قال لي الاستاذ: احترم القارئ !!

قال لي الاستاذ: احترم القارئ !!

كلما شعرت بحالة احباط ، تكاد تقودنا الى فقدان الامل من امكانية ان ترى القدس افضل مما هي عليه، هذه الحالة اصبت بها بعد ان قال لي صديق عزيز مثقف حقيق: انك تنفخ في قربه مقطوعة فلا امل باصلاح ما اعطبه الدهر ..!! وبدل ان ارد على الصديق وجدتني اذهب اليه في صومعته التي يراقب فيها الحالة التي وصلت لها معشوقته ، التي امضي ستين عاما واكثر من عمره يكتب عنها ويتحدث عنها في عواصم المعمورة ، حارب من اجلها العالم ، وبسببها منع من دخول نصف الدول، انه الاستاذ الكبير الصحفي المقدسي الفريد من نوعه ناصر الدين النشاشيبي، ومعشوقته هي القدس حيث ارسى في مرفئها مرساة قارب حياته في رحلته الاخيرة رحلة الاستقرار بين احضانها، كما يستقر الطفل في حضن والدته الحنون التي لا تستطيع الا ان تحنوا على ابنائها.

ما علينا

المهم، اننى التجأت الى استاذنا الكبير ناصر الدين النشاشيبي باحثا عنده عن شحنة من الامل بمستقبل افضل للقدس، ودفعة من المعنويات التي يحتاجها كل من يحب هذه المدينة ، فوجدت نفسى اجلس امامه في صالونه العامر بالصور والذكريات التي كان الاستاذ النشاشيبي جزءا منها او بطلها او شاهدا عليها، اضافة إلى الكتب الكثيرة فهي رفيقة وحدته، رغم ان للعمر اثرا في تلك العلاقة الوطيده بين الكتب والنشاشيبي

جلست امامه محاولا ان افتح حوارا معه ، باحثا عن اللحظة المناسبة ، ولكن بدون أي مقدمات وكأنه قرأ الافكار التي تتعارك في عقلي بعد ان رفع عينيه الهرمتين من على الجريده التي كانت امامه :

- اسمع اننى لم اعد اتابع الاخبار ولا الصحافة على الاطلاق ..!!

فسارعته بالسؤال بعد ان حانت الفرصة : - ولماذا يا أستاذ ؟! فقال : لان الصحافة فقدت بريقها، والصحفيون لم يعودوا صحفيين بل موظفين..!

فكررت السؤال باحثا عن اجابات شافيه ، رغم ان كثرة الحديث تتعبه وتشتت افكاره: - لماذا برايك وصلت الصحافة الى هذه المستوى !!

نظر الاستاذ النشاشيبي نحوى نظره طويلة وكأنه يبحث عن الاجابة عندى قبل ان يقول :

- يا بنى لقد اختفت من الصحافة عدة صفات كانت اساسية لأي صحفي جيد ، وصحافة تحترم نفسها، الاخلاص والعمق والخجل من القارئ .. اين الخلاص من اجل المهنة ؟!، اين العميق في العمل؟! لم يعد هناك خجل من القارئ، فلا الصحافة ولا الصحفيين يأخذوا القارئ على مجمل ألجد ولا يولون رايه اية اهمية ..!

سكت الاستاذ لدقيقة كانه يلتقط بعضا من افكاره التي هربت في زحمة الافكار التي تدور فيه عقله ..قبل ان يستطرد:- ان ما يجرى هو دجل بدجل وكثير من النفاق على حساب المهنية والمادة المقدمة ، ذات يوم حضرت جلسة التحرير في جريدة "فلسطين" برئاسة رئيس التحرير عيسى العيسى ذلك الانسان المخلص الصادق ، فوقف احد المحررين وكال المديح على افتتاحية الصحيفة التي كتبها العيسى ، فما كان من العيسى الا ان اسكت المحرر قائلا له لا حاجة الى النفاق والمطلوب هو مزيد من العمل بإخلاص لتقديم كل شئ للقارئ فهو همنا الاول ..!

ويضيف الاستاذ وكأن جرحا قديما فد فتح من جديد :- ان مهمة الصحفيين ان يقولوا للشعب الى اين تتجه المركبة ونحو أي مرفأ تسير للتحطم عليه،!!

وانتهى هذه المرحلة الحديث بقوله:- اما ان تكون صحافة جيده او نغلق الصحافة ونعمل شئ اخر ..!

صمت قليلا قبل ان يتناول بيده فنجان القهوة ليرتشف منه شئ من القهوة التي نسيها وهو يتحدث عن مهنته التي احبها وضحى من اجلها الكثير، ودفع ثمنا باهظة من اجل الصحافة ولا زال يدفع ..!

وقبل ان احاول ان اساله سؤال واحدا نظر الى وقال: لماذا الاهتمام باخبار الصحفيين والمحرريين، فهم في النهاية يؤدون مهنتهم التي اختاروها ويعرفون مسبقا انها مهنة متاعب وليست مهنى تشريفات او نفاق او تدجيل،فالصحافي لم يكن في يوم من الايام موظف علاقات عامة، ولم يكن يروج لشخصية ما، ولكن انظر حولك يا بنى لتعرف الى اين وصلنا ...!

لم اجبه فالجواب معروف للقاصى والداني ، وتركت الاستاذ يكمل حديثه : الصحفي ليس من يأخذ الاخبار من هنا ويبيعها لهنأك او يعطيها لتلك الجهة ، هذه ليست صحافة ، فالصحفي يأخذ الاخبار لينشرها.!

وماذا كان شعاركم يا استاذ في تلك الايام الخوالي ؟!

فقال بدون تردد: شعارنا كان البحث عن القارئ بعد الحصول على القصة ..! اما انتم ما هو شعاركم هذه الايام ؟!

سؤال تاركا الاجابة عليه للصحفيين ومن يحملون هذه الصفة ..!

وأضاف النشاشيبي : اسمع القضية باختصار هي قضية فاشلة من اصلها ، فطالما لم يتم اصلاح الماكينة فلا امل بإصلاح الاخراج ...! والبقية عندك..

وسكت الاستاذ والصحفي والأديب الكبير ناصر الدين النشاشيبي طالبا ان لا نكمل الحديث في هذا الموضوع... احترمت طلبه .وشكرته على هذا الحديث الذي نأمل ان يستفيد منه من يرغب بالاستفادة من الجيل الحالي والقادم من الصحفيين وليس من هؤلاء النفر الذين يعملون بوظيفه صحفي ....

وللحديث بقية

pnn

أضف تعليقك