمدين المفلس أثناء معاملات الإفلاس، والمدين المعسر، والمحجور عليه للسفه أو الغفلة، والذي وثق دينه بتأمين عيني، أو إذا ترتبت على حبس المدين آثار اجتماعية سلبية وضرر بأفراد عائلته، وذلك بعدم حبس الزوجين معاً، أو إذا كان زوج المدين متوفى، أو نزيل أحد مراكز الإصلاح والتأهيل، إذا كان لهما ابن يقل عمره عن 15 سنة أو من ذوي الإعاقة، بالإضافة إلى المدين المريض، أو إذا كان المحكوم به ديناً بين الأزواج أو الأصول أو الفروع أو الأخوة ما لم يكن "نفقة"، أو إذا كان الدين موثقاً بتأمين عيني، أو إذا ثبت وجود أموال للمدين كافية لأداء الدين وقابلة للحجز عليها.

 

متعثرات

ولا يقتصر التعثر المالي على الرجال، فقد كشف تقرير صادر عن شبكة مؤسسات التمويل الأصغر في الأردن أن 68% من المقترضين نساء، بينما نقلت جمعية تضامن النساء أرقاما عن وزارة العدل تبين وجود 62 ألف أردنية غارمة و23 ألف محكوم عليهنّ  في قضايا تعثر دون الألف دينار.

 

وفي محاولة للتخفيف من عدد الغارمات أطلق الملك عبدالله الثاني مبادرة في عام 2017 أطلق عليها "أردن النخوة" لسد ديون الغارمات من خلال صندوق الزكاة ضمن مبالغ معينة، الا أن ذلك لم يحل المشكلة.

 

النائب موسى هنطش من أنصار إصدار عفو عام، يرى "ضرورة منح فرصة من جديد للشباب خصوصا"، قائلا "نسعى ليكون العفو في هذا العام خصوصا مع تفاقم المشاكل المالية بين الناس، ولا نريد شمول تاجر المخدرات والقتلة والاغتصاب، نريد فرصة لمن ارتكب مخالفة لمرة أولى، الجو مشحون بالأردن، هناك بطالة والشباب لا يجدون عملا، وهؤلاء يجب استيعابهم إذا ارتكبوا أخطاء".

 

تداعيات اجتماعية.. السجون مكتظة

ويحذر أستاذ علم الاجتماع، حسين الخزاعي، من "أضرار اجتماعية واقتصادية وأمنية على المجتمع في حال حبس المدين، ويقول ": "بقاء المدين يعمل وينفق على أسرته ورفد المجتمع والسوق بدخل أفضل من سجنه دون فائدة".

 

ودعا الخزاعي إلى ما يسمى بـ"العدالة التصالحية بين أفراد المجتمع من خلال تراضي المدين مع صاحب الدين، وترك المجتمع لحل المشكلة لأن هناك آثارا نفسية وتفكك الأسر والتشرد في حال حبس المدين وإخلاء المستأجرين"، متسائلا: "هل لدينا مراكز إصلاح لاستيعابهم، إذ أن مراكز الإصلاح تحوي ستة آلاف نزيل زائد عن العدد المقرر، بنسبة إشغال بلغت 140%".

 

ويؤيد الخزاعي العفو العام والخاص كون "مكرري الجرائم 39% مقارنة مع من يدخل لأول مرة السجون نسبتهم 60%، مع استثناء جرائم ماسة بأمن الدولة، وتلك التي لا يوجد بها إسقاط الحق الشخصي لإعطاء النزلاء فرصة كي لا يرجعوا إلى السجون".

 

ويبقى السؤال الذي لا يجد جوابا في أروقة الحكومة الأردنية هو عن كيفية خلق توازن بين المدين والدائن والتفريق بين المتعثر ومن لا يريد الدفع، مع الحفاظ على السلم المجتمعي في بلد يعاني من أزمة اقتصادية خانقة؟

 

وينص أمر الدفاع 28:

استناد لأحكام المادة (3) من قانون الدفاع رقم (13) لسنة 1992 وتخفيفا من الاكتظاظ في مراكز الإصلاح والتأهيل ومنع انتشار وباء كورونا فيها، ومراعاة للظروف المالية والاقتصادية الناجمة عن الوباء، أقرر إصدار أمر الدفاع التالي:

أولاً: يؤجل تنفيذ قرارات حبس المدين الصادرة بمقتضى أحكام المادة (22) من قانون التنفيذ رقم (25) لسنة 2007 شريطة أن لا يتجاوز مجموع المبالغ المحكوم بها 100000 مائة ألف دينار.

ثانيا: يوقف تنفيذ الأحكام الجزائية التي تقضي بعقوبة الحبس في الجرائم المتعلقة بإصدار شيك لا يقابله رصيد وفق أحكام المادة (421) من قانون العقوبات رقم (16) لسنة 1960 في القضايا التي لا يتجاوز مجموع قيمة الشيكات فيها 100000 مائة ألف دينار.

ثالثا: يمنع سفر الأشخاص المشمولين بأحكام البندين (أولا) و(ثانيا) من أمر الدفاع هذا بموجب قرار تصدره الجهة القضائية المختصة.

رابعا: تسري أحكام أمر الدفاع هذا اعتبارا من صباح يوم الاثنين الموافق 29/3/2021 حتى تاريخ 31/12/2022.

خامسا: يوقف العمل بأي نص أو تشريع يخالف أي حكم من أحكام أمر الدفاع هذا.

سادسا: لرئيس الوزراء تمديد العمل بأحكام أمر الدفاع هذا أو تعديل أي من أحكامه في ضوء الوضع الوبائي بموجب بلاغات يصدرها لهذه الغاية.