فنيو الاشعة ضحايا المواجهة الأولى مع المرض (فيديو انفوجرافيك)
*أنجز هذا التحقيق بدعم من شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج).
لم تمنح العناية الطبية فني الأشعة عمر الردايدة الوقت الكافي لقراءة هذا التحقيق، إذ توفي بعد شهر ونصف من مقابلتنا له أثناء فترة علاجه من سرطان العظم.
عمل الردايدة 19 سنة في مستشفيات وزارة الصحة الأردنية والخدمات الطبية، وكان شاهدا على تجاوزات الشروط الفنية للأجهزة والبروتوكولات الطبية في التعامل مع الأجهزة والعاملين عليها وإجراءات السلامة الصحية، ما ألحق أضراراً بصحة العاملين في هذا القطاع.
يفيد الدكتور خالد ربابعة رئيس قسم الأشعة في الجامعة الهاشمية، أنه وفي حال التعرض المستمر للأشعة يمكن حدوث طفرة جينية على شريط DNA ما يتسبب بالسرطانات.
ضابط الوقاية الإشعاعية: الفني المؤهل والمعين الإدارة المختصة في المنشآت التي تستخدم المصادر المشعة ، للإشراف على تطبيق نظم الوقاية الإشعاعية المقررة، والمساعدة في تقديم المشورة في هذا المجال.
وزارة الصحة الأردنية في رد مكتوب أكدت تنفيذ نحو 300 جولة فحص دوري سنوياً على المنشآت، وعقد ثلاث دورات تدريبية للوقاية الإشعاعية استفاد منها 60 فنياً وهم من تجاوزت خدمتهم 15 عاماً.
وثق معدا التحقيق خلال عام 2019 حالات لخمسة أشخاص عملوا بأقسام الأشعة التشخيصية بمستشفيات وزارة الصحة، أصيبوا خلالها بأمراض متعددة منها سرطانات الغدد وسرطان العظام وأمراض القصبات الهوائية. وأشاروا خلال المقابلات إلى ضعف رقابة وزارة الصحة على هذه الأقسام والأجهزة المستخدمة ومدى سلامتها.
الدكتور أحمد سويدات رئيس قسم الاشعة بـ مستشفى جرش الحكومي يرى أن رقابة وزارة الصحة غير كافية، و"الأصل ألا نجد أي جهاز غير مطابق للمواصفات أو يسرب أشعة".
الدكتور سويدات يشكك بعدم وجود جرعات زائدة و بمطابقة بعض الأجهزة للمواصفات والمقاييس المعمول بها بحسب تأكيدات الوزارة.
وأكدت مؤسسة المواصفات والمقاييس، بسؤالها عن أجهزة الأشعة التشخيصية والعلاجية في المستشفيات الأردنية ومدى مطابقتها للمواصفات، عدم شمولها بالمهام الرقابية للمؤسسة.
مدين للصدفة
للصدفة وحدها يدين صالح سمرين فني تصوير الأشعة بقسم الأمراض الصدرية والتدرن (الوافدين) بمستشفى البشير في اكتشاف إصابته بـ سرطان الغدة الدرقية، حيث إلتقى بطبيب يعكف على إنجاز دراسة عن الغدة الدرقية، فحصه طبيا وطلب منه إجراء فحوصات إضافية.
ويقول "القسم كان يعاني اكتظاظاً في أعداد المراجعين الذين يتراوح عددهم بين 300 إلى 400 مراجع يومياً"، الأمر الذي يعرضهم للمزيد من الأشعة في تعارض مع نظام الوقاية لحدود الجرعة الإشعاعية الذي أوصت به اللجنة الدولية للوقاية الاشعاعية.
86 فني أشعة يعملون في مستشفى البشير الحكومي الذي يستقبل من 1200 إلى 1600 مراجع يومياً، ويستعينون بهم عند الحاجة في مستشفيات أخرى عند نقص الأعداد، بحسب مدير المستشفى الدكتور محمود زريقات.
السرطان ما بيطلع له معلولية
"السرطان ما بيطلع له معلولية (تعويض)" جملة صادمة هدمت آمال سمرين برفع راتبه التقاعدي لعدم شموله بقائمة أمراض المعلولية كالقلب والديسك، على الرغم من خضوعه لثلاث عمليات قسطرة ولتركيب ثلاث شبكات له بعد التقاعد، وظهور كسور في ثماني فقرات من العمود الفقري، وانحناء في الظهر ليصبح طوله 158 سنتيمتراً بعدما كان 171 سنتيمتراً وخسر 24 كيلوغراماً من وزنه.
رفض طلب سمرين للتقاعد الذي عمل 26 سنة في وزارة الصحة في المرة الأولى واضطر لتقديم تقارير طبية بواسطة رئيس دائرة الأشعة لمساعدته في إنهاء عمله حتى يتجنب تعريض نفسة للمزيد من المخاطر نظراً لوضعه الصحي.
الدكتور خالد ربابعة يؤكد أن الفترة المثالية لاستمرار عمل فني الأشعة تتراوح بين 10-15 سنة، وألا تزيد عن ذلك تحسباً لزيادة الجرعات السنوية، أو ما يسمى بالأشعة التراكمية (المكافئة) ومراعاةً للتقدم بالسن باعتبارها مهنة خطرة .
ما يزيد عن 25 عاماً من العمل في قسم الاشعة التشخيصية بمستشفى البشير أمضاها إبراهيم شحادة قبل أن يفارق الحياة بعد اكتشاف إصابته بسرطان الغدة الدرقية في العام 2011.
مدة عمل شحادة تخللتها الكثير من الصعوبات والتجاوزات كما رواها نجله أحمد ، حيث عانى والده من ساعات عمل طويلة في ظل ضعف الرقابة على الأجهزة والمعدات الطبية، والتسريب الإشعاعي وعدم صيانة الأجهزة والمنشآت.
وقال أن والده إرسل كتباً لوزارة الصحة - اطلع معدا التحقيق عليها- بهذا الخصوص أكثر من مرة وتحدث بالأمر لرئيس القسم إلا أن أحداً لم يستمع إليه.
وفيما يتعلق بالتعرض الإشعاعي يؤكد نجل إبراهيم شحادة، أن القراءات الإشعاعية لوالده - والتي اطلع عليها معدا التحقيق فاقت 50 مللي سيفرت- الكمية الأعلى المسموح بها لحدود الجرعة الإشعاعية وفقاً للجنة الدولية للوقاية الإشعاعية ICRP .
لم تنته قصة إبراهيم بوفاته، فتذكر والدة إبراهيم أن وزارة الصحة لم تعتبر مرضه إصابة عمل ولم تصرف بسببها أي تعويض مالي، كما أن الراتب التقاعدي الذي حصلت عليه الأسرة لا يسد احتياجات خمسة أطفال ووالدتهم.
البروتوكولات الطبية
من خلال متابعة الحالات السابقة، يطرح سؤال حول مدى تقيّد مستشفيات وزارة الصحة والخدمات الطبية بـ بروتوكولات العلاج واشتراطات السلامة الصحية والإشعاعية في هذه الأقسام وتوفير متطلبات السلامة العامة للعاملين فيها.
يجمع من قابلهم معدا التحقيق من فنيي الأشعة على وجود اختلالات في عدد من الجوانب أهمها الفحص الدوري للمنشأة وقياس التلوث الاشعاعي .
يقول عمر الردايدة "أنا طول خدمتي كنت اسمع انه فيه فحص، عمري ما شفت حد يفحص الا اذا احنا قلنا في جهاز معطل ".
بموجب المادة 13 من الأنظمة التأمينية للمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي على المؤسسات الالتزام بتوفير معايير الصحة والسلامة المهنية وأدواتها في مواقع العمل، وتحديد المخاطر المهنية وتدابير الوقاية والتحكم والسيطرة عليها.
وهي:
سياسات مكتوبة
وضع تدابير الوقاية
تقييم البيئة العامة لمواقع العمل في المنشأة
كفاءة العاملين
تدريب العاملين
الوقاية في حالة الطوارئ والتأهب والاستجابة لها
خدمات وفحوص طبية دورية للعاملين
رصد وقياس وتقييم أداء السلامة والصحة المهنية
إدارة وتوثيق نظام عدد إصابات العمل وعدد الوفيات الناشئة عنها وتكرارها في المنشأة
ومدى ارتفاعها عن مستوياتها الطبيعية
لا يوجد سجلات رسمية توثق أعداد فنيي الأشعة الذين تسبب عملهم بأمراض، بحسب وزارة الصحة التي أكدت من خلال رد رسمي على توافر جميع إجراءات الوقاية الإشعاعية في المستشفيات والمراكز الصحية.
ونفت وجود أجهزة أشعة غير مطابقة للمواصفات والمقاييس، أو تعرض فنيين لجرعات زائدة ضمن المقاييس الموجودة لدى الوزارة، مؤكدة التزام جميع الفنيين بإتباع أساليب الوقاية الإشعاعية واستخدام أدواتها .
وفي تعقيبه على السجال بين نجل فني الأشعة شحادة ووزارة الصحة يؤكد الدكتور ربابعة ان وزارة الصحة تقوم بدورها لكن ليس بالشكل الكافي، وأن عدد الموظفين "غير كاف ويجب زيادة عدد الموظفين حتى نستطيع حمايتهم بتقليل ساعات عملهم".
من جانبه لا يرى الدكتور سويدات أي علاقة بين الإصابة بالسرطان والعمل بالأشعة لفترات طويلة. ويؤكد على توافر وسائل الوقاية، وأن على العاملين التقيد بها للتقليل من جرعة الأشعة التي تمتصها أجسامهم.
منظومة الحماية للعاملين
توزعت سنوات عمل فني الأشعة جلال الشريدة الـ 21 بقسم الأشعة في مستشفى البشير على 5-6 أيام عمل أسبوعياً، انتهت بإصابته بتضخم الغدة الدرقية العقدي ليتم استئصالها لاحقاً. ويقول أن قدم عمر الأجهزة يعرضه وزملاءه لخطر تسرب الأشعة.
يؤكد استشاري الأشعة التشخيصية المدير التنفيذي لمركز الحسين للسرطان الدكتور عاصم منصور أن العمر التشغيلي لهذه الأجهزة من الناحية التجارية يبلغ 10 سنوات أما من الناحية الطبية واستمرارية العمل فيمكن أن يصل ل 15 سنة بالتأكيد مع استمرار الصيانة والعناية بالأجهزة.
من ناحيته يؤكد الدكتور ربابعة أن التصوير الشعاعي رغم أهميته لكشف الأمراض وتشخيصها إلا أنه يتسبب بأضرار للخلايا.
وفي حال وقع العكس بتعرض فني الأشعة لدرجة أعلى من المسموح به ستظهر عليه مجموعة من الأعراض تتفاوت في شدتها بحسب مقدار الجرعة التي تعرض لها.
وإذا كانت الجرعة عالية يمكن أن يصاب بالعقم وفقدان البصر أو إعتام عدسة العين والسرطانات بأشكالها المختلفة والشيخوخة المبكرة وإسقاط الحمل - بالنسبة للسيدات- نتيجة التعرض المباشر للأشعة لفترات طويلة.
هامشية الرقابة
مشكلة من نوع آخر واجهت فني الأشعة باسل الوزني منذ بداية عملة في أقسام الأشعة وهي هامشية دور ضباط الرقابة الإشعاعية، والذين يقتصر دورهم على الجانب الرقابي وإصدار التقارير من دون منحهم أية سلطات تنفيذية ما يجعل تقاريرهم بروتوكولية.
واستدرك الوزني بالحديث عن إصابته بمرض الربو والالتهابات الصدرية المزمنة خلال فترة عمله في الأشعة، "منذ العام 1990 لغاية 2005 كنا نعمل على تحميض الأفلام يدوياً لعدم وجود موظفي تحميض ومتابعة اجهزة التحميض والكشف عليها والمواد الموجودة فيها وصلاحيتها ما جعلنا أكثر تعرضاً للأبخرة المتصاعدة، إضافة لطول فترات العمل خصوصاً بعد إيقاف فترة الـ14 يوماً استراحة التي كانت تمنح سابقاً للعاملين".
بدوره يجد الدكتور ربابعة أن تقليل الجرعة الإشعاعية يتطلب تقليل وقت الجرعة وزيادة المسافة بين المصدر الإشعاعي وفني الاشعة وتضييق الحزمة الاشعاعية، كما يجب توفر أجهزة قياس الأشعة TLD باستمرار مع فنيي الاشعة حتى نعرف مقدار الجرعة التي يتلقونها شهرياً أو سنوياً.
تراخيص العمل الإشعاعي
يتفق فنيو الأشعة الذين التقاهم معدا التحقيق على عدم التزام مستشفيات وزارة الصحة بالحصول على التراخيص أو تجديدها للمستشفيات والعاملين بها ضمن أقسام الأشعة الصادرة من هيئة تنظيم العمل الإشعاعي والنووي لممارسة العمل، والحفاظ على متطلبات الوقاية الإشعاعية للأجهزة والمعدات والعاملين والمرضى. بالاضافة الى عدم تنسيب ضابط وقاية إشعاعية معتمد لدى الهيئة وهو ما نفته وزارة الصحة من دون ورود ما يفيد بتصويب الأوضاع.
شروط ترخيص الطبيب المقيم من أقسام الطب النووي أو الأشعة العلاجية أو الاشعة التشخيصية
- أكمل مدة اقامة لا تقل عن سنة موثقة بشهادة من المرجع المختص
- حاصل على الترخيص الإشعاعي من الهيئة لترخيص فيزياء الأشعة العلاجية والتشخيصية اوفيزيـــائي الطــب النـووي
- حاصل على الشهادة الجامعية الأولى في الفيزياء حدا أدنى
- حاصل على الشهادة الجامعية المتوسطة دبلوم شامل حدا أدنى يؤهله للعمل في التخصص المطلوب.
يشترط لترخيص فيزيائي الأشعة العلاجية والتشخيصية أو فيزيائي الطب النووي أو فني الأشعة أو مشغل مصادر مشعة او العامل الاشعاعي في المجال الصناعي ما يلي:
1.أن يجتاز دورة تدريبيــة فــي مجــال تخصصـه تعتمدها الهيئة.
2. أن يجتـــاز دورة تدريبيــة فــي مجــال الوقاية مـن الأشعة تعتمدها الهيئة لا تقل مدتها عن ثلاثين ساعة أو أن يرفق بطلبه ما يثبت حصوله على مساق في الوقاية الإشعاعية خلال مدة الدراسة.
تتعارض الخطة الدراسية المعتمدة في الأردن لخريجي الدبلوم قبل عام 2000 مع إجراءات الوزارة إذ لم تتضمن أنذاك دورة وقاية إشعاعية أو ما يعادلها، ومع ذلك تؤكد وزارة الصحة في ردها أن 97% من العاملين ضمن كوادرها لديهم رخصة هيئة تنظيم العمل الإشعاعي، وأنها تسعى لتعديل الخطة الدراسية بما يتلائم وأسس التراخيص المعتمدة .
تقارير صادرة عن "هيئة تنظيم العمل الإشعاعي والنووي" اطلع عليها معدا التحقيق، أظهرت وجود جرعات إشعاعية غير مبررة بغرف التصوير الإشعاعي باثنتين من مستشفيات وزارة الصحة، في مخالفة لمبدأ امتثال الوقاية الإشعاعية، أرفق معها مطالبة بإيقاف العمل بأحد الأقسام لحين تصويب ما ورد في تقارير الزيارات السابقة.
ملخص تقارير هيئة تنظيم العمل الإشعاعي
- عدم ربط الإشارات التحذيرية الضوئية مع جهاز الأشعة لتفادي خطر التعرض الإشعاعي في مستشفيات عدة.
- حفظ أفلام التصوير داخل غرف التصوير رغم اعتباره وسيلة خاطئة للحفظ.
- عدم إجراء فحوصات ضبط الجودة لأجهزة الأشعة، والتي تضمن سلامة المرضى من الجرعات الإشعاعية غير المبررة.
- تجاوز الحد المسموح به للجرعات في غرف التصوير ما يستلزم صيانة الأبواب وزيادة سماكة التدريع للحواجز الواقية وصيانتها بهذه الأقسام.
بدنا نقابة
العاملون في قطاع الأشعة على اختلاف مواقعهم يطالبون بإنشاء نقابة سواء نقابة خاصة للاشعة أو عامة للفنيين لتمثيلهم والدفاع عنهم.
وتتمثل مطالبهم بتحديد عدد سنوات العمل كباقي دول العالم، وإعادة العمل بإجازة الـ 14 يوم التي أوقف العمل بها.
فنيو أشعة يكشفون اعتلالات الأجساد بصور وتقارير ويضعون الخطوط العريضة للأطباء لإنهاء معاناة المرضى، ومعها تبدأ معاناتهم باختراق الأشعة المتكرر لأجسادهم، لعدم توافر الوقاية اللازمة لذلك، ليجدوا أنفسهم من دون معلولية أو دخل يعينهم في ما تبقى لهم في الحياة.