قاصرات يتحملن اعباء الحياة والامومة قبل الاوان

الرابط المختصر

هرعت ام رهف التي لم تتجاوز السابعة عشرة من عمرها الى منزلها بعد ان كانت تجلس برفقة جارتها في فناء الدار على صرخة طفلتها التي تعرضت لتوها لحرق سلقي نتيجة انسكاب قدر ماء مغلي عليها .

الطفلة رهف تعاني من اوجاع نتيجة حروق متفرقة في وجهها وصدرها وستعاني في المستقبل من تشوه فيهما .

ولم تعلم ام محمد التي تزوجت في سن الخامسة عشرة ان طفلها الذي كان يحبو سيكون ضحية لاندلاق ( طنجرة لبن المنسف ) عليه حين كانت تحضر غداء للعائلة , غير انها لم تتنبه الى ضرورة اجراء صيانة لاحد ارجل ( البابور) في الوقت الذي كانت تسنده بحجر تحرك بمجرد اصطدام الطفل به .

تقول ام سعيد التي تزوجت في سن ال 15 وكانت ترافق طفلها الذي تعرض الى حرق نتيجة انسكاب القهوة على وجهه انها تفاجأت بموافقة والدها على تزويجها من شخص في العقد الخامس من عمره ولم تكن قادرة على الرفض لان والدها كان فقير الحال فيما اغراه زوجها حين وعده بتحسين اوضاعه اذا ما زوجه ابنته .

وتضيف لوكالة الانباء الاردنية ( بترا ) : حرمت من اللعب ومن ان اعيش مراحلي العمرية كما يجب , فجأة وجدت نفسي امّا مطلوبا منها رعاية اطفال في الوقت الذي كنت انا بحاجة فيه الى رعاية .

ولا تختلف هذه القصص الواقعية عن قصص اخرى تعيشها امهات صغيرات ( قاصرات ) تعرض اطفالهن لحوادث منزلية متفرقة اذ ان عددا لا يستهان به من الاطفال يرقدون على اسرة الشفاء نتيجة تعرضهم لحروق معظمها سلقية تجمعهم صفة واحدة الا وهي ان امهاتهم تزوجن دون الثامنة عشرة ما يطرح تساؤلا حول قدرة الفتيات القاصرات على رعاية اطفالهن وتوفير التربية والحماية اللازمة لهم .

تقول اختصاصية التخدير في قسم التجميل والترميم والحروق في مستشفى البشير الدكتورة مها فاخوري انها لاحظت ومنذ سنوات ان القسم يستقبل حالات حروق لاطفال امهاتهم تزوجن في سن مبكرة داعية الى اجراء دراسات حول قدرة الفتيات اللواتي يتزوجن دون سن الثامنة عشرة على فهم اسس تربية اطفالهن , والوقوف على كيفية معرفتهن باصول التعامل من الاطفال والزوج معا .

وفي الوقت الذي تذهب فيه اراء طبية الى ان زواج القاصرات ينطوي على مخاطر صحية تتعلق بالبنية الجسدية والقدرة على رعاية الاطفال اجاز الشرع تزويج الفتيات دون سن الثامنة عشرة بناء على السلطة التقديرية للقاضي .

5349 حالة زواج تمت لفتيات دون سن الثامنة عشرة خلال العام الماضي أي بنسبة ثمانية بالمئة من حالات الزواج التي بلغت لذات العام ( 64738) وفقا لمفتش المحاكم الشرعية في دائرة قاضي القضاة الدكتور واصف البكري الذي يضيف ان عام 2008 شهد 9014 حالة زواج لقاصرات أي بنسبة 5ر13 بالمئة من مجموع حالات الزواج التي بلغت لذات العام 66581 حالة .

ويقول ان سن الزواج قبل عام 2001 كان 15 عاما , لكن تم تعديل قانون الاحوال الشخصية في ذلك العام حيث اشترط القانون ان يكون كل من الخاطب والخاطبة قد اتما سن الثامنة عشرة شمسية , موضحا ان الفرق بين السنة الشمسية والقمرية هو 11 يوما لذا اقتضى ان تكون شمسية .

ويوضح انه ورغم ان سن الزواج وفقا للقانون هو الثامنة عشرة الا ان الزواج دون ذلك السن يترك لتقدير القاضي , اذ يجوز له الاذن بزواج من اكملت ال 15 عاما من عمرها ورأى في ذلك الزواج مصلحة تحدد اسسها بمقتضى تعليمات يصدرها قاضي القضاة لهذه الغاية .

ويتابع ان القاضي يوافق على تزويج من هم دون سن الثامنة عشرة لاسباب عديدة منها ان يكون الخاطب كفؤا للمخطوبة من حيث القدرة على الانفاق والمهر , وان يكون في ذلك الزواج درء مفسدة بهدف الستر , على ان يتحقق القاضي من رضى المخطوبة وان يرى في اختيارها هذا تحقيقا لمصلحتها , وان يجرى العقد بموافقة ولي الامر .

وقد رفع سن الزواج الى 18 كما يوضح ليتوافق مع حق الفتاة في التعليم المدرسي ويرافق التطورات الاجتماعية والاقتصادية ومنها غياب الاسر الممتدة , كما ان رفع السن هدفه ان تتمتع الفتاة بالقدرة اللازمة على رعاية اطفالها وبيتها وزوجها .

وتعد سن الثامنة عشرة هي سن الرشد وفقا للدكتور البكري اذ ان القدرات العقلية والجسدية للمرأة تكون قد اكتملت بحيث تصبح اكثر قدرة على الاختيار والمفاضلة في الحياة بين ما تراه مناسبا لها .

يقول مفتش المحاكم الشرعية في دائرة قاضي القضاة الدكتور اشرف العمري ان عدد حالات زواج القاصرات المشار اليه سابقا هو الذي يوثق , لكن هناك حالات كثيرة بعدم الاذن بالزواج يتم رفضها ولم توثق في جدول الاحصاء السنوي الذي تعده الدائرة , الا انه يتم التحايل من قبل البعض حين يقومون باتمام عقود الزواج في دول مجاورة الامر الذي ينطوي على مخاطر كبيرة لجهة ضياع حقوق الزوجة .

ويورد هنا مفارقة تتعلق بانخفاض نسب الطلاق للمتزوجات دون سن الثامنة عشرة مقارنة بالفئات العمرية الاخرى , فيما تعد اعلى نسبة طلاق للفئة العمرية بين 21 و 25 .

ويؤكد على استحالة اتمام عقد لمن هن دون سن الخامسة عشرة تحت أي ظرف واذا اكتشف انه تم التحايل بشكل او بآخر يجب فسخ هذا العقد حيث تقام دعوى باسم الحق العام لان هذا الزواج يعد فاسدا .

ويعود الدكتور البكري الى القول بان التعليمات المتعلقة بزواج من هم دون سن 18 لم تنص على حالات محددة بل انها دائما تترك لتقدير القاضي بحسب كل واقعة , والتشريع لا يتعامل مع حالات بعينها وانما يتمحور حول قواعد عامة تندرج في اطارها حالات مختلفة وقد لا تشكل سوابق لتترك دائما لتقدير القاضي .

وحول قدرة الفتيات القاصرات على رعاية اطفالهن يقول مستشار النسائية والتوليد الدكتور نذير الهندواي ان زواج القاصرات ينطوي على مخاطر صحية , اذ ان الفتاة دون سن الثامنة عشرة غير ناضجة بيولوجيا او حتى نفسيا لتحمّل اعباء الحمل والتعامل مع الطفل المولود مبينا ان العلم يشير الى ضرورة نضوج جهاز الغدد الصماء لدى الفتاة لانه المسؤول عن تهيئة الام للتعامل مع طفلها من حيث الرضاعة والتنشئة والتربية .

ويوضح ان الحمل لمن هن دون سن الثامنة عشرة يعد حملا خطرا ذلك لان الحوض والرحم لدى الانثى يكونا غير ناضجين بالشكل الكامل ما يؤدي في حالات عديدة الى الاجهاض المبكر او الى ولادات مبكرة ( مواليد الخداج ) الامر الذي يترتب عليه مضاعفات طبية سلبية للطفل واحتمالية اصابته بامراض وضعف في مناعته ما يرتب اعباء مادية ونفسية كبيرة على الاسرة .

ودعا الدكتور الهنداوي الاسر الى الابتعاد عن الزواج المبكر والاهتمام بتنشئة الفتيات واعطائهن فرصا للعيش بمراحلهن المختلفة لجهة التحصيل الدراسي وتعزيز قدراتهن البدنية والنفسية والعملية , حيث ان الام الناضجة المتعلمة هي القادرة على التعامل مع مختلف قضايا الامومة من حيث الحمل او الانجاب او التربية .