لماذا موقع الأردن في مؤشرات الإعلام متردٍّ؟ وما علاج ذلك؟

الرابط المختصر

خلال مشاركتي مع آخرين من العالم العربي، في مؤتمر مهم في العاصمة البلجيكية بروكسل، حول وضع الصحافة والصحافيين على جانبي البحر المتوسط، طُلب مني تقديم ملخص عن الوضع الإعلامي في الأردن.

الجلسة الخاصة عن العالم العربي التي دُعيت إليها، كانت من تنظيم مؤسسة "Sahafa Med صحافة ميد"، التي تتخذ من العاصمة الفرنسية مقراً لها وتعمل على مساعدة الإعلام المستقل والصحافيين وخاصةً الـfreelance، أي غير المنتمين بصورة متفرغه إلى وسيلة إعلام محددة.

دوري كان الدور الأخير بعد أن قدّم صحافيون من سوريا وليبيا والمغرب ومصر واليمن ولبنان، تقارير مروعةً عن حالة الصحافة والصحافيين في بلادهم من اختفاء وقتل وسجن وتعذيب وكافة أشكال الضغوط الجسدية والعائلية وغيرها.

في بداية مداخلتي، قلت إنني أسف، فكل ما جاء على لسان زملائي ليس موجوداً في الأردن. إذ لا يوجد صحافيون مختفون أو مقتولون أو حتى مسجونون من أجل ما يقومون به.

وقلت إن الأردن أول دولة عربية أصدرت قانون حق الوصول إلى المعلومات، وأول دولة عربية انضمت إلى مشروع الحكومة الشفافة ولا يوجد تهديد لحيوات الصحافيين أو عائلاتهم في الأردن، كما أن الأردن سمح بإقامة الإعلام المرئي والمسموع وحتى لملكيات أجنبية منذ عام 2002، وإننا أنشأنا إذاعةً على الـ"أف أم" منذ أكثر من سبعة عشر عاماً.

المطلوب اليوم مع تشكيل وزارة التواصل الحكومي، تطبيق أمين لاتفاق الحكومات الشفافة الذي كان الأردن أول الدول العربية الموقعة عليه.

الدفاع عن الوضع الأردن في الخارج لا يعني أن الوضع الإعلامي جيد ومزدهر، فهناك لا يزال تغوّل أمني في مجال الإعلام ولا يزال الإعلام المملوك من الدولة الأردنية مسيطراً على المشهد الإعلامي والنقابي كون غالبية أعضاء نقابة الصحافيين تعمل في الإعلام الرسمي.

كما أوضحتُ أن هناك الكثير الذي يمكن أن يعمله الأردن في مجال ملكية الإعلام وفي مجال تعددية الهيئات المنظمة للإعلام وفي مجال إلغاء المادة 11 من قانون الجرائم الإلكترونية والتي تسمح بتوقيف الصحافي إذا ما نُشرت مادته على الإنترنت بالرغم من أنه لا يتعرض للتوقيف نفسه لو كان النشر فقط في الصحافة الورقية.

تطرقت إلى غياب تصنيف الإعلام المجتمعي الذي لو تم، فسيوفر للمجتمعات المحلية في كافة مناطق الأردن إمكانية التواصل المجتمعي من خلال إذاعات ذات قوة بث صغيرة توفر فرصةً للتفاعل والتوعية، علماً أن الإعلام في الأردن لا يزال في غالبيته متركزاً في العاصمة بنسبة تفوق 80% من وسائل إعلام، صحافيين وصحافيات، بالرغم من أن عمان لا يتجاوز عدد سكانها 40% من عدد سكان المملكة.

كما تحدثت عن مشكلة الرقابة الذاتية والتي لن يتم حلها إلا في حال توفر أجواء ديمقراطية والتي قد نشهدها تدريجياً مع دخول تحديثات اللجان الملكية وإقامة أحزاب حقيقية وإجراء انتخابات حرة وهو ما يتوقعه الجميع في أواخر الصيف القادم.

قد يتساءل البعض: لماذا موقع الأردن في مؤشرات الإعلام متردٍّ إذاً؟ الجواب واضح وهو أن بعض القرارات وقد يسميها البعض أخطاءً ولكنها في النهاية قرارات رسمية ضد هذا الفرد أو ضد تلك المؤسسة، يتم نشرها في الإعلام المحلي والإقليمي والأجنبي ويتم أخذها في عين الاعتبار عند تقييم الدول.

بعض تلك القرارات، على سبيل المثال لا الحصر، توقيف رسام كاريكاتير بحجم عماد حجاج، أو توقيف صحافية وصحافي في المطار لساعات عدة أو إصدار قرارات منع النشر وغيرها والتي قد لا تكون ذات ضرورة، ولكنها تترك أثراً سلبياً أكثر وتسبب تشكيكاً في قناعة المراقبين الدوليين بأن الأردن مؤمن إيماناً حقيقياً بحرية التعبير والرأي.

لا يتوقع أحد أن تتوفر حرية صحافة مطلقة لا في الأردن ولا في معظم دول العالم، ولكن الاستثناءات يجب أن تكون مبنيةً على أساس أمور كبيرة مثل الأمن القومي، لا أن تكون لسبب غير مهم أو تصفيةً لحسابات شخصية أو انتقاماً من شخص ما أو محاولةً لترويض صحافي مشاغب.

مع بدء العد التنازلي لإقامة الأحزاب الجديدة وانطلاق عملها، ومع صدور قرار بالسماح للعمل الحزبي في الجامعات من دون أي تدخل أمني، ومع تصريحات الملك الأخيرة حول أهمية توفير المعلومة الصادقة للصحافيين، فإن الدولة الأردنية بكافة فروعها ملزمة بتطبيق جاد لمبدأ ضمان حرية التعبير التي كفلها الدستور، وتصريحات الملك، بأن حرية الصحافة سقفها السماء.

إن تطبيق هذه الأمور وانفتاح المسؤول الأردني مع الإعلام، ستنتج عنهما بيئة مواتية للعمل الصحافي المهني والذي بدوره يضعف بصورة كبيرة كمية الشائعات والأقاويل التي يتم تداولها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

المطلوب اليوم مع تشكيل وزارة التواصل الحكومي، تطبيق أمين لاتفاق الحكومات الشفافة الذي كان الأردن أول الدول العربية الموقعة عليه، والذي ينص على قيام الدول الملتزمة به بالمبادرة لتوفير المعلومة بدلاً من انتظار المواطن أو الصحافي طلب الحصول عليها. قد يتطلب الأمر تشريعات وأنظمةً وتعليمات، ولكن أكثر ما هو مطلوب اليوم لرفع شأن الإعلام الأردني هو قرار وإرادة سياسية.

عن موقع رصيف 22