لماذا حجب الأردن منصة ديسكورد؟

مصدر رسمي: حجب ديسكورد لحماية القاصرين من الاستغلال
الرابط المختصر

جاء التوقف المفاجئ لتطبيق "ديسكورد" في الأردن في 8/ أكتوبر بالتزامن مع  الدور الذي لعبته المنصة في تنسيق الحركات الاحتجاجية في التعبئة الرقمية لحركة "جيل زد 212" (GenZ 212) في المغرب.

ركزت احتجاجات حركة "جيل زد 212" في المغرب على مطالب اجتماعية يومية ملموسة تمس حياة الشباب بشكل مباشر، أبرزها محاربة البطالة والفقر المتفشيين بين الخريجين، وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية عبر توفير فرص متكافئة في التعليم والعمل، وضمان الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الصحة والإسكان.

في الأردن، تفاجأ مستخدمو تطبيق "ديسكورد" بحجب المنصة بشكل مفاجئ، دون أي تبرير رسمي من السلطات، ما أثار تساؤلات حول دوافع الحظر.

حجب ديسكورد في الأردن: الأسباب الرسمية

 

إلا أن القرار الأردني الذي برّره مسؤول أردني في تصريح خاص لـ new arab" بـ"حماية القاصرين من الاستغلال"، فتح الباب واسعًا أمام تساؤلات تتجاوز التقنية إلى السياسة: هل يخشى الأردن من تكرار تجربة التنسيق الرقمي التي شهدتها المغرب؟.

 

في نفس السياق  طلبت هيئة تنظيم قطاع الاتصالات الأردنية في بداية اكتوبر من منصة "روبلوكس" (Roblox) للألعاب الإلكترونية "إزالة خاصية غرف الدردشة بالكامل داخل المملكة"، استناداً إلى تقارير رسمية أمنية حذرت من "المخاطر الرقمية التي قد تهدد سلامة الأطفال واليافعين، خاصة عبر هذا النوع من التفاعل المفتوح مع مستخدمين مجهولين". 

 

تجربة الأردن مع المنصات الرقمية تعود إلى العام 2011، اذ كانت منصات التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها "فيسبوك"، المحرك الأساسي للحركات الشبابية في الأردن خلال ما عُرف بالربيع العربي. يومها، وُلدت صفحات تدعو إلى الإصلاح ومحاربة الفساد، واستُخدم منصات التواصل الاجتماعي لتنسيق الوقفات والمسيرات ونقل الأخبار وكس احتكار الإعلام الرسمي للرواية.

 

اليوم، بعد أكثر من عقد، يبدو أن المشهد يعود في شكلٍ جديد، لكن بأدوات أكثر تطورًا ولامركزية. فـ"ديسكورد" الذي بدأ كمنصة للاعبين، تحوّل إلى مساحة للتفاعل والنقاش والتنظيم، وهو ما أثار قلق الحكومات التي ترى فيه مساحة يصعب ضبطها.

 

المصدر الرسمي أردني الذي فضل عدم ذكر اسمه شدد  أن الهدف الوحيد لحجب ديسكورد وغيرها "جاء استنادًا إلى تقييمات فنية خلصت إلى أن "ديسكورد يتيح تفاعلات مفتوحة قد تُعرّض القاصرين للابتزاز والتحرش".

 

الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية

 

يُعاني الأردن من أزمة هيكلية عميقة في معدلات البطالة، التي تُعدّ بيئة خصبة لتزايد الإحباط في صفوف الشباب. فمعدل البطالة العام بلغ 21.4% خلال عام 2024، ويرتفع بشكل كبير بين الإناث ليصل إلى 32.9%. هذه الأرقام، التي تخلق حالة من الهشاشة الاجتماعية المشتركة مع الحالة المغربية، ربما دفعت صانع القرار في عمان إلى محاولة تحييد أي "آلية" للتعبئة السريعة التي أثبتت نجاحها إقليمياً. 

 

وفي قراءة لهذه المقاربة، يرى عضو حملة "تحرك" الشبابية محمد العبسي أن قرار حجب "ديسكورد" يأتي ضمن نهج حكومي متكرر في التعامل مع القضايا الشبابية والاجتماعية عبر "الطريق الأسهل"، بدلاً من معالجة جذور المشاكل من خلال إصلاح سياسي شامل يفتح الحوار مع الشباب ويمنحهم مساحة للمشاركة والتعبير.

 

"ما جرى في الأردن يشبه ما حدث في المغرب، حيث تم حجب التطبيق بعد استخدامه من قبل الشباب للتنظيم والتعبير عن آرائهم، مضيفاً أن المطلوب هو فهم لماذا يتجه الشباب إلى مثل هذه المنصات وما الذي يدفعهم للبحث عن بدائل للتعبير"

ويتساءل العبسي حول جدوى التعاطي مع القضايا من الزاوية الأمنية والتقنية فقط: "هل الحل أن نحجب التطبيق، أم أن نفتح نقاشاً حول الأسباب التي تجعل الشباب يشعرون بالتهميش ويبحثون عن فضاءات بديلة؟جوهر الإصلاح المطلوب في الأردن والمنطقة العربية هو الإصلاح السياسي الحقيقي". يقول لـNewarab

 

تخلق أرقام البطالة في الأردن حالة من "الهشاشة الاجتماعية المشتركة" مع الحالة المغربية، حيث كانت البطالة والفوارق الاجتماعية هي الأسباب الجذرية لحراك "جيل زد 212". ربما يدرك صانعو القرار في عمان أن ارتفاع منسوب الغضب الاجتماعي هذا لا يحتاج سوى لقناة آمنة للتعبير والتنظيم.

 

يعتقد العبسي  أن "التفاعل مع المجتمع بالحوار هو الطريق الأصعب لكنه الأنجع". و يختم العبسي حديثه بالقول إن "التغيير الحقيقي لا يتحقق بحجب التطبيقات، بل بإطلاق عملية إصلاح جذرية تُمكّن الشباب من الإسهام في بناء مستقبلهم". 

 

قانون الجرائم الإلكترونية

يأتي حجب "ديسكورد" ضمن سياق أوسع لتشديد الرقابة الرقمية في الأردن، استنادا الى قانون الجرائم الإلكترونية الأردني الذي صُدّق عليه في أغسطس 2023 ، وهو قانون يمنح الأجهزة الأمنية صلاحيات واسعة لتشديد الرقابة عبر الإنترنت. 

 

وتعتبر المادة 17 منه الأداة الأقوى لتبرير حجب منصات التنسيق، حيث تعاقب كل من يستخدم الشبكة لنشر ما يستهدف "السلم المجتمعي أو الحض على الكراهية". إن هذا النص الفضفاض يسمح للسلطات بتفسير أي تنسيق لا مركزي أو دعوة لتجمعات غير مرخصة على أنه تهديد لهذا "السلم المجتمعي"، وهو ما يوفر الغطاء المثالي لحظر منصة مثل "ديسكورد".

 

هنا يحذر القيادي أمين عام الحزب الوطني الدستوري أحمد الشناق، أن "مقاربة الحكومة لمشكلات الشباب عبر إجراءات أمنية وحجب تطبيقات مثل "ديسكورد" لن تعالج جذور الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، ودعا إلى سياسات جذرية تركز على التشغيل والعدالة الاجتماعية والضمانات الأساسية للحياة الكريمة".

 

وحسب الشناق "الثورات أو الاحتجاجات الاجتماعية تختلف عن المطالب السياسية التقليدية، وأن دوافعها عادة ما تكون مطالب يومية مثل حق العيش، العلاج، والتعليم، وحصة عادلة من الناتج المحلي".

 

 "المعالجات الأمنية وحدها قد تدفع إلى تغيير جذري في بنية النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وفقدان شرعية المؤسسات الحالية ما لم تُقدّم حلول جذرية لمكافحة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية".

وتطرق الشناق إلى "ضرورة تبنّي الحكومة لخطوات استباقية حقيقية لمعالجة جذور المشكلات التشغيل، تحسين دخل الأسرة، تأمين الرعاية الصحية والتعليم والسكن)، مشدداً أن «الخطوات التقليدية والمهدئات لا تكفي»، وأن المطلوب سياسات من شأنها إعادة توزيع فرص وموارد الدولة لضمان حياة كريمة للشباب والأسر".

التجربة المغربية: GenZ 212 وديسكورد

اختار المحتجون في المغرب "ديسكورد"، الذي يُستخدم بالأغلب كمنصة للألعاب، لتنظيم الصفوف بسبب انه فضاءً آمن  للنقاش وتبادل التعليمات والمواد اللوجستية (أماكن،مواعيد، شعارات، تعليمات سلمية) اذ تتمتع غرفة الدردشة والمحادثات بتشفير end to end.

مهندس أمن المعلومات مجدي القبالين في منشور على صفحته في "فيسبوك"، فإن "مظاهرات المغرب بدأت يوم السبت 27 أيلول/سبتمبر عبر منصة ديسكورد من خلال مجموعات شبابية لا مركزية، أبرزها GenZ 212، ومن خلال دعوات من حسابات خارج المغرب".

وأوضح قبالين أن المحتجين "اختاروا ديسكورد، التي تُستخدم عادة للألعاب، لتنظيم الصفوف واعتبارها فضاءً للنقاش وتبادل التعليمات والمواد اللوجستية".

 

"عدد أعضاء مجتمع GenZ 212 قفز خلال أيام من بضعة آلاف إلى مئات الآلاف المنصة وفرت للحركة "ثلاثية حاسمة: تعبئة سريعة، تنسيق لا مركزي، وتداول لحظي للمعلومات، ما جعلها أداة محورية في تحويل الغضب الرقمي إلى حضور ميداني واسع ديسكورد لها تاريخ عريق في الاستخدام من قبل جماعات اليمين المتطرف والإرهاب والجريمة المنظمة، وتستثمرها دولة الاحتلال الاسرائيلي بشكل كبير". حسب القبالين.

  حجب "ديسكورد" مؤشرًا على مأزق أعمق: أنظمة تتعامل مع الأعراض بينما الأسباب الحقيقية للغضب الاجتماعي، مثل البطالة، التهميش، والعدالة المفقودة، تبقى دون معالجة. وإذا لم يتحقق إصلاح شامل، فإن كل حجب رقمي سيكون مجرد تأجيل للانفجار، وكل نافذة مغلقة ستصبح سببًا آخر للشباب للبحث عن منفذ، مهما كانت الوسيلة أو المنصة.

 كما يتطلب حسب سياسيون وناشطون توسيع المشاركة الشبابية في الحياة السياسية والاقتصادية، بما يمنح الأجيال الجديدة شعورًا حقيقيًا بالمسؤولية والانتماء، إلى جانب تعزيز العدالة الاجتماعية وفتح فرص اقتصادية متكافئة وبيئة عادلة ومنصفة .

 

 رابط التقرير في العربي الجديد