كيف تحولت روبلوكس إلى بوابة ابتزاز للأطفال؟

الرابط المختصر

لم تتوقع لينا 13 عاما  أن يتحول وقت الترفيه في لعبة إلكترونية إلى كابوس حقيقي، فبعد أن كونت صداقات عبر غرف الدردشة داخل لعبة "روبلوكس"، فوجئت بمن يحاول استدراجها لمشاركة صورها الشخصية، قبل أن يتطور الأمر إلى ابتزازها إلكترونيا، ولإنهاء الأزمة وتجنب فضيحة أسرية، سارعت بحذف اللعبة نهائيا.

أم محمد تروي لـ"عمان نت" كيف سمعت بالصدفة ابنها البالغ من العمر عشر سنوات يتحدث عبر دردشات لعبة "روبلوكس" مع شخص يكبره سنا، وكان يسأله عن تفاصيل شخصية وخاصة.

و تقول بأنها شعرت بالصدمة، وركضت إليه فورا، وصرخت في وجه الشخص عبر الدردشة، ثم سحبت الجهاز من يد ابنها وحرمته من اللعبة نهائيا خوفا عليه.

هذه الحالات وغيرها كثير، دفعت هيئة تنظيم قطاع الاتصالات الأردنية لاتخاذ قرار غير مسبوق يقضي بإزالة خاصية غرف الدردشة من "روبلوكس" داخل المملكة، بعد ورود شكاوى متكررة من أولياء الأمور وتقارير محلية ودولية، إضافة إلى ملاحظات وزارة التربية والتعليم التي تؤكد أن غرف الدردشة تشكل بيئة غير آمنة للأطفال.

روبلوكس هي لعبة أونلاين متوفرة على مختلف الأجهزة الالكترونية للأطفال والمراهقين من عمر 8-18، حيث ينشئون شخصيتهم الرقمية وتزيينها وتلبيسها، ويمكنهم أيضا أن يطلقوا العنان لخيالهم ويصنعوا ألعابهم الخاصة، وتستخدم نظام لوا لصنع التأثيرات التي تحدث خلال اللعبة، بحسب تعريف ويكيبيديا.

 

أرقام تكشف حجم المخاطر

الأرقام المحلية تؤكد حجم التحدي، إذ كشفت دراسة لمؤسسة إنقاذ الطفل الأردن أن 15.8% من الأطفال بين 10 و17 عاما تعرضوا لأشكال مختلفة من الإساءة الرقمية، أبرزها التنمر والابتزاز وقرصنة الحسابات

وتبين الدراسة أن الأخطر هو أن 75% من الأهالي لم يكونوا على علم بما يتعرض له أبناؤهم، فيما لا تستخدم سوى 9% من الأسر أدوات الرقابة الأبوية، رغم أن الخبراء يؤكدون أن التوعية وحدها لم تعد كافية لمواجهة هذه المخاطر.

تقرير المركز الوطني للأمن السيبراني لعام 2023 أشار إلى أن بلاغات الاستغلال والابتزاز الإلكتروني للأطفال ارتفعت بنسبة 22% مقارنة بعام 2021، وهو ما يعكس تزايد خطورة الظاهرة.

كما أظهرت دراسة صادرة عن اليونيسف الأردن 2022 أن 72% من الأطفال في الفئة العمرية 9–16 عاما يستخدمون الإنترنت بشكل يومي، فيما يقضي بعضهم أكثر من 4 ساعات متواصلة على الألعاب الإلكترونية.

 

تصريحات رسمية

قرار هيئة تنظيم قطاع الاتصالات بإزالة غرف الدردشة استند إلى قانون حقوق الطفل رقم 17 لسنة 2022 الذي يؤكد على المصلحة الفضلى للطفل، وجاء بعد تزايد الشكاوى والتقارير المحلية والدولية، ويؤكد الدكتور محمد الطراونة أن الهيئة رصدت بالفعل حالات واقعية لانتهاكات طالت الأطفال، بعضها مالي عبر سرقة الحسابات، وأخرى نفسية وجنسية، مشيرا إلى أن الهدف هو التوازن بين الترفيه والحماية.

وبين أن دور الهيئة في هذا السياق هو جزء من عمل تكاملي يجمع الجهات الرسمية والجمعيات المدنية، في حين يبقى الدور الأساسي على عاتق الأهالي، مضيفا أن الهيئة درست المسألة بعد ورود العديد من الشكاوى، واستعانت بتجارب ودراسات دولية، كما أن بعض الدول المجاورة اتخذت القرار ذاته.

وفيما يتعلق بآليات ضمان تطبيق القرار، يوضح أن الهيئة تمتلك جميع الإمكانيات التقنية اللازمة، وتسعى لتحقيق التوازن بين حماية الطفل وبين الإبقاء على الجوانب الترفيهية الآمنة في اللعبة، لذلك تم إلزام المنصة بإزالة غرف الدردشة التي تشكل خطرا على جميع المستخدمين داخل المملكة.

 

بؤرة الخطر

من هنا، يرى مختصون أن هذا  بإزالة غرف الدردشة من "روبلوكس" خطوة في الاتجاه الصحيح، لأنها تمثل النقطة الأخطر في اللعبة، حيث يلتقي الأطفال بمحتالين أو أشخاص سيئي النوايا يتخفون خلف هويات مزيفة.

خبير أمن المعلومات والجرائم الإلكترونية والمحاضر في جامعة الزيتونة الأردنية، الدكتور عمران سالم، يشير في حديثه لـ "عمان نت" إلى أن ما يحدث على بعض المنصات الإلكترونية كبير وخطير، حيث يجد كثير من المحتالين وذوي النفوس الضعيفة والهاكرز وأصحاب السلوكيات غير الأخلاقية بيئة خصبة للدخول إليها والتعامل مع الأطفال.

ويوضح سالم أن هؤلاء يستهدفون الأطفال لأهداف متعددة، بعضها لا أخلاقي يتعلق بالتعرف عليهم واستغلالهم، وبعضها مادي يتمثل في سرقة حساباتهم التي قد تحتوي على أموال أو مكاسب افتراضية تم جمعها بجهد كبير، ليقوموا لاحقا بابتزازهم وطلب مبالغ مالية مقابل إعادة الحسابات، واصفا هذه المنصات بأنها ضخمة ومغرية جدا للمجرمين الإلكترونيين.

ويضيف أن أحد أسباب انجذاب الأطفال لمثل هذه العوالم هو ضعف التواصل الأسري، فيلجأ الطفل إلى عالم افتراضي يراه بديلا عن الصديق الوهمي الذي كان مألوفا في الماضي، لكنه اليوم موجود بشكل شبه ملموس عبر الألعاب الإلكترونية. 

هذا الانتماء لعالم اللعبة يجعلها جزءا أساسيا من حياته، ولذلك لا يمكن لوم الطفل إذا أدمن عليها، فالإدمان بحسب سالم ليس مصادفة، بل هو صناعة متعمدة من شركات الألعاب، موضحا أن هذه الشركات تعمل على تصميم ألعابها بحيث تزيد من ساعات الاستخدام، وتستعين بخوارزميات الذكاء الاصطناعي لقياس تفضيلات الطفل وتعديل أنماط اللعبة وأساليبها بشكل يجعل المستخدم يقضي وقتا أطول، ويتحول الحب للعبة إلى إدمان حقيقي، ومن هنا يجب أن يقتنع الأهل أن الألعاب الإلكترونية لم تعد مجرد ترفيه بريء، بل هي صناعة موجهة ومخطط لها، بحسب سالم.

 

 

أين تكمن خطورة "روبلوكس"؟

لا تقتصر التهديدات على التحرش فقط، بل تشمل مخاطر مالية عبر سرقة العملات الافتراضية، واستدراج الأطفال للإفصاح عن بياناتهم، إضافة إلى محتوى عنيف أو غير لائق يترك آثارا نفسية وسلوكية طويلة الأمد.

يرى سالم أن خطوة هيئة تنظيم قطاع الاتصالات الأردنية في إزالة غرف الدردشة من لعبة "روبلوكس" جاءت في وقت مهم، لأن النصائح وحدها لم تعد كافية لردع المخاطر. 

ويشير إلى أن غرف الدردشة هي النقطة الأخطر، إذ يلتقي فيها الأطفال بآخرين لا يكونون في معظم الأحيان أطفالا مثلهم، بل محتالين أو أشخاصا سيئي النوايا يسعون لاستغلالهم، بل وحتى استغلالهم جنسيا عبر بناء علاقات غير مباشرة معهم على المدى الطويل، واصفا القرار بأنه خطوة في الاتجاه الصحيح لقطع الطريق أمام هذه الممارسات.

كما يشدد على ضرورة اتخاذ إجراءات موازية من قبل وزارة التربية والتعليم، مشيرا إلى أن قرارات الحجب أو التقييد ليست جديدة، فقد سبق أن حجبت الدولة تطبيقات مثل "تيك توك" عندما تبين أن أضرارها أكبر من فوائدها، ويرى أن مثل هذه الخطوات تسهم في ضبط الفضاء الرقمي وحماية الأطفال.

 

أبرز المخاطر 

وحول أبرز المخاطر التي تتضمنها الألعاب الإلكترونية، يوضح أن معظم الأهالي لا يملكون المعرفة الكافية لرصد هذه المخاطر أو تجنبها، خصوصا أن كثيرا منهم ينتمون إلى جيل غير متمكن من التكنولوجيا.

ويشير إلى أن المخاطر تنقسم إلى عدة جوانب، أبرزها المخاطر المالية حيث يسعى المجرمون لاختراق حسابات الأطفال وسرقة ما تحتويه من عملات افتراضية أو مكاسب، أو استدراج الطفل للكشف عن بياناته كاسم المستخدم وكلمة المرور مقابل وعود بإضافة محتوى أو مزايا في اللعبة، ليتم بعدها ابتزازه ماليا.

ومن المخاطر أيضا التحرش الجنسي والذي يحدث عبر بناء الثقة مع الطفل أو الطفلة من خلال غرف الدردشة، وصولا إلى مطالبته بفتح الكاميرا أو مشاركة حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي قد يقود إلى ممارسات تحرش جنسي مباشرة أو غير مباشرة.

كما أن المحتوى غير المناسب مثل المحتوى العنيف أو الجنسي أو المشاهد غير الملائمة لقيم المجتمع ودينه، وهو ما يترك آثارا سلبية نفسية وصحية وجسدية على الأطفال، قد تمتد لسنوات طويلة وتؤدي إلى انحرافات سلوكية لاحقا.

 

مسؤولية الأسرة

يشدد الخبراء على أهمية انتباه الأهل لأي تغيرات نفسية أو سلوكية عند أطفالهم، مثل القلق أو تراجع الأداء الدراسي، مؤكدين أن الإنترنت وراء 70–80% من هذه التحولات، كما ينصح باستخدام أدوات الرقابة الأبوية، ومراجعة الأجهزة دوريا، وفتح حوار دائم مع الأبناء لتعزيز الثقة.

ويؤكد سالم أن على الأهل الانتباه جيدا لأي تغيير يطرأ على حياة الطفل، سواء كان تغييرا نفسيا مثل الأرق أو القلق أو أكاديميا مثل تراجع التحصيل الدراسي أو حتى في أنماط النوم والسلوك، حيث ان نسبة كبيرة من الحالات يكون الإنترنت وراء هذه التغيرات، سواء عبر الألعاب الإلكترونية أو منصات التواصل أو الابتزاز أو التحرش.

ويضيف أن من واجب الأهل متابعة أبنائهم بشكل مباشر، ومعرفة من هم أصدقاؤهم على الإنترنت، وما هي الحسابات والتطبيقات التي يستخدمونها، حتى لو تطلب الأمر أن يكون للأب أو الأم حسابات خاصة لمتابعة نشاط الأبناء، كما يشدد على ضرورة فتح باب الحوار مع الأطفال باستمرار، ومناقشة ما يتعرضون له من قصص أو مواقف، حتى يدركوا أن الأهل واعون ومدركون للمخاطر.

ومن بين الأدوات التي يوصي بها سالم لحماية الأطفال، استخدام تطبيقات الرقابة الأبوية، خاصة للأطفال دون سن الثانية عشرة، وهي تطبيقات مجانية تساعد الأهل على التحكم في أوقات دخول أبنائهم إلى الإنترنت، أو منع استخدامه في أوقات معينة مثل بعد الساعة العاشرة ليلا، أو مراقبة أي محاولات لتنزيل تطبيقات جديدة. كما ينصح بمراجعة أجهزة الأطفال بشكل دوري لمعرفة التطبيقات والمحتويات الموجودة عليها، وإرسال روابط لمحتوى آمن ومناسب كبديل عن المحتوى الضار.

هذا وتواصل هيئة الاتصالات جهودها بالتعاون مع وزارات ومؤسسات دولية لضمان فضاء رقمي آمن، عبر حملات توعية وورش تدريبية. 

وتؤكد أن حماية الأطفال مسؤولية مشتركة بين الدولة والأهل والمجتمع المدني، وأن الهدف ليس فقط المنع، بل إيجاد بيئة رقمية تتيح التعلم والإبداع بأمان.