لماذا تخلو كتب الأطفال من الدهشة شكلا ومضمونا؟

قبل سنوات كتبت قصة عن طفل يعيش في أجواء الحرب. الطفل كان لديه عصفور في قفص، خاف أن يلقى حتفه جراء القصف فقرر أن يحرره. لكن الحرب المستمرة قتلت العصفور رغم تحريره. هذه الجزئية لم تعجب دار النشر التي تقدمت لها بالقصة، واشترطت للموافقة على نشرها تغيير النهاية إلى وداع العصفور الذي يطير بعيدا عن ويلات الحرب

هذا ما تقوله الكاتبة المتخصصة في قصص الأطفال وسام سعد، التي تنتقد تدخل الناشرين في كيفية معالجة الكاتب للقضايا التي يتناولها في مؤلفه الموجه للأطفال "خوفا من عدم استحسان الأهالي للكتاب، الأمر الذي يؤثر سلبا على المبيعات في المحصلة من وجهة نظرهم".



تشير سعد إلى أن ثمة مواضيع تنظر إليها دور النشر "كمحرمات يُفضل عدم الكتابة عنها، مثل الموت، والطلاق، والغيرة بين الأخوة، رغم أنها مواضيع حيوية، وهي بالطبع تحتاج إلى معالجة خاصة".



يتذكر محمد العمد، الذي يبلغ الآن 18 عاما، تجربته كطفل يعشق القراءة واجه مشكلة في الحصول على كتب تشبع فضوله. "معظم القصص كانت مكررة، لا تحمل أفكارا جديدة. كنت مهتما بقصص الفلك والفضاء، ولم أكن أجد كتبا تناقش هذه المواضيع باللغة العربية. حتى المترجمة منها كانت قليلة وأغلبها مترجم بلغة ضعيفة غير مترابطة"، كما يقول.



نتيجة ذلك اتجه العمد إلى قراءة القصص باللغة الإنجليزية، التي وجد فيها "تنوعا كبيرا لجهة الموضوعات وأساليب طرحها، وحتى نهاياتها كانت مختلفة لا تركز دائما على النهاية السعيدة، التي غالبا ما نجدها في الكتب العربية".



أما مراد عماد إسماعيل (أب لأربعة أطفال)، فيقول: "لم أجد كتبا عربية موجهة للأطفال توسع آفاقهم، وتجعلهم على دراية بما سيواجهونه في الحياة من مصاعب". هذا الأمر دفعه للبحث عن كتب بلغات أخرى تقدم معرفة معقولة وتراعي الجوانب النفسية للطفل. لكنه أن هناك بعض الاستثناءات في الكتب العربية مثل قصص المكتبة الخضراء التي تحكي قصصا من التراث العالمي، وفيها متعة وفائدة للطفل".

car info

جسور إلى الدهشة

يجمع عدد من المتخصصين في أدب الطفل على أن معظم المنخرطين في العملية الإبداعية لكتب الأطفال يتعاملون معهم باعتبارهم أشخاصا أقل ذكاء، أو محدودي الخيال. فالمواضيع تقليدية وعظية، وأغلفة الكتب تحمل تصاميم بدائية غير جاذبة، والرسوم الداخلية مباشرة تفتقر إلى الخيال، بحسب ما يقولون.

الكاتب المتخصص بأدب الطفل محمد جمال عمرو، يرى أن طرح الموضوعات التقليدية، التي تركز على قيم الصدق والوفاء والصداقة، لا يعني بالضرورة أن يكون الأسلوب تقليديا أيضا.



ويقول: إذا رغب الناشر بإصدار سلسلة عن الفضائل مثلا، فعلى الأديب أن يطرح الفكرة بعيدا عن أسلوب الوعظ، وكل الرسائل المراد إيصالها إلى عقل الطفل ووجدانه نستطيع تحقيقها بأسلوب يستمتع به الطفل ويحبه، مثل الفكاهة، و المغامرة، والألغاز. هذه كلها جسور تحمل الطفل القارئ إلى عالم المتعة والدهشة والانبهار، طبعا في حال كان الكاتب محترفا عارفا بعوالم الطفل وقريبا من وجدانه".



ويضيف: "تسقط الفكرة مهما كانت نبيلة وراقية، إن صادفت كاتبا جاهلا بعوالم الطفل، وقاموسه اللغوي، وخصائص الوسيط الذي من خلاله يقدم الأدب للطفل".



تؤكد سعد على ما سبق بالقول: "من يكتب للطفل عليه أن يعرف حاجات الطفل النفسية واهتماماته، وإلا سيحصر نفسه في موضوعات مكررة وفي أساليب معالجة تقليدية، لا تخاطب الطفل الذي يعيش اليوم في عصر ذكي ولديه القدرة على التواصل مع العالم كله".



أما الاختصاصية التربوية سعاد غيث، تشير إلى أن كتب الأطفال وقصصهم "فيها تنوع كبير بالموضوعات، لكنها فعلا بعيدة عما يسمى بالمحرمات المجتمعية".



وتقول: "شاهدت كتبا تتناول موضوع حماية الجسد من الإساءة الجنسية على سبيل المثال، وكتبا أخرى عن التسامح مع الآخر المختلف، فهي موجودة لكنها ليست شائعة، وبالمقارنة مع السواد الأعظم مما يكتب للطفل فهي تكاد لا تذكر".



وتتابع: "في المجمل كتب الأطفال تركز على القيم والأخلاقيات، أما الموضوعات التي تهتم بالنمو العاطفي والإدراكي والاجتماعي، ونمو الذات والهوية، فتغيب بشكل كبير".



يرد صاحب دار المنهل للنشر والتوزيع خالد بلبيسي، على ما سبق بالتأكيد على أن دور النشر "مرآة لما يطلب في الأسواق من مختلف شرائح المجتمع".



ويوضح: "عند الحديث عن كتب الطفل، خصوصا في الفئات العمرية المبكرة، فنحن نتحدث عن أولياء أمور، ومعلمين ومعلمات، ومؤسسات مجتمع مدني، ولجان اقتناء الكتب في المؤسسات العامة والخاصة، وهؤلاء جميعا لديهم ضوابط وحساسية ضمنية تجاه العديد من المواضيع، فتجد ولي الأمر أو المدرس أو المشرف التربوي يبتعد عن الكتب التي تتناول قضايا غير تقليدية ولا يريدون الخوض فيها. هذه أكبر مشكلة نواجهها".



في المقابل، يرى بلبيسي أن هناك نقصا في أصحاب الاختصاص الذين يتعاملون مع هذه المواضيع بأساليب إبداعية، وطرحها بشكل متدرج غير مباشر "حتى لا نصطدم بالرفض التلقائي المجتمعي". ويضيف: "هناك كتّاب لا يعرفون شيئا عن الكتابة للطفل، وكيفية معالجة الأفكار"، لكن من ناحية أخرى هناك "تجارب ناجحة لترجمة العديد من العناوين التي تناقش مواضيع حساسة، والتي طرحت بطريقة غير تقليدية، ولاقت قبولا لدى العديد من الفئات في المجتمع، خصوصا عند اعتماد ترجمة أدبية يمكن أن تهذب النص بما يناسب الحياة العربية".



ويقول عمرو إن "أول شرط من شروط الكتابة للطفل أن يكون الكاتب متمكنا من أدواته الإبداعية، ومدركا لخصائص كل مرحلة من مراحل الطفولة". وهو يعتقد أن "الكاتب الناجح يستطيع تقديم الأفكار المناسبة للأطفال – مهما كانت خطورتها وحساسيتها- دون الوقوع في المحاذير أو التعرض للنقد من قبل التربويين وأولياء الأمور وسواهم". كل ما هنالك -يقول عمرو- إنه "يجب البحث بذكاء عن قوالب جاذبة لتقديم كل ما نريد من أفكار".

حواجز وهمية

في سياق آخر تلفت سعد إلى ضرورة الاعتناء بالشكل الفني لكتاب الطفل، فهو "لا يقل أهمية عن المحتوى"، موضحة أن "بعض دور النشر تصمم كتب الأطفال ورسومها بطريقة لا تواكب التطور الذي نعيشه اليوم، وهو ما يدفع الطفل الأردني لتفضيل الكتب الأجنبية، فألوانها ورسومها جميلة، وأغلفتها مصممة بطريقة جذابة".

وهو أمر أكد عليه العمد حينما قال: "أول ما كان يجذبني في القصص والكتب الأجنبية الصور والألوان الجميلة الزاهية، وملمس الورق والغلاف، وهو أمر بدا لي أنه لا يُعتنى به كثيرا في كتب القصص العربية".



يشير الفنان التشكيلي علي عمرو إلى إشكالية الرسم للطفل "الكثير من الفنانين يرسمون ما يرونه هم كأشخاص بالغين وليس ما يراه الطفل. وفي الوقت نفسه يعتقدون أن الطفل محدود الخيال، لذلك نجد بعض الرسومات وكأنها خربشات لكنها مرسومة بشكل طفولي، بطريقة بعيدة كل البعدعن إطلاق العنان لمخيلة الطفل".



ويقول: "إذا أردنا منتجا أدبيا ناجحا علينا الاشتغال على الشكل الفني والوعاء الذي يقدم من خلاله الأدب، وليس فقط المضمون. قد تكون منافسة الوسائط الثقافية الحديثة صعبة، لكنها ليست مستحيلة، إذا توفرت الإرادة لدى أطراف عملية إنتاج أدب الطفل العربي".



يرى بلبيسي أن "ثمة حواجز وعوائق شكلية ووهمية أمام إنتاج كتب أطفال جيدة، يمكن كسرها وتجاوزها من خلال ورش العمل، وجلسات العصف ذهني، التي يشارك بها مؤلفون وناشرون لمناقشة جميع جوانب العملية الإبداعية باستفاضة وأريحية، والخروج منها بتوصيات يمكن تبنيها من قبل جميع المعنيين بالأمر".

 

 

 

مطلوب رؤية وطنية

حددت وزارة الثقافة الأردنية في استراتيجيتها هدف "النهوض بالفعل الثقافي الأردني وإطلاقه في فضاء إبداعي حر، وتوظيفه للتأثير على نوعية حياة الإنسان اجتماعيا واقتصاديا وفكريا"، لكن ما هو دور الوزارة في تطوير محتوى كتب الأطفال؟



يؤكد مدير الدراسات والنشر في وزارة الثقافة سالم الدهام أن وزارته "جهة داعمة وراعية للفعل الثقافي بجميع أشكاله أكثر منها صانعة له"، وبالتالي "ليس هناك قيود على حركة التأليف والكتابة إلا في حدود القوانين والأنظمة المرعية لجهة عدم المساس بالخصوصيات والحقوق المحفوظة دستوريا وقانونيا لأي مكون من مكونات المجتمع الأردني الدينية أو العرقية".



ولأن الكتابة للأطفال على درجة كبيرة من الأهمية، فإن وزارة الثقافة خصصت مجلة شهرية لمناقشة قضاياهم وشؤونهم، وهي تستقبل ما يقدمه المؤلفون لها من دراسات ومخطوطات، وتنشر كل ما يصلح للنشر من الناحية الفنية، بحسب الدهام.



لكنه يرى أن هناك غيابا لبعض القضايا، مثل مواضيع الجنس والدين والسياسة "أظن أن المؤلفين ومن ورائهم دور النشر لا يدعمون هذا التوجه، تقديرا منهم لخطورة إغراق الأطفال بمثل هذه المواضيع، التي تحتاج إلى حرفية عالية في تقديم الجرعة المناسبة من هذا النوع من الثقافة، وبالطريقة المناسبة ضمن سياق تربوي عام، حتى لا يحدث خلل في التنشئة الاجتماعية لدى الأطفال، ومن ثم تنقلب الغاية المرجوة من وراء ذلك إلى ضدها".



لذلك، يقول الداهم إن "تبني مثل هذه المواضيع في كتب الأطفال يحتاج إلى تقدير علمي مسؤول، وهذا التقدير ينبغي أن يكون من المؤسسات الوطنية المختصة بالطفولة، والأكاديميين والباحثين المختصين، والتربويين، وعلماء نفس الطفولة، والمبدعين، ليقدر هؤلاء جميعا شكل ونوعية المحتوى المعرفي المناسب لكل مرحلة عمرية من مراحل الطفولة".



ويختم مستغربا: "إذا كانت المؤسسات الأهلية كدور النشر تستشعر هذه المسؤولية وتتريث في خوض غمارها، فكيف يطلب من مؤسسة رسمية تمثل الحكومة في الشأن الثقافي أن تنوب عن المؤلفين والناشرين الأهليين دون أن تتشكل رؤية أو استراتيجية وطنية بهذا الخصوص من قبل العاملين في حقل الطفولة على المستوى الوطني".

 

شبكة أريج

أضف تعليقك